بين الصمود والصبر صلة قربى في المعنى والمبنى ووشائج تلاحم في المفهوم والمضمون إلى حد لا يمكن أن نتصور معه صموداً من دون صبر، أو صبراً من دون صمود، وأحسب أن النصر لايصنع إلابالصبر والصمود معاً، ومن هنا نقول: «وما النصر إلاصبر ساعة»، وسورية صمدت وكابدت وصبرت وصابرت سنين طويلة قاربت سبع سنوات لتصل إلى لحظات الانتصار العظيم عبر تضحيات كبيرة قدّمها السوريون ببسالة مدهشة قلّ نظيرها في تاريخ الشعوب فكان صبرهم استراتيجياً وصمودهم أسطورياً ماشقّ أمامهم طريق الانتصارات المتتالية.
لقد امتلكت سورية وحلفاؤها منذ بداية الحرب الإرهابية عليها الحكمة والهدوء وقوة الإرادة والتحمّل في وقت ما كان لأحد أن يظن أن لدى سورية والسوريين مثل هذا الحجم من مخزون الصبر ورصيد الصمود، حيث فشلت مراكز الدراسات الغربية الكبرى في حساباتها وتقديراتها لهذا الرصيد، وعممت في بداية الأحداث «أن أشهراً قليلة تفصلنا» عن «سقوط» الدولة السورية، «وأن أيام نظامها السياسي باتت معدودة»، وردّد هذه الأقوال بببغائية وتكرار ممل معظم رؤساء وكبار مسؤولي دول العدوان الثمانين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في سياق حرب نفسية وإعلامية هي الأشد والأقوى في التاريخ المعاصر.
وبعد صبر مرّ على الألم وتحمل مُضْنٍ للضغوط قرر الجيش العربي السوري خوض معركة تطهير حلب من الإرهابيين الذين حاصروها من كل الجهات ودمروا ونهبوا وعاثوا إجراماً بكل شيء سنوات طويلة، وهنا راهنت قوى العدوان ومن لفّ لفها على أن من المستحيل استرداد عاصمة الشمال السوري المملوءة بالأنفاق المفخخة والمدججة أحياؤها بالإرهاب وعصابات التكفيريين ومخابرات أردوغان وأمريكا والغرب والخليج، وهزم هؤلاء جميعاً وعادت حلب وسقطت أحلام السلطان السلجوقي وأوهام مشروعات التقسيم، وتتالت بعدها انتصارات الجيش العربي السوري وحلفاؤه في أرياف حمص وحماة واللاذقية والغوطة والجنوب والبادية، وتوجت في دحر الإرهابيين من جرود القلمون التي ظنوا أنها عصية على الاقتحام وأنها أصعب من جبال تورا بورا في أفغانستان.
ومن ثم كرّروا الأمر ذاته عندما بدأت معركة دير الزور بالأمس القريب وزادوا على مستحيلاتهم السابقة أنه من سابع المستحيلات كسر الحصار وفكّ الطوق عن عروس الفرات التي اختطفها الوحش الـ«داعشي» منذ ثلاث سنوات بلياليها الدامسة، وخاب أملهم مرة أخرى بعد انتصار دير الزور وسقوط المحال تحت أقدام أبطال الجيش العربي السوري وحلفائه، وها هي دير الزور تعود مكلّلة بمعجزة النصر وإعجاز بطولات حلف المقاومة.. وإذا كان معروفاً في العلوم العسكرية أن المعارك الأخيرة هي المعارك الأصعب والأشرس، ومن يخسر أخيراً يخسر كثيراً ونهائياً، ومن ينتصر أخيراً ينتصر نصراً مؤزراً وكاملاً، فإن النصر في دير الزور يبشرنا بنهاية مؤكدة للعدوان الإرهابي المجرم على سورية، وطيّ صفحته فيها إلى غير رجعة
Views: 21