رهام ماجد قنبر – البلاد
تتسارع الخطى في زمننا الحاضر فالحياة ليست سوى لحظة عابرة. نحاول التشبث بظل الماضي بلا جدوى، والمستقبل كسراب نسعى إليه بشغف ، بينما اللحظة الوحيدة التي هي ملكُنا غائبة عن وعينا.
هنا تتجسد معجزة العيش في اللحظة الحاضرة، حيث يتجلى الجمال والسلام، بعيداً عن أصفاد الماضي وغموض المستقبل.
فالماضي هو مرآة ليس بطريق، تخيل أنك تحمل على ظهرك حقيبة مليئة بالحجارة، كل منها يمثل ذكرى بعضها يذكرك بفرحٍ عابر، والبعض الآخر ثقيل يذكر بألمٍ قديم.
هنا يكمن التساؤل : هل يمكنك المضي قدماً بثبات وأنت مثقل بهذا المتاع ؟
اذاً الماضي مرآة لنرى من خلالها ما مررنا به ولنتعلم الدروس ، لكنه ليس طريقاً يمكننا السير فيه مجدداً.
فالماضي انتهى وأي محاولة لتغييره هي كالجري وراء الريح.
فمن الحكمة تقبل كل ما حدث، سواء كان نجاحاً أو فشلاً والسماح له بأن يصبح درساً لا قيداً.
نأتي الآن إلى محيط الاحتمالات ألا وهو المستقبل ، فهو ذلك الأفق اللامتناهي الذي لا يمكننا التحكم به اطلاقاً لكننا بغرابة نقضي ساعات طويلة في التخطيط له والقلق بشأنه.
التخطيط جيد، لكن الهوس به يحول الحياة إلى سباقٍ مرهقٍ نحو المجهول.
هل سمعت يوماً عن زهرة تنمو وهي قلقة بشأن الغيث القادم؟
طبعا لا، إنها تزهر بكل ثقة لإيقانها التام أن الله متكفل بها كما يتكفل بكل شيءٍ في هذا الوجود.
السر هنا هو التوازن نسعى ونخطط، لكن نترك النتائج للخالق و هذا ليس ضعفاً بل هو قمة القوة والإيمان.
“أتقن العمل، واطمئن للقدر”.
روعة العيش في اللحظة كتأمل طفلاً يلهو في الحديقة يضحك بلا هم أو عصفوراً يغرّد فوق شجرة غير مبالٍ بما سيأتي.
هؤلاء يعيشون اللحظة بكل ما فيها، فكيف نستعيد نحن هذا الإحساس النقي؟
يبدأ اولاً من الانتباه إلى التفاصيل الصغيرة كهمس حفيف الشجر عند ملامسة الريح له، دفء الشمس على وجنتك أو نكهة فنجان القهوة بين أناملك .
عندما نتوقف عن التفكير بما كان أو بما سيكون، ونركز وعيّنا على ما هو موجود الآن، نكتشف أن السعادة ليست سراباً بعيد المنال بل هي هنا تنتظر من يراها.
فاللحظة الحاضرة كنز مخفي لا يراه إلا من يتوقف عن الجري.
إن أردت أن تعيش بسلام فتعلم فن الرضى، الرضى ليس استسلامًا، بل هو فهمٌ عميقٌ بأن كل شيءٍ يحدث بحكمةٍ إلهية حتى وإن بدت الأمور عكس ما نتمنى.
حين نرضى بما كتبه الله لنا نجد أن كل ألمٍ يصبح فرصةً للنضج، وكل تأخيرٍ يصبح حكمة، وكل خسارةٍ تصبح درساً.
الرضى لا يعني أن نتوقف عن الطموح بل أن نسعى ونحن مطمئنون أن الله أرحم بنا من أمهاتنا.
الحياة ليست وجهةً نهائية بل هي رحلة مليئة بالمحطات ، كل هدف نحققه هو محطة صغيرة، لكن الرحلة الحقيقية تكمن في السعي ذاته.
السعي هو أن تبذل جهدك وتترك الباقي لله ، حين نفهم ذلك تصبح الرحلة ممتعة، ولا تصبح النتائج هي مقياس النجاح.
“اعمل كأن كل شيء قائم عليك، وادعُ كأن كل شيء قائم على أمر الله”
الحياة أشبه بلوحةٍ فنية ألوانها الماضي وحدودها المستقبل، لكن جمالها الحقيقي يكمن في ضربات الفرشاة التي نرسمها الآن، فكل لحظةٍ نعيشها بوعي هي إضافةٌ إلى هذه اللوحة.
لذلك فك التعلق بالماضي والمستقبل، وهذا لا يعني التخلي عن الذكريات أو الطموحات، بل يعني تحرير أنفسنا من الأصفاد التي تعرقلنا عن عيش اللحظة بلذة الوعي .
حين نعيش اللحظة بوعي ونرضى بحكمة الله ونسعى بجهدنا نجد السلام الذي نبحث عنه.
الحياة تصبح رحلة ممتعة مليئة بالجمال، وليست سباقاً نحو طيف هدف بعيد .
فكل لحظة تعيشها هناك فرصة لتكون سعيد، فاستغلها ولا تدعها تمر دون أن تراها.
Views: 11