اللاسامية، أو معاداة السامية، مصطلح اخترعته الحركة الصهيونية للتعبير عن معاداة اليهود. وكلمة “سامي” مأخوذة مما ورد في الاصحاح العاشر من سفر التكوين من أن أبناء نوح هم سام وحام ويافث.
والساميون هم نسل سام من العرب واليهود وغيرهم. ولكن الصهيونية* تعمدت اطلاق السامي على اليهودي وأصرت على اطلاق مصطلح معاداة السامية على كل الحركات والأفعال المناوئة لليهود في أوروبا، وفي كل أنحاء العالم فيما بعد، تجنباً منها لاستعمال مصطلح معاداة اليهود بسبب ما اكتسبه لفظ اليهودي من ظلال قبيحة في أذهان الشعوب الأوروبية عبر التاريخ. فقد ارتبطت كلمة اليهودي بصفات البخل والانطلاق والجبن والاستغلال وغيرها.
وظاهرة معاداة اليهود تعود إلى العصور القديمة. فشيشرون الروماني عبر عن ضيقه باليهود الموجودين في روما. ويذهب الكثير من المؤرخين إلى أن الصحفي الألماني اليهودي الأصل “ولهلم مار” هو أول من استخدم مصطلح اللاسامية بمعنى معاداة اليهود، وذلك عام 1879 بعد الحرب البروسية – الفرنسية التي تسببت في انهيار كثير من الماليين وجعلتهم يلقون اللوم على اليهود.
ولقد كان العداء بين اليهود والعالم المسيحي عداء دينياً بحثاً منذ القرن الأول الميلادي، إلا أنه تحول في أواخر القرن الثامن عشر إلى عداء اقتصادي وعرقي. فبعد موجة التحرر التي أشعلتها الثورة الفرنسية في أوروبا وتلاشي التعصب الديني اهتم الناس بالعلم الحديث وتعلقوا به. وأصاب اليهود مكاسب جمة من جراء ذلك إذ نالوا حقوق المواطنة في معظم دول أوروبا. هولندا 1796، وفرنسا 1830، والدانمارك 1849، وانكلترا 1858، والنمسا 1867، وايطاليا وألمانيا وسويسرا والبلقان، وأخيراً روسيا بعد ثورة تشرين الأول 1917.
تذكر الكاتبة “حنة ارندت” أن اليهود في فرنسا وفي جميع الدول الأوروبية التي نالوا فيها التحرر أصبحوا على صلة بأموال الدولة. وقد تمكن المملون اليهود من الهيمنة على مقاليد الأمور في مختلف الدول. فحين أبرمت اتفاقية 1871 بين فرنسا وألمانيا تولى النواحي المالية في الاتفاقية أصحاب البنوك اليهود في كلا الجانبين. وحين ظهرت فكرة القوميات في القرن التاسع عشر وما صحبها من محاولات لاكتشاف عبقرية كل أمة صف اليهود أنفسهم أمة سامية ترفض الاندماج في الأمم الأخرى, وبسبب من هيمنتهم المالية ومنافستهم للرأسمالية الأوروبية حاولت هذه الرأسمالية توجيه نقمة الطبقة العاملة الأوروبية عليهم فجعلت من الصراع بينها وبين العمال (الصراع الطبقي) صراعاً عرقياً يستهدف اليهود.
وحين جاءت الصهيونية تلقفت هذا العداء لتجعل منه ظاهرة وعقيدة راسخة في النفوس. وكان موسى هس (1812-1875) من أوائل المفكرين الصهيونيين الذين حاولوا استغلال السامية وجعلها عقيدة صهيونية. ففي محاولة هس حل المسألة اليهودية هاجم اليهود الذين يدعون إلى الانصهار في الحضارة الغربية، وذهب في محاولته الرد على تفوق العرق الآري إلى الادعاء بأن الانسانية عاجزة بحكم تكوينها العضوي عن التقدم بدون اليهود.
أما ليو بنسكر (1821-1891) فقد حاول أن يجعل من اللاسامية مرضاً موروثاً لدى شعوب العالم فقال ان كراهية الشعوب لليهود مسألة نفسية، وان اللاسامية مرض لا يمكن علاجه لأنه عاهة تنتقل من الأب إلى الابن، وان التقدم مهما عظم لن يقتلعها، إلا اذا تغير وضع اليهودي تغييراً جذرياً.
ثم جاء هرتزل. وفي عهده حدثت القضية المشهورة (قضية دريفوس) التي استغلتها الصهيونية أبشع استغلال وجعلت منها عنوانا للاسامية، وجعلت هرتزل بغير وجهة نظره ويذهب إلى أن المسألة اليهودية ليست مسألة اقتصادية بل قضية قومية، وأن حلها لن يكون إلا بجعلها مسألة سياسية.ورأى هرتزل أن اللاسامية أعادت القوة إلى اليهود، وأنها مفيدة للحركة الصهيونية ولتطوير الفردية اليهودية.
ثم جاء حاييم وايزمان أن اللاسامية مسألة نفسية، وأنها باقية ما دام اليهود موجودين.
