أرخت الحرب على سورية بظلالها على النتاج الشعري للشواعر السوريات فاندمج لديهن الوجع الشخصي من فقدان الأب والأخ والابن والزوج مع الوجع العام مما جرته هذه الحرب من ويلات ومآس وآلام على وطنهن مع الأمل بالنصر القادم.
وفي مواجهة الإرهاب والمؤامرة على سورية كتبت عدد من الشواعر اللواتي يمتلكن مواهب حقيقية بكل شجاعة وصدق عما يتعرض له وطنهن بأسلوب جمع بين الاصالة والمعاصرة ليصل إلى المتلقي بشكل عفوي نظرا لما يحمله من هموم الشعب السوري ورفض لكل من يحاول النيل من الأرض.
وكتبت الشاعرة أمل المناور قصيدة ترصد فيها ما تعرضت له دير الزور من إرهاب مشيرة للتحدي الذي جعلها تنتصر ليظل الفرات صامدا بوجه الظلاميين فقالت..
“وفي زمنٍ تمادى فيه..قبح الناس والغدر
وباسم الدين باسم اللهِ..كل وحوشهم جروا
وعاثوا في البلادِ أسىً..وعم البؤس والعسر
أتاهمْ جيشنا بطلاً..ليزرع فيهم الذعر”.
على حين عبرت الشاعرة لينا المفلح عن جهل اولئك الذين سعوا لإشعال الحرب على سورية ظنا أنهم بذلك يهشمون شخصيتها الحضارية لكنها بما تمتلكه من إرث ضارب في القدم ظلت محافظة على مكانتها وسموها برغم كل التضحيات فقالت:
“سبع وذئب النازلات وغولها..وزنادق الجهال في إثر الضباع
ومدينتي تحت الرماد تسربلت..سبعين حزناً والسفين بلا شراع
سيزيف يكتبنا بكل قصيدة..بين انهزام وانكسار واندفاع
في الحزن نبعَث والتراب يشدنا..وكطائر الفينيقِ نسمو لارتفاع”.
أما الشاعرة روضة اسماعيل فبينت في قصيدتها أثر ما تركته الحرب الإرهابية من ألم في حياة الإنسان السوري الذي هو مثل شجر السنديان قوة وشموخا فقالت:
“لم تعد تكفي مناديل الحياة..لأجفف عرق البارود..نظفت البنادق
المحشوة بالقهر..ولا زالت الرصاصة تمشي تحت جلدي..هذا الموت
الذي يقيس المسافة بين الجرح والجرح..نهب الأوراق الخضراء..هدم
صوامع العمر.. لكن السنديان باقٍ لا يشيخ ..يتنشق عبق ألف شهيد وشهيد”.
لكن الشاعرة انتصار قنبر تتساءل عما اقترفه السوريون ليستحقوا هذه الحرب والدمار التي اجتاحت ديارهم في نبرة حزينة متوجعة فقالت:
“حروف الشعرِ أسألكم جوابا..لمَ ارتحل الهوى عنا وغابا
ألا يكفي مواتاً قد سقينا..مرار العيشِ من دن نخابا
أيا دنيا رويدك في امتحان..لشعب فاق أيوب المصابا
تجرعنا المآسي في اصطبارٍ..على ظلمٍ أطال الاكتئابا”.
بيد أن الحزن الذي طال بدوره الشاعرة أحلام بناوي جعلها تنتفض بوجهه لأن الصراع الذي يخوضه السوريون هو صراع وجود وهم مستعدون ليقدموا فيه كل غال فقالت:
“هذي البلاد تقدست بدمائنا..فخذوا الردى من مائنا..و ذروا لنا
هذا القمر..لنعيد رسم خريطة لسمائنا..كفوا الأذى عن مجدنا
وترجلوا..وخذوا البنادق وارحلوا … هيا ارحلوا..هذا تراب
الأرض يروى بالعيون..أقسمت أنا قادمون..نتلو الكتاب على
الربى..إما نكون على ترابك أو نكون”.
وتتحول سورية في شعر عدنة خير بيك إلى جنة أرضية تختزل الحضارة والتاريخ والجمال ويليق بها الفرح فقالت:
“يا سوريتي أمنا أنت…العيد يليق بك ..الحسن أودعه الله في
روابيك..الجنة جعلها الرحمن تحت قدمي قاسيونك الشامخ..زمزم هو
طوق الياسمين على جيد بردى..سلوا التاريخ عنه”.
وتجلت عن الحرب معان جديدة في شعر المرأة السورية التي انتقدت ضعف العرب أمام العدو وتآمرهم على بعضهم وتراجعهم أمام تيار التطرف كما في قصيدة للشاعرة فتاة أحمد التي قالت فيها:
“أرتاب يزداد العجب..من هول أقدار العرب
الذل فوق سمائهم..والجرح يستجدي القطب
والموت من ريح العدا..موج غدا عاتي العطب
جعلوا التطرفَ منهجاً..ويصب فيهِ منَ الغضب”.
محمد خالد الخضر
سانا
Views: 1