السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في هذه الليلة أود أن أتحدث عن عدد من الموضوعات. طبعاً الذي دفعني (إلى هذه الإطلالة)، لأني كنت أنتظر مناسبة للتطرق إلى بعض الملفات الداخلية في لبنان لأنه في يوم القدس تكلمنا عن وضع المنطقة وعن القدس والصراع مع العدو الإسرائيلي، لم نتناول الملفات الداخلية. ولكن أمام الحدث الأهم الكبير العظيم الذي شاهدناه يوم أمس في الموصل – الأن نعود له، وجدت لزاماً عليّ أن أتكلم في وقت قريب.
ولذلك موضوعاتي لهذه الليلة: أولاً الإنتصار في الموصل وهذا الملف بشكل عام نعطيه بعضاً من حقه، وأيضاً بعض العناوين الداخلية اللبنانية التي ترتبط بوضع ما بعد إقرار قانون الإنتخابات، كلمتان سريعتان، مع ملف النازحين أيضاً وقفة معينة، وموضوع جرود عرسال الذي يتم الحديث عنه كثيراً في هذه الأيام. أعتقد أن الوقت لن يتسع لأكثر من هذه العناوين والموضوعات.
أولاً: أنا أود أن أقارب موضوع الإنتصار في الموصل، ليس فقط من زاوية التبريك والتهنئة، وإن كنا سنختم هذا القسم من الحديث بالتبريك والتهنئة، ولكن من أجل التوقف أمام هذا الحدث الذي هو جزء من مجموعة أحداث لفهمها بشكل ولو مختصر وسريع، لأخذ العبرة منها والبناء عليها، لأن ما جرى في العراق وفي الموصل لا يرتبط فقط بمصير العراق وشعب العراق، وإنما يرتبط ـ بعمق وبقوة ـ بمصير شعوب المنطقة ودول المنطقة وبمصير الأمة بكاملها.
السيد نصر اللهحسناً، نبدأ إذاً من العنوان الأول. لا شك أن الإنتصار الذي أعلن عنه بالأمس رئيس الحكومة العراقية والقائد العام للقوات المسلحة العراقية الدكتور حيدر العبادي في مدينة الموصل ومن حوله القادة العسكريون والأمنيون هو انتصار عظيم وكبير جداً. هذا الانتصار لا يوجد شك – الآن قد يكون هناك أحد يريد أن يقلل من أهميته، من حجمه، من عظمته – هو انتصار عظيم وكبير جداً، ويأتي في سياق تصاعدي وتراكمي، مجموعة انتصارات تراكمت أوصلت إلى هذا الانتصار بالتحديد في مدينة الموصل لخصوصية الموصل، لأهمية الموصل، ويأتي في سياق تصاعدي وتراكمي لانتصارات العراقيين على داعش والإرهاب في ديالا وصلاح الدين والأنبار وغيرها من المحافظات العراقية وهذا ما يعيدنا إلى الأيام الأولى – التي سنحكي عنها خلاصة صغيرة ونأخذ العبرة – إلى الأيام الأولى للمواجهات القاسية والشديدة التي حصلت بين العراقيين، القوات العراقية من جهة، وداعش من جهة أخرى، والاكتساح الواسع والسريع لداعش لعدد من المحافظات العراقية حتى أصبحت على مقربة من العاصمة بغداد. قبل ثلاث سنوات كلنا نتذكر هذا الاكتساح الواسع والسريع والشديد، بلا شك أن المحنة كانت كبيرة جداً على العراقيين، ووجد العراقيون أنفسهم أمام فتنة يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. حصلت هناك حالة حيرة، حالة ذهول، هناك أوساط واسعة (باتت) في حالة إحباط، في حالة ارتباك، في حالة يأس. حجم الذي حصل كان ضخماً جداً وأكبر من أن يتم استيعابه بسهولة.