كل ذلك كان من أجل دفع اليهود إلى أحضان الصهيونية والحيلولة دون اندماجهم في الأمم الأخرى يزرع الشك والريبة والخوف في نفوسهم، أو يزرع الاستعلاء والغرور ومزاعم التفوق العرقي.
استغلت الصهيونية فكرة اللاسامية لتحقيق أهدافها في انشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، بل عملت على تأجيج نارها وافتعالها كلما خمدت. وقد كان هناك اعتقاده بأن اللاسامية ستنتهي بهزيمة النازية. ولكن الصهيونية أرادت للاسامية أن تستمر لأنها البقرة الحلوب للصهيونية المعاصرة وأداة الابتزاز والارهاب التي تشهدها ضد العالم، ولا سيما ضد الانسان الأوروبي الذي أصبح يعاني بفعل الدعاية الصهيونية من عقدة الذنب وتأنيب الضمير.
لقد استطاعت الصهيونية أن تجمد منذ مطلع هذا القرن عدداً هائلاً من الكتاب والمفكرين الغربيين الذين خدعوا وانزلقوا في أحايل الصهيونية فراحوا يروجون للاسامية من وجهة النظر التي تخدم الحركة الصهيونية. وغالباً ما استقى هؤلاء الكتاب معلوماتنهم عن اللاسامية من المصادر الصهيونية كالموسوعة اليهودية التي أفردت لمصطلح اللاسامية ما يزيد على 150 عموداً تتحدث فيها عن تاريخ اللاسامية ابتداء من عام 410 قبل الميلاد. ومن أبرز الكتاب الذين روجوا للاسامية بما يخدم الأهداف الصهيونية الكاتب الانكليزي جيمس باركس الذي رآها أمضى سلاح ضد الديمقراطية وعاملا من عوامل الهدم، وقال انها ليست سلاحاً موجهاً ضد اليهود وحدهم ولكنها موجهة ضد العالم الغربي كله. وما لبثت اللاسامية أن أصبحت في مفهوم هذا الكاتب “اللاإسرائيلية”، وتحول كل عداء لـ(إسرائيل) – حتى العداء العربي المشروع – عداء للسامية. وعلى الرغم من اعترافه بأن التعامل العربي مع اليهود طوال التريخ كان يخلو من العداء فإنه يجعل عداء العرب للصهيونية عداء للسامية.
إن شهر سلاح اللاسامية على كل من يقف في وجه الحركة الصهيونية أو يشكك في نشاطها أو مطامعها التوسعية أطلق يدها لتهيمن على مقدرات الاعلام الغربي. فلم يعد هناك كاتب أو مفكر أو صحفي حر يجرؤ على فضح الصهيونية أو إدانتها دون أن يتعرض لتهمة اللاسامية.
بل ان الصهيونية اتهمت الاتحاد السوفييتي باللاسامية بسبب موقفه من بعض اليهود الذين يمارسون تخريب اقتصاده، أو بسبب موقفه من الهجرة اليهودية. وأصبحت اللاسامية المنسوبة إلى الاتحاد السوفييتي تعني “اللاسامية”، وذلك لتأليب الغرب المسيحي على الاتحاد السوفييتي.
ويحدث هذا رغم أن الاتحاد السوفييتي كان أول دولة جعلت من اللاسامية بمعنى كراهية اليهود جريمة يعاقب عليها القانون.
أما بلزر فقد كانت اللاسامية عنده تعني أشياء متعددة. فثورة العمال في ألمانيا على الرأسمالية اليهودية واحتكار حفنة من اليهود للاقتصاد الألماني هي عنده “اللاسامية الاقتصادية” أو اللارأسمالية. أي أن معاداة الرأسمال اليهودي أصبحت عند بلزر معاداة اللاسامية.
ولم تقف الصهيونية في استغلالها اللاسامية عند هذا الحد فراحت تتفهم كل من يتعاطف مع الفلسطينيين في مآساتهم بأنه لا سامي، تماماً مثلما تهمت العرب (الساميين) بأنهم لا ساميون. لا بل انما اتهمت اليهود الذين عارضوا الصهيونية باللاسامية. فحين تظاهر اليهود العراقيون في تل أبيب عام 1951 احتجاجا على التفرقة بين الأشكنازيين* والسفرديين* هاجمهم بن غوريون ووصف تظاهرتهم بأنها “لا سامية إسرائيلية”.
وهكذا تحولت “اللاسامية” كلياً إلى “اللاصهيونية” فأصبحت معاداة الصهيونية، أو استنكار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، أو الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطين، معاداة للسامية.
وما تزال الصهيونية تشهر سلاح اللاسامية في وجه كل دولة أو سياسي في العالم ينتقد (إسرائيل) أو يقف من العرب موقفاً مؤيداً، بعدما استخدمت هذا السلاح بفاعلية لإقامة دولتها في فلسطين العربية.
المراجع:
- ابراهيم الحاردلو: الصهيونية وعداء السامية، الخرطوم 1970.
- عبد الوهاب المسيري: موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، القاهرة
Views: 1