"سلطانة القاهرة"هي رواية صادرة عن دار نوفل في العام 2018 من تأليف ديما الدروبي وترجمها عن الفرنسية أدونيس سالم. حيث تروي، في نحو ثلاثمائة صفحة، حكايةً شجرة الدر، المملوكة، التي أصبحت سلطانة على مصر إبان الحكم الأيوبي لمصر والشام.اذ ترى الكاتبة ديما الدروبي من خلال الرواية التاريخية المعروفة لقصة شجرة الدر أن من الممكن إعادة تجسيد الشخصيات التي لها علاقة بتلك المرحلة التاريخية، لتضع حواراً على لسان الشخصيات فيها ضمن النسق التاريخي المعروف في تلك المرحلة، مع أن من الواضح أن ديما الدروبي منحازة تماماً لشجرة الدر، بل حتى يبدو كأنها تتبناها في كل ما قامت به في تلك المرحلة التاريخية، إلى درجة توحي بأنها قد كتبت ما كتبت من خلال النظر من عيني شجرة الدر.
تجري أحداث القصة في في الفترة الواقعة ما بين الأعوام 1239- 1257 وهي الفترة التي عاشت فيها شجرة الدر أو عرفت خلالها. فشجرة الدر هي جارية ومملوكة ولكن ذكاء المرأة وفطنتها قد كتبا لها أن تكون أول سلطانة في الإسلام. ولذا تحاول الدروبي من خلال الرواية أن تمتد في التاريخ بضع سنوات أي ما قبل ثلاث سنوات من شيوع اسم شجرة الدر، في محاولة لكي تجد لها جذوراً حول المكان الذي جاءت منه، أو أن تخبر القليل عنها قبل أن تصل لتصبح جزءاً من حريم الأمير الصالح أيوب ابن العادل، السلطان الأيوبي على القاهرة وبلاد الشام.
وبناء عليه، فإن الدروبي تبدأ روايتها بلمحة تاريخية عن شجر الدر وتاريخها مع الصالح الأيوبي ومن ثم زواجها من أيبك المملوك. وتعود لتبتكر تاريخ اللحظة التي اختطفها المغول بعد أن قتلوا أهلها جميعاً لتباع في سوق النخاسة، ثم لتروي تفاصيل اللحظة التي قتلت فيها شجرة الدر.
بالطبع ليس من السهل أن يتخيل أحدهم الأحاديث والنقاشات التي يمكن أن تدور في بال الشخصيات التي عاصرت المرحلة التاريخية لكتابة القصة. اذ أن هناك الكثير من الكتاب الذين يمكننا أن نتحدث عنهم، والذين اعتمدوا على التاريخ في كتاباتهم من أجل وضع رواية أو قصة للشخصيات التي عاشت فيه، ومن أهمهم جرجي زيدان، الذي كتب مجموعة من الروايات التي اختصت بالتاريخ العربي والإسلامي، وعلى ما يبدو فإن الدروبي قد تأثرت بها.
وتكشف صفحات الرواية أن قصة شجرة الدر، وكونها أول سلطانه حكمت، وإن لثمانية أشهر، في تاريخ الإسلام جعل لها قيمة أكبر في ضمير الدروبي، التي تروي قصتها بأسلوب رومانسي جداً. حتى أنها تحاول أن تجد لتلك المرأة المجروحة في مشاعرها وقلبها، المبررات في محاولة قتلها أيبك، زوجها المملوك الذي قرر خيانتها، والزواج من أخرى لتصبح شجرة الدر بذلك مجرد امرأة في حريم السلطان، بعد أن كانت الحاكمة والمستشارة الأولى للسلطان الصالح.
تتناقض الرواية أحياناً مع التفاصيل التاريخية المعروفة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إشكالات مع هذه الحقائق، التي تحاول الكاتبة الخروج منها مراراً وتكراراً لمصلحة بطلة الرواية. فعلى سبيل المثال المعروف تاريخياً أن شجرة الدر لم تكن من جواري ابن المستعصم بالله، والذي بحسب الرواية أشبعت جاريته شجرة الدر ضرباً وتنكيلاً حتى لا تستأثر بولي عهد المستعصم المستنصر بالله. ونتيجة لرفض ابنه الجارية الجميلة والرشيقة لأنه كان معجباً بالجواري الممتلئات، قرر المستعصم أن يهدي شجرة الدر لأيوب الصالح: الأمير الأيوبي. ليس هناك أية عبرة من أن يقدم الخليفة العباسي جارية بهذه الصفات المميزة لآخر ينافسه في محاولاته لفرض سلطانه على مناطق الحكم العباسي.
ومن ناحية أخرى، تروي الدروبي أن هذه الأحداث قد جرت في العام 1236 في قصتها، غير أن الأحداث التاريخية تتناقض مع ما ترويه. فقد شغلت الدولة العباسية في تلك المرحلة بمحاولات صد المغول الذين كانوا يحاولون دخول بغداد واحتلالها. والأكثر من ذلك فإن ابن المستعصم، ولي العهد المفترض في القصة، لم يبلغ الخامسة عشر إلا في العام 1258، ويذكر التاريخ عمره لأنه كان في الخامسة عشر عندما هرب إلى القاهرة هرباً من المغول التتار الذين احتلوا بغداد وقتلوا والده المستعصم بالله. وبالتالي فالروايات التاريخية التي تقدمها الكاتبة يجب أن تخضع للتحقيق بحد ذاتها.
ولكن في المقلب الآخر الرواية المبتكرة لقصة ضرب شجرة الدر من قبل جواري ولي العهد، هي من أجل تبرير النهاية التي وضعتها الكاتبة لشجرة الدر، ألا وهي الإنتحار! في حين أن شجرة الدر كانت قد قتلت ضرباً بالقباقيب عقاباً لها على قتلها زوجها السلطان أيبك في مخدعها، الأمر الذي أثبت أنها القاتلة ولم يكن من الممكن أن يبرئها من جريمة القتل.
ومن المؤسف أن الكاتبة وهي التي تنظر إلى شجرة الدر بكل إعجاب لدورها كإمرأة قوية، أن تقبل بأحقية مطالبة شجرة الدر بأن تبقى الزوجة الوحيدة لأيبك ورفضها زواجه من الأميرة الأيوبية في حين أنها قامت بتطليق أيبك من زوجته الأولى، أم علي ووالدة ابنه الوحيد نور الدين علي، الذي استلم الحكم بعد مقتل أيبك. وإذا ما كانت شجرة الدر – بحسب الكاتبة – تقيم الصلوات على وقتها، وتتقرب من الله طوال الوقت فمن غير المرجح أن تكون قادرة على الإنتحار، خصوصاً وأنها تعبّر مراراً وتكراراً عن رغبتها بلقاء زوجها أيوب الصالح وابنها خليل في دار الآخرة. فالدروبي تبرّر لشجرة الدر أعمالاً وقرارات وهفوات في حين أنها كانت تجرّم أعداء شجرة الدر إذا ما قاموا بالهفوات والقرارات والأعمال ذاتها.
الأمر الأخير، الذي يشعر معه القارئ الحاجة لدى الدروبي من أجل إلباس العصر لباساً مختلفاً ينبعث من الحاجة لدى الراوية في أن ترى شجرة الدر، كجارية، إمرأة متميزة وأكثر ثقافة وعلماً وذكاءً من الحرات بنات عصرها. وحتى في مجال الحياة الخاصة، فشجرة الدر قد تدربت وتعلمت لتكون فنانة في منح الحب وتلبية الرغبات الجنسية، وقد درّبتها مربيتها على كيفية الإستمتاع بالجنس قبل أن تمتع الرجل الذي يشتريها به. وبذا – بحسب الدروبي – بسبب التربية التي تتلقاها النساء الحرات واللواتي لم يكن يجدن سوى الخياطة والتطريز، وليس لديهن أية مهارات في الحياة الثقافية والدنيوية سوى إنجاب أولياء العهد، الأمر الذي جعلهن قاصرات عن فهم الحاجات الأساسية المتعلقة بأجسادهن وأجساد أزواجهن وتلبية رغباتهن ورغبات أزواجهن. وفي هذا يبدو أن لدى الكاتبة خلطاً ما بين الثقافة الإجتماعية السائدة في تلك المرحلة التاريخية وما بين المرحلة التي تلتها، والتي شهدت تخلف المجتمع في البلاد العربية.
استخدمت الكاتبة اسلوباً متماسكاً في الكتابة، يظهر فيه أسلوب الأدب الرومانسي بطريقة جلّية، ويتم التعبير فيه عن اختلاج العواطف بأسلوب واضح تماماً، والذي يحتوي على الكثير من الوصف للوجه والصفات الجسدية واللباس والحلي والسلاح. إذ يشعر القارئ إذا ما كانت الشخصيات عارية أم في لباس رسمي أو بسيط.
تبدأ الرواية كما ذكر سابقاً بالعرض التاريخي الذي يصف الحالة الزمانية والمكانية لأحداث القصة والتي جرت أحداثها في القاهرة في قلعة القاهرة، التي بناها صلاح الدين الأيوبي لتكون مستقراً لحكمه في القاهرة لتحدد الدروبي المكان الذي حدثت فيه القصة. وأما الزمان فهو محدد باستخدام التواريخ من خلال السرد والحوار.
تستخدم الكاتبة أسلوبين خلال الكتابة: الأول هو الأسلوب السردي للأحداث والثاني هو الخطف خلفاً. فبعد أن تبدأ بوصف الحالة النفسية التي كانت عليها شجرة الدر لدى سماعها خبر نية زوجها السلطان أيبك الزواج من أميرة أيوبية، والذي أصبح سلطاناً لأنها اختارته زوجاً. ويتضح أن السلطانة قد اختارت أيبك بسبب الشغف الذي كان متبادلاً بينهما وليس بناء على قرارات منطقية وعقلانية. ويبدو أنها قد ندمت على اختيارها بعد أن قرر أيبك الزواج من الأميرة الأيوبية.
وخلال لحظات الألم التي عاشتها شجرة الدر بسبب قرار أيبك اتخاذ زوجة ثانية وأن تصبح هي من عداد حريم السلطان، خاصة وأن الزوجة الفتية قد تكون قادرة على إعطائه ولياً للعهد، الأمر الذي لم يمكن لشجرة الدر أن تمنحه إيّاه أو حتى لزوجها الأول أيوب الصالح، السلطان الأيوبي السابع.
تعود الكاتبة بذكريات شجرة الدر في البداية، حين باعها المغول كجارية إلى نخاس يشتري الأطفال من الذكور والإناث ليؤهلهم كي يصبحوا عبيداً وجواري في بيوت السلاطين والأغنياء، أو كمملوكين يحاربون في صفوف السلطان. ومنذ البداية تقرر أن هذه المرأة جديرة بأن تكون ضمن حريم السلاطين لما تمتعت به من جمال، أضيفت إليه التعاليم التي تلقتها. في هذه اللحظات تعود شجرة الدر إلى واقعها عندما يأتي زوجها ليبلغها نبأ زواجه.
وفي مكان آخر تعود شجرة الدر ثانية، وهي الراوي الأساسي في القصة، إلى الماضي بعد تنفيذ حكم الإعدام بأيبك. وهكذا تشهد القصة خطفات للخلف قبل أن تنتهي بالواقع المرير الذي يرتبط بتحضير شجرة الدر لنهايتها وتقرير مصير ثروتها الكبيرة التي جنتها، فهي كانت تدرك أنها ميتة لا محالة ولكن عليها أن تضع مخططاً محكماً يمكِّنها من حرمان أعدائها من الوصول إليها.
تصل الرواية إلى الذروة بمقتل أيبك، وبانكشاف أمر اختفائه، الأمر الذي يستدعي وصول كل من قظز الوصي على العرش والمعز قائد الحرس مع كل من نور الدين علي وبشكل سري والدته، التي تكن الكراهية لشجرة الدر، والتي تطمح بالوصول إلى مكانتها في القصر. وبعد ذلك تبدأ القصصة بالحلحلة، إلى أن تصل إلى النهاية المحتومة، بمقتل شجرة الدر.
"سلطانة القاهرة" هي مثال صريح عن الرواية التاريخية، والحقيقة أن في وضع الكلام على لسان الشخصيات الرئيسية والمعروفة عبر التاريخ هو فن لا بد من الإعتراف بمقدرة الكاتبة عليه، ولكن توخي الأمانة التاريخية في هكذا روايات أمر ضروري. وبالتالي فإن محاولات الروائية لإستخدام نساء عبر التاريخ العربي والإسلامي وحتى الأوروبي وإلباس شجرة الدر كشخصية لباس هؤلاء النسوة سيكتشفه أي شخص حضر الأفلام التي تحدثت عن الملكات كليوبترا وفيكتوريا واليزابيث الأولى وغيرهن الكثيرات ممن رأت فيهن الدروبي ضرورة من أجل تقديم شجرة الدر بشكل يتقبله القارئ الفرنسي بطريقة أفضل، وقد يكون فيها ما تأمله الدروبي أن يأتي معبّراً عنها. ففي كل الأحوال لا يمكن للقصة أو الرواية أن تخرج خالية من أمال وأحلام الراوي.
المصدر : الميادين نت
Views: 6