جاءت سريعاً فتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، فتوى سماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد علي السيستاني دام ظله الشريف بوجوب الدفاع والجهاد كفايةً على كل قادر على حمل السلاح، وعلى القتال، وعلى وجوب مواجهة داعش بكل قوة، وقال إن المسؤولية تتوجه إلى الجميع وأن من يُقتل في هذا الدفاع وفي هذه المعركة وفي هذه المواجهة هو شهيد في سبيل الله سبحانه وتعالى. من هنا نبدأ الحديث، لأن فتوى المرجعية ونداءها التاريخي في ذلك الوقت لكل العراقيين هو المفصل الحاسم والبداية الحاسمة لهذه النهايات الجميلة والانتصارات الكبرى، هذا المفصل، هذا المدخل، هذا الباب، هذا الأصل.
حسناً، البعض قد يقول لماذا أنتم تحاولون أن تعطوا هذه الفتوى وهذا الموقف المرجعي هذه المساحة الواسعة من الأهمية. ماذا فعلت هذه الفتوى وهذا الموقف التاريخي؟
أولاً: أخرج العراقيين والناس جميعاً من الحيرة، من الذهول، من الارتباك، ماذا سيفعلون؟ يقاتلون، لا يقاتلون؟ ما هو الموقف الصحيح؟ ما هو الموقف الشرعي؟ بالنهاية أنت تتكلم عن قتال، عن سفك دماء، تقتل وتُقتل، بالتأكيد الفتوى حسمت هذا الأمر وأنهت الحيرة والارتباك في الموقف وقالت لهم يجب عليكم أن تقاتلوا وأن تدافعوا وأن تواجهوا، حسمت الموقف.
الأمر الثاني، أن الفتوى أيضاً، يعني انظروا مجموعة جمل صغيرة، ماذا كان فعلها التاريخي. ثانياً، حددت العدو بشكل حاسم، العدو هو داعش التي كان اسمها في البداية الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي اشتبه على البعض أنها حركة إسلامية أو ثورة إسلامية، بعض المحيط رحب بها واعتبرها جزءاً من الربيع العربي ومن الثورات الشعبية وهلّل لها وصفّق لها ودعمها وساندها، جاءت فتوى المرجعية لتقول هذا هو العدو الذي يجب أن يُقاتل، والجهاد في مواجهته هو جهاد في سبيل الله ومن يُقتل في هذه المعركة هو شهيد في سبيل الله سبحانه وتعالى. إذاً حدد هوية العدو وهوية التهديد الذي يجب أن يواجَه.
وثالثاً، حمّل المسؤولية للجميع، الفتوى من المرجعية الدينية أو النداء التاريخي للمرجعية الدينية لم يتوجه فقط إلى الشيعة، إلى كل أبناء الشعب العراقي، إلى كل الشعب العراقي بمختلف انتماءاته الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، لأن هذه الفتوى، وإن كان طابعها دينياً وشرعياً، إلا أنها تعبّر بعمق عن حقيقة الموقف الإنساني والأخلاقي والوطني الذي يتوجب على كل فرد من الشعب العراقي، ولذلك كانت المسؤولية على الجميع وكان النداء للجميع.
ورابعاً أن الفتوى رفعت سقف المواجهة مع هذا التهديد وحسمت شكل المواجهة مع هذا التهديد بعيداً عن أي ارتباك أو مساومات أو مفاوضات أو رهانات أو وقت للنقاش أو بحث عن حلول من هنا وهناك، وتمكنت هذه الفتوى المباركة والعظيمة من استنهاض الشعب العراقي بسرعة هائلة وأخرجته من حالة الذهول والاحباط والحيرة واليأس وكانت الاستجابة الشعبية والرسمية الكبيرة. لقد أعطت الفتوى زخماً قوياً وروحاً معنوية هائلة لضباط وأفراد القوات الأمنية العراقية على اختلاف تسمياتها وعناوينها، ودفعت هذه الفتوى وهذا النداء بمئات الآلاف من العراقيين شباباً وشيباً للالتحاق بجبهات القتال والتطوع، مما أدى إلى تأسيس حشد شعبي عراقي مبارك شكل منذ البداية وما زال قوة حقيقية للعراق إلى جانب القوات العراقية المسلحة التي أصبح جزءاً منها.
