يواصل الأديب داود أبو شقرة تجربته الكتابية في مجال الرواية عبر مسألتين لافتتين هما التعمق في معالجة التاريخ وفق تخييل روائي لا يتعارض مع الوقائع التاريخية والبناء الروائي الذي يجترحه لتقديم أحداثه.
ويقدم أبو شقرة في روايته الأحدث “كفر نعمة” التي صدرت عن دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق سفراً جديداً في الأدب القومي العربي كون أحداثها المفترضة تدور في قرية مفترضة بمحافظة المنصورة من الريف المصري وبالتحديد في دلتا النيل.
وكتب الدكتور المصري محسن العزب في كلمة نشرت على غلاف هذه الرواية.. “كأنك أمام لوحة سوريالية فانتازية مضيفاً إليها سحر الواقعية لتحكي تاريخ مصر كله حديثه وقديمه في وقت واحد وذلك في ستة وأربعين فصلاً سردياً في رواية مكتوبة بلغة تخييلية وبأسلوب أدبي بليغ سواء في السرد بالعربية الفصحى أو في الحوار الذي جاء بالعامية المصرية وتمتع بروحها وكأن الكاتب مصري خالص”.
وتتناول رواية “كفر نعمة” تاريخ مصر في صفحات منذ عهد النبي موسى إلى حقبة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مصورة معاناة المصريين من التسلط عليهم وعلى مقدراتهم بأسلوب ليست له علاقة بالتأريخ بقدر ما له علاقة بإعادة بناء عوالم مستمدة منه ليصوغه أبو شقرة بلحن خاص يعزفه عبر شخصيات يكاد القارئ يشعر أنها تتحرك بين ظهرانيه.
تميزت الرواية أيضاً بتلك السخرية اللاذعة من حيث السرد والوصف وحتى الحوار على لسان شخصيات تكاد تكون كاريكاتيرية كما تتضمن فصولاً من الإدهاش كالفصل المعنون بموت ابن رشد في طريقة مائزة بالتعامل مع التاريخ وربطه بالحاضر من خلال أسلوب بالغ الإتقان.
في تجربته الجديدة يختط الأديب أبو شقرة منهجاً جديدا في الرواية العربية إذ يصبح التاريخ طيعاً بين يديه ليعيد صياغته من جديد من خلال شخصيات وأحداث ومدن وقرى مفترضة فكفر نعمة غير موجودة وقربها قرية المسخوطة المفترضة أيضا والتي تطورت من مخيم للغجر إلى مدينة كبرى تنافس المنصورة والمحلة لتصبح مشكلة بالنسبة لكفر نعمة وتبدأ الأحداث بين البلدتين تتطور كالصراع بين دولتين.
وحين تتعرض مصر للعدوان تتعرض كفر نعمة لهجوم الغجر الذين يستبيحون أراضي القرى المحيطة وخيراتها بحجة أن العرب طارئون عليها وأن مصر هي في الأصل لهم ليدخل الكاتب في لعبة فانتازية تاريخية عندما يستحضر زعيم الغجر أرواح أجداده ملوك الغجر الذين يدعون “ملوك مصر” في حين يبدأ زعيم القرية باستحضار إله فرعوني لم يسمع به أحد من قبل فيثور الغبار بما يحمله من قوى غيبية وعربات فرعونية تغير مجرى المعركة.
وحين تقصف طائرات العدو أبراج البث التلفزيوني والإذاعي في منطقة أبو زعبل يكون أبو المجد المصري زعيم أحد أهم الأسر العربية المصرية يعاني من التعذيب في سجن أبو زعبل لقيامه بالهجوم على الغجر ويموت في اللحظة التي يتم فيه إسكات الإذاعة المصرية لتعلن إذاعة دمشق أنها صوت مصر من دمشق.
“كفر نعمة” التي جاءت في 344 صفحة من القطع المتوسط بحاجة لوقفة متأنية حتى يتم استنباط جميع ما فيها من رموز ودلالات ومتعة فائقة على المستوى الأدبي الذي يقدمه أبو شقرة.
سانا
Views: 0