لبنى شاكر
بعيداً عن نبوءات عدد من المسرحيين السوريين واستباقهم لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية التي ظهرت صدقيتها لاحقاً، يطالعنا التشكيليون هذه المرة بتوقعات وحظوظ جديدة، هم الذين رسم عدد منهم حروباً على القماش الأبيض قبل أن تبدأ الحرب الحقيقية كما عايشناها منذ سبع سنوات. وعلى ما يبدو ستشهد المعارض القادمة نبوءات عديدة، أجملها ما استشرفته محصلة مشاركاتهم في معرض الخريف المستمر هذه الأيام في خان أسعد باشا في دمشق.
«وداعاً أيتها الحرب» نبوءة منتظرة، وجدت طريقها إلى مختلف النماذج الفنية، أخيراً انخفض منسوب الدماء والوجوه المشوهة نحو شيء من السكينة أو ربما هي الجرأة في إعلان رغبة التغيير بعد أعوام من الأجساد المتلاصقة والسماوات السوداء، حتى ظننا أن معارك الألوان توازي نظيرتها الواقعية شقاء وأسى. بالطبع لم يتخل الجميع عن الحدث الراهن، ولا يعني هذا إقلالاً من شأن أعمالهم أو رؤيتهم لكنه بحث عن المختلف لا غير، من دون أن ننسى مقدرته المتفاوتة على تحقيق شيء من دهشة!.
تجاورت في المعرض مختلف الخصوصيات والتقنيات الفنية والأجيال، يغمز إلينا فنان مشارك بأن الكيدية والمزاجية وصلت حتى إلى طريقة عرض اللوحات وتوزيعها في زوايا الخان الواسع، وسواء صح ذلك أم العكس، يفترض أن يمتلك العمل قدرة على الدفاع عن نفسه، وجودته وقيمته. وهو ما عرفته أعمال منها «امرأة ترتدي الأبيض» للفنان سعد يكن، حيث صاحبة الرداء الأبيض قادرة على انتشال الرجال حولها من بؤسهم، ليس لأنها جميلة بل ربما لما يظهر عليها من روحانية حقيقية أو مفتعلة. وفي عمل لـ سوسن جلال، انحياز نحو الجماليات البسيطة، تلك التي ما عادت لافتة للأنظار، في مجموعة ورود ملونة بيضاء وحمراء، أشكال معتادة ومنحنيات سهلة وفكرة تقليدية، لكنها جميلة بعيداً عن فلسفة البساطة وتعقيدها. وهو ما تقدمه أيضاً عفاف خرما في مشاركتها، جزئيات من أشياء خاصة، في أسفل اللوحة لجهة اليمين صورة لسيدة وفي الجهة الثانية حقيبة معلّقة، لا شيء عدا منمنمات مكررة، لا إضافات تذكر، كأنها الحياة حين ندرك زوالها المحتوم برغم كفاحنا المحموم تجاه كل ما فيها.
الفنانة ليلى طه عادت إلى «التقاسيم الشامية» فرسمت مقتطفات من بيوت قديمة، شرفات وشبابيك منحنية ومتداخلة، فيها شيء من حميمية الحارات الشعبية وسكونها الغني بالخفايا والأسرار، اكتملت مع ألوان الأحمر والبنفسجي. واختار أحمد مصباح شما «قطة البيت الدمشقي»، والمعروف عنها ارتياحها في الأمكنة الدافئة الآمنة، وفي دمشق تحديداً للقطط حصة من الشوارع والزواريب، أجمل ما فيها نظرتها المباشرة تجاه الطرف الآخر، من دون أي خوف أو ذعر. ولم يخل المعرض من التقليدية المعروفة في تشكيل دمشق.
في إحدى زوايا المعرض عُرضت عدة لوحات لنساء مختلفات عما نراه عادة عن المرأة الأم والوطن وما إلى ذلك، في إحداها جسد مترهل، يشبه كتلاً متلاصقة، إلى جانب وضعيات مغايرة للذهنية السائدة، كل هذا يحسب للجديد فنياً، وينطبق أيضاً على عدة منحوتات مشاركة، وإن كانت على قلتها لا تعد مؤشراً على النتاج النحتي عامة. شاهدنا بطبيعة الحال منحوتات بأسلاك شائكة وأخرى من بقايا الحرب، في حين ذهبت أخرى نحو مواضيع ثانية كالحب بكتل متوسطة الحجم وملمس متعرج.
إلى جانب الأعمال الفنية، يكثر الهمس في المعرض السنوي عن آلية الدعوة الموجهة للفنانين وحسبما يظهر فهي لا تلقى رضا الجميع، يتساءل بعضهم عن تجاهله المقصود وغير المبرر، وهو أمر لا ينفصل عن إشكاليات تحكم الوسط الفني، عادة ما يتحدث عنها أصحابها كفضفضة للصحفي الصديق. أما السؤال الأهم «أين الجمهور؟»، التقينا هناك وجوهاً تشكيلية كثيرة، بعض طلاب الجامعات وأصدقاء الفنانين وزملائنا الإعلاميين في وقت كان العشرات يمرون من أمام الخان من دون أن يدفعهم الفضول لزيارة المكان الملون، ربما تكون هذه الإشكالية الأكبر التي تحتاج رؤية أكثر واقعية وصراحة تجاه العلاقة بين السوريين والتشكيل، مع تكرار المعارض وتزاحم أسماء الفنانين.
بعيداً عن نبوءات عدد من المسرحيين السوريين واستباقهم لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية التي ظهرت صدقيتها لاحقاً، يطالعنا التشكيليون هذه المرة بتوقعات وحظوظ جديدة، هم الذين رسم عدد منهم حروباً على القماش الأبيض قبل أن تبدأ الحرب الحقيقية كما عايشناها منذ سبع سنوات. وعلى ما يبدو ستشهد المعارض القادمة نبوءات عديدة، أجملها ما استشرفته محصلة مشاركاتهم في معرض الخريف المستمر هذه الأيام في خان أسعد باشا في دمشق.
«وداعاً أيتها الحرب» نبوءة منتظرة، وجدت طريقها إلى مختلف النماذج الفنية، أخيراً انخفض منسوب الدماء والوجوه المشوهة نحو شيء من السكينة أو ربما هي الجرأة في إعلان رغبة التغيير بعد أعوام من الأجساد المتلاصقة والسماوات السوداء، حتى ظننا أن معارك الألوان توازي نظيرتها الواقعية شقاء وأسى. بالطبع لم يتخل الجميع عن الحدث الراهن، ولا يعني هذا إقلالاً من شأن أعمالهم أو رؤيتهم لكنه بحث عن المختلف لا غير، من دون أن ننسى مقدرته المتفاوتة على تحقيق شيء من دهشة!.
تجاورت في المعرض مختلف الخصوصيات والتقنيات الفنية والأجيال، يغمز إلينا فنان مشارك بأن الكيدية والمزاجية وصلت حتى إلى طريقة عرض اللوحات وتوزيعها في زوايا الخان الواسع، وسواء صح ذلك أم العكس، يفترض أن يمتلك العمل قدرة على الدفاع عن نفسه، وجودته وقيمته. وهو ما عرفته أعمال منها «امرأة ترتدي الأبيض» للفنان سعد يكن، حيث صاحبة الرداء الأبيض قادرة على انتشال الرجال حولها من بؤسهم، ليس لأنها جميلة بل ربما لما يظهر عليها من روحانية حقيقية أو مفتعلة. وفي عمل لـ سوسن جلال، انحياز نحو الجماليات البسيطة، تلك التي ما عادت لافتة للأنظار، في مجموعة ورود ملونة بيضاء وحمراء، أشكال معتادة ومنحنيات سهلة وفكرة تقليدية، لكنها جميلة بعيداً عن فلسفة البساطة وتعقيدها. وهو ما تقدمه أيضاً عفاف خرما في مشاركتها، جزئيات من أشياء خاصة، في أسفل اللوحة لجهة اليمين صورة لسيدة وفي الجهة الثانية حقيبة معلّقة، لا شيء عدا منمنمات مكررة، لا إضافات تذكر، كأنها الحياة حين ندرك زوالها المحتوم برغم كفاحنا المحموم تجاه كل ما فيها.
الفنانة ليلى طه عادت إلى «التقاسيم الشامية» فرسمت مقتطفات من بيوت قديمة، شرفات وشبابيك منحنية ومتداخلة، فيها شيء من حميمية الحارات الشعبية وسكونها الغني بالخفايا والأسرار، اكتملت مع ألوان الأحمر والبنفسجي. واختار أحمد مصباح شما «قطة البيت الدمشقي»، والمعروف عنها ارتياحها في الأمكنة الدافئة الآمنة، وفي دمشق تحديداً للقطط حصة من الشوارع والزواريب، أجمل ما فيها نظرتها المباشرة تجاه الطرف الآخر، من دون أي خوف أو ذعر. ولم يخل المعرض من التقليدية المعروفة في تشكيل دمشق.
في إحدى زوايا المعرض عُرضت عدة لوحات لنساء مختلفات عما نراه عادة عن المرأة الأم والوطن وما إلى ذلك، في إحداها جسد مترهل، يشبه كتلاً متلاصقة، إلى جانب وضعيات مغايرة للذهنية السائدة، كل هذا يحسب للجديد فنياً، وينطبق أيضاً على عدة منحوتات مشاركة، وإن كانت على قلتها لا تعد مؤشراً على النتاج النحتي عامة. شاهدنا بطبيعة الحال منحوتات بأسلاك شائكة وأخرى من بقايا الحرب، في حين ذهبت أخرى نحو مواضيع ثانية كالحب بكتل متوسطة الحجم وملمس متعرج.
إلى جانب الأعمال الفنية، يكثر الهمس في المعرض السنوي عن آلية الدعوة الموجهة للفنانين وحسبما يظهر فهي لا تلقى رضا الجميع، يتساءل بعضهم عن تجاهله المقصود وغير المبرر، وهو أمر لا ينفصل عن إشكاليات تحكم الوسط الفني، عادة ما يتحدث عنها أصحابها كفضفضة للصحفي الصديق. أما السؤال الأهم «أين الجمهور؟»، التقينا هناك وجوهاً تشكيلية كثيرة، بعض طلاب الجامعات وأصدقاء الفنانين وزملائنا الإعلاميين في وقت كان العشرات يمرون من أمام الخان من دون أن يدفعهم الفضول لزيارة المكان الملون، ربما تكون هذه الإشكالية الأكبر التي تحتاج رؤية أكثر واقعية وصراحة تجاه العلاقة بين السوريين والتشكيل، مع تكرار المعارض وتزاحم أسماء الفنانين.
Views: 3