لذلك عندما نتحدث اليوم عن انتصار الموصل، وقبل هذا الانتصار عن الانتصارات السابقة، يجب أن نبدأ من هنا من فتوى المرجعية وندائها التاريخي، كما يفعل كل القادة العراقيين وتستمعون إليهم في بياناتهم وخطاباتهم، وكما يجب أن يفعل كل منصف في العالم، إذا كان يقارب الوضع العراقي أو يحاول أن يفهمه أو يحلله أو يقدمه للناس.
حسناً، بعد صدور هذه الفتوى كما قلنا سُجّل تفاعل كبير. أولاً، من الحكومة العراقية في ذلك الوقت التي كان يرأسها السيد نور المالكي واستمر هذا التفاعل بقوة مع الحكومة التي تشكلت بعد ذلك برئاسة الدكتور حيدر العبادي، وكذلك تفاعلت كل القيادات الدينية والسياسية والأحزاب والتيارات والجهات المتنوعة والمختلفة، وحظيت هذه الفتوى بتأييد عموم مراجع الدين في العراق وإيران وفي أماكن أخرى من العالم، وفي داخل العراق أيضاً حظيت بدعم واسع من علماء الدين السنّة وعلماء الدين الشيعة، وهذا أمر مهم وسأعود له في سياق الكلام. التفاعل الشعبي كان عالياً وعظيماً ومباركاً جداً.
أيضاً جاء الموقف الحاسم ـ نحن يجب أن نكون واقعيين بقدر ما نستطيع، لا ينبغي أن نبالغ بشيء، ولذلك يجب أن نكون منصفين ـ أيضاً جاء الموقف الحاسم للجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى رأسها سماحة القائد الإمام السيد الخامنئي (دام ظله الشريف) إلى جانب المرجعية الدينية وإلى جانب الحكومة العراقية والشعب العراقي، ومسارعة قيادات كبيرة في حرس الثورة الاسلامية بالحضور إلى بغداد والاستعداد الدائم المطلق لتقديم أي دعم ومساندة من قبل الجمهورية الاسلامية. هذا كله حصل، لكن يبقى الأهم هو التفاعل الشعبي، الحضور الشعبي، العائلات الشريفة، العشائر من كل المناطق، من كل الانتماءات، هؤلاء الذي دفعوا بفلذات أكبادهم، الأزواج والأبناء والإخوة والشباب والأحبة. هنا القوة الحقيقة، والقيمة الحقيقة. عندما يجد هذا النداء وهذه الفتوى وهذا الموقف من يلبي، من يستجيب له، من يحمل دمه على كفه ويمضي إلى جبهات القتال، هنا القوة الحقيقيقة والأساسية التي حققت التحول وجعلت هذا الموقف يأخذ تجسّده الإنساني والمعنوي والأخلاقي والوطني والتاريخي، وبالتالي يصنع هذه الانتصارات.
هذا كله حصل في وضع إقليمي ودولي، بالحد الادنى نستطيع القول إن هناك تخلياً دولياً عن العراق وحكومته وشعبه، بالحد الأدنى، وفي حد أوسط أو أعلى هناك تآمر وتواطؤ من بعض القوى الكبرى في العالم ومن بعض القوى الإقليمية التي سهّلت، التي أسست داعش، ودعمت داعش، وموّلت داعش، وسهّلت لداعش سيطرتها في سوريا ودخولها إلى العراق وواكبت معركتها ضد العراقيين خلال السنوات الماضية.
هذا كان الوضع الاقليمي والدولي، ماذا فعل العراقيون؟ هذا الذي بالحقيقة أريد أن أصل إليه. أنا لا آتي بشيء جديد، ولكن أريد أن أوصّفه للعراقيين أنفسهم ليتمسكوا به أكثر، ولبقية شعوب المنطقة لنأخذ العبرة ونضيف هذه التجربة إلى بقية التجارب التي خيضت في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن وأماكن أخرى من هذه المواجهات.
