ناظم عيد- الخبير السوري:
بالأمس كان إعلان حاسم للائحة مهام جديدة، تبدو غير تقليدية في مضامينها، إستراتيجيّة بتوجّهاتها الهادفة إلى معاودة ضخ نسغ الحياة في أوصال التنمية الحقيقيّة، بعموم مساراتها وتشعّباتها.
فقد أفرد سيّد الوطن، السيد الرئيس بشار الأسد، قائمة مسؤوليات مجتمعيّة متكاملة تتسم بخصوصية الارتسام الأفقي ، في إطار الهيكليّة بالغة التنظيم والتي اسمها “المجالس المحلّية”، وفي دلالة هذا المصطلح تتموضع خارطة طريقنا الحقيقيّة في التعاطي مع استحقاقات التنمية، التي تبدو إعادة الإعمار جزء منها وليست كلّها.
“التنمية” .. ستكون الكلمة المرشّحة للتداول المكثف، غداً وفي القادمات غير البعيدة من الأيام،..كلمة واحدة بألف دلالة ودلالة، و أبعاد مديدة في عمق حياة الفرد والمجتمع والدولة بالعموم..بل لعلّها تختزل اليوم، أمام خصوصية ظرفنا كسوريين، سلسلة طويلة من الواجبات مع ما يعتريها من حقوق..من هنا تبدأ رحلتنا نحو مستقبل هذا البلد العائد للتو من حربٍ ، ثمة من خطط لها، كي ” لا تبقي ولا تذر”..ومن هنا يبدأ توزّع المهام والمسؤوليات في سياقٍ وطني، لا يسمح باستثناء أحدٍ، أي أحد، من إملاءات الدور والحضور، فكلّنا شركاء في التنمية، جملة ردّدناها كثيراً لكنها لم تعد الآن، لمجرّد “التنطّع” أو التسلية.
الواقع أننا فعلاً بأمسّ الحاجة، لثقافة عمل و أداء جديدة تنسف ” ذهنيّة المخاتير” التي غلّفت وتغلّف أداء مجالسنا ووحداتنا المحليّة، تقليدياً وليس الآن وحسب، ففي هذه الحلقات عهدنا كمون الطاقات وإغفاءة المسؤوليات، وترحيل المهام، باعتبارها “كراسي” ذات امتيازات مؤقتة لا دائمة، ما عطّل أذرعاً من المفترض أنها عالية الفعالية وفق التشريعات الناظمة لعملها، وحيّد المبادرات الشعبيّة من مضمار التنمية الحقيقيّة، فكانت مجرّد هياكل تنصّلت من دورها ومهامها، تاركة العبئ الثقيل على السلطة التنفيذيّة، رغم أنها هياكل منتخبة شعبياً وليست مكلّفة بقرارات تسمية أو إسناد حكومي.
الآن على وزارة الإدارة المحليّة، أن تعيد بناء مسؤوليات هذه الهياكل، و أن تكسر حالة “الوجوم” التي تعتريها، فمواردنا في هذا البلد الغني بموارده، ما زالت خارج نطاق الاستثمار، أو داخل دائرة الاستثمار الواهن والمترهّل، ففي الأرياف البعيدة عن مراكز الإدارة والقرار، لا وجود حقيقياً للإدارة التنفيذية، لأن الإدارة شعبيّة بامتياز في البعدين الخدمي والتنموي، عبر البلديات والوحدات الأخرى في سلسلة “التنظيم المحلّي”..
لكنها بقيت أريافاً غنيّة بمواردها فقير جداً بإيراداتها..والسبب في جزء كبير منه يعود لانكفاء القائمين على المسؤوليات هناك، من استنهاض الموارد إلى مجرّد ” كرسي وطاولة ومكنة شكوى” من ضيق الحال وعدم كفاية المخصصات المالية للاضطلاع بالمهام الخدميّة.
الوحدات المحليّة هي من عليه أن يكتشف المبادرات ويشجع أصحابها، ويساهم بتحديد الفرص التي تنتجها الميزات النسبية والمطلقة لكل منطقة. وهي وسيط التواصل الفاعل مع مؤسسات السلطة التنفيذية بكافة اختصاصاتها، من أجل تقديم الدعم والتسهيلات إجرائية كانت أم مادية، لكل المبادرات الإنتاجيّة التي نبدو بأمس الحاجة إليها اليوم ..مبادرات الكلّ والجميع لدية ما يبادر به.
الأرياف والبلدات هي المطارح المثلى للإقلاع باتجاه إرساء تطبيقات مصطلح التنمية المتوازنة، و الأنسب لمقاربة الوقائع العمليّة لسياسات وبرامج مكافحة الفقر والبطالة..لأن مكافحة هاتين الآفتين غير ممكنة بمجرد زيادة على الراتب، أو زيادة جرعات المعونة الغذائية العينيّة.
لا بد من مشروعات إنتاجية مستدامة تقضي على ” وصمة الاقتصاد الخام” التي تغلّف اقتصادنا وطريقة استثمارنا لمواردنا..هذه مهمة فوق حكومية وترتقي إلى البعد المجتمعي الوطني المتكامل..تكون الوحدات المحليّة أهم أداة نافذة فيه، لكن لتنفض عن نفسها غبار الترهل أولاً ولتستعد للعمل، لأنها أما استحقاقات لم تعد تسمح بالتثاؤب فراغاً و بطالة.
Views: 5