أولاً: حسم العراقيون خيارهم بالمواجهة وصنع مصيرهم بالمواجهة وصنع مصيرهم ومستقبلهم بأيديهم، هذا كان أول شيء. وبالتالي لم ينتظروا لا جامعة دول عربية ولا اجتماع وزراء خارجية عرب ولا ملوك ورؤساء دول عربية ولا انتظروا منظمة مؤتمر اسلامي التي أصبح اسمها منظمة تعاون إسلامي، ولا مجتمعاً دولياً ولا أوروبا ولا أميركا ولا أي أحد. أبداً، توّكلوا على الله وراهنو على إراداتهم وعلى رجالهم ونسائهم، على دمائهم، على جهادهم وتضحياتهم. طبعاً هذه عبرة أساسية فيما جرى في العراق منذ ثلاث سنوات إلى اليوم وما جرى الآن.
ثانياً: توحد العراقيون حول هذا الخيار الوطني، رئاسات: رئاسات الوزراء المجلس الحكومات، التيارات، الأحزاب، القوى السياسية على اختلاف الانتماءات العرقية والانتماءات الدينية، وهنا كما قلت في مناسبات سابقة يجب أن اسجل لعدد من كبار إخواننا علماء السنة في العراق والقيادات السياسية السنية موقفهم المميز والاسثنائي، لماذا؟ ببساطة لأن هناك من عمل منذ اللحظة الأولى لهجوم داعش على العراقيين لتقديم الصراع في العراق على أنه شيعي وسني للأسف الشديد، وهؤلاء هم ذاتهم نفس الحكومات نفس الدول نفس الفضائيات ونفس النخب متل ما حاولوا أن يعملوا في سوريا، مثلما حاولوا أن يعملو في لبنان، متل ما قدموا الحرب على اليمن، كما قال خطيبهم في المسجد الحرام أن هذه حرب بين السنة والشيعة. الذي عطّل هذه الفتنة وأطفأ هذه الفتنة وقطع الطريق على هذا الأمر هو الموقف المخلص والصادق والشجاع لعلماء السنة والقيادات السياسية السنية في العراق الذين أعطوا البعد الحقيقي لهذه المعركة، أن هذا ليس قتال شيعة وسنّة، وإنما هذه معركة العراقيين مع القتلة والمجرمين والتكفيرين الذين استباحو الجميع وهددوا الجميع وسفكوا دماء الجميع.
إذاً، التوحد ثانياً حول هذا الخيار، وثالثاً الدخول جميعاً في الميدان، ولذلك القوات المسلحة العراقية على مختلف أسمائها وعناوينها ينتمي إليها كل العراقيين من كل أبناء العراق، الشعب العراقي الشريف والعظيم والمجاهد، وكذلك الحشد الشعبي هو الذي ينتمي إليه.
بطبيعة الحال أن يكون أكثر أبناء الحشد الشعبي من الشيعة لأن هذه هي الطبيعة الديموغرافية في العراق… ولكن هو حشد وطني وحشد شعبي انتمى إليه الكثيرون من مختلف الانتماءات…
هذا الحضور الميداني الجامع، العشائر التي قاتلت الى جانب القوات العراقية المسلحة أيضاً، ليس فقط كموقف سياسي وكلام وخطابات بل حضور قوي في الميدان المشاركة الجماعية في الميدان.. إذاً هي المشاركة الجماعية..
رابعاً: الميدان، الشجاعة، البطولة، بالرغم من المشاكل الكبيرة والتضحيات الجسيمة جداً، عشرات الآلاف من الحاضرين دائماً في الميدان وصبرهم .. على كل صعيد. لأن المعركة ما كانت فقط بجبهات القتال .. هذا الاحتضان الشعبي …. وهذا الصبر على مدى ثلاث سنوات من القتال الدامي، إذاً هذا كان عاملاً مهماً… في المراحل الاولى كان الوضع اللوجستي ما يزال صعباً ومتعثراً لأن المفاجأة كانت كبيرة جداً. رغم المشاكل الكبيرة، رغم ظروف الطقس القاسية، رغم الوضع الجغرافي في العراق، رغم جهوزية العدو وعدم جهوزية الصديق، كان هناك بطولات وتضحيات جسيمة جداً الثبات، التضحيات، عشرات الآلاف من الحاضرين دائماً في الميدان ولم يخلوا الساحات.
آلاف الشهداء، آلاف الجرحى، عائلات الشهداء والجرحى، وصبرهم وإخلاصهم وصدقهم، تحمّل الشعب العراقي لتبعات هذه المواجهة الواسعة والشاملة على كل صعيد نفسي ومعنوي واقتصادي وأمني، لأن المعركة ما كانت فقط في جبهات القتال، بل كانت في كل مدينة وقرية كانت تستهدف بالانتحاريين والسيارات المفخخة. هذا الاحتضان الشعبي للقوات المسلحة وللمعركة والجهاد والقتال والمدد الدائم للجبهات وهذا الصبر على مدى ثلاث سنوات من القتال الدامي والجراح النازف، هذا إذاً كان عاملاً مهماً.
والعامل الأخير الذي أريد أن أتحدث عنه ـ هناك بعض العوامل الأخرى لكن نختصر ما أمكن ـ عدم الإصغاء للخارج، وهذه النقطة مهمة جداً… هذا الخارج الذي كان دوره منذ البداية وما زال إثارة النزاعات والفتن والخلافات بين العراقيين… هذا الخارج الذي كان يدعوهم إلى الاستسلام.. وهذه الفضائيات حتى الآن ما زالت تدعم داعش ومن حوله، يعني بشكل غير مباشر.
وأيضاً عدم الرهان على الخارج، عدم الإصغاء للخارج وعدم الرهان على الخارج، ما انتظروا أحداً فهم بدأوا وهم واصلوا وما زالوا. هنا أريد أن أذكر بنقطة حساسة مهمة جداً وتحتاج لوقفة هادئة: في البداية الأميركان جلسوا يتفرجون هم والناتو على الشعب العراقي وعلى الجيش العراقي والحشد الشعبي والعراقيين وهم يقاتلون أحياناً بيد عزلاء، ومن ثم صاروا يقولون (الأميركان) نحن نريد أن نساعد ونريد أن نعمل وطبعاً تأخروا حتى عملوا أي خطوة، وقالوا أيضاً إن القضاء على داعش سيحتاج إلى وقت طويل، بعضهم ـ رؤساء ووزراء دفاع ورؤساء سي آي إيه ـ قالوا إنه يحتاج إلى ثلاثين سنة، إن المعركة مع داعش في العراق وسوريا تحتاج إلى ثلاثين سنة، وبعضهم عمل تخفيضات للخمسة وعشرين وبعضهم نزل للعشرين وبعد ذلك في النهاية قالوا خمسة عشر. لكن المقلّ من المسؤولين الأمريكيين قال عشر سنين، مع العلم أنه حقيقةً من يعرف داعش وإمكانياته وعديده ، كان يعرف أنه مع توفر إرادة دولية وإقليمية ووطنية في العراق وفي سوريا وفي المنطقة، داعش لا تحتاج إلى سنوات لو تضافرت جهود الجميع وكانوا صادقين، ولكن عندما تحدث الأميركيون عن عشر سنين للمقل والمكثر 30 سنة هذا يعني أن هناك رؤية ومشروعاً وفكرة لتوظيف داعش والاستفادة منها واستنفاد داعش في تحقيق مشاريع وأهداف معينة، بالتأكيد ليس لمصلحة الشعب العراقي والسوري أو الفلسطيني أو شعوب المنطقة وإنما لمصلحة الهيمنة الأميركية ومصلحة إسرائيل.
الآن، هناك أمر يحتاج كما قلت إلى تأمل، بالنهاية بالمعارك الأخيرة في المدة الأخيرة، جاء الامريكي وقدموا نوعاً من المساندة ما هي خلفية هذه المساندة؟ متى بدأت هذه المساندة؟ ما هو حجم هذه المساندة؟ يحتاج لتوقف لأن بعض الناس يقولون إذا كنت تريد أن تكون منصفاً لم لا تتحدث عن مساعدة الأمريكي؟ الآن هناك بعض الفضائيات العربية تريد أن تقدّم ما حصل في الموصل على أنه إنجاز أمريكي وانتصار أمريكي، وهذا طبعا كذب ودجل ومصادرة لجهود العراقيين وتضحيات العراقيين أنفسهم.
في الحقيقة هنا أقول يحتاج الأمر إلى تأمل. مثلا عندما نعود لخطابات ترامب التي أشرت إليها في أكثر من مناسبة والتي اتهم فيها ـ واتهاماته صحيحة وهناك اعترافات من مسؤولين أمريكيين آخرين ـ أن إدارة أوباما وأن السيدة كلنتون عندما كانت وزيرة للخارجية هم الذين صنعوا وأسسوا داعش ودعموا داعش وسمحوا للحلفاء الإقليميين بتقديم الأموال لداعش وفتحت الحدود لداعش وبيع النفط الداعشي في أكثر من حدود الحدود التركية، والحدود الأردنية وغيرها أيضاً.
إذا ما جرى يتحمل الأمريكان مسؤولية أولى فيه. لاحقاً عندما جاء الأمريكي ليساعد لماذا؟
هل وجدوا بأن هذا الخيار فشل وهل وجدوا ـ كما نقول باللبناني ـ أن داعش “فوتتهم بالحائط”؟ هل وجدوا هل وجدوا هل وجدوا، وبالتالي قلبوا ظهر المجان وتخلوا عن صنيعتهم وحليفتهم وأدواتهم؟ لأن الأصل عند الأمريكان هو ليس القيم ولا الاخلاق ولا المبادئ وإنما المصالح الكبرى ليكونوا شركاء في النصر الذي بدأت ملامحه تظهر من زنود العراقيين ودماء العراقيين وتضحيات العراقيين وصمود وثبات العراقيين. هذا يحتاج طبعاً إلى وقفة هادئة وإلى تأمل.
بكل الأحوال، إذا الذي حصل حتى الآن ووصولاً إلى الموصل هذه كانت عوامله الحقيقية والأساسية التي يجب أن يتمسك بها العراقيون، قرارهم الوطني، وحدتهم وحضورهم في الميدان، احترامهم ومحبتهم وإصغاؤهم لنداء المرجعية دائماً واستعدادهم الدائم للتضحية، وعيهم وبصيرتهم وعملهم في الوقت المناسب والسريع دون مماطلة أو تأجيل، هذه كانت عوامل حاسمة في صنع الانتصارات الحالية.
بناءً على كل ما تقدم نتوجه بالتهنئة والتبريك أولاً إلى سماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الشريف) وإلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف وإلى جميع المراجع الذين أيّدوا وباركوا هذا الموقف وهذه الفتوى وإلى المسؤولين العراقيين في مختلف مواقعهم وفي مختلف الرئاسات، في الحكومة، في المجلس، في المسؤوليات المختلفة وبالأخص إلى رئيس الحكومة العراقية والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي، إلى جميع القيادات الدينية والسياسية والأحزاب والتيارات في العراق، إلى جميع القيادات الأمنية والعسكرية في القوات المسلحة وفي الحشد الشعبي، إلى كل الضباط والمقاتلين والمجاهدين في هذه الأطر المباركة وإلى عموم الشعب العراقي العزيز والمظلوم والمجاهد والصابر والذي انتصر دمه على السيف، وبالخصوص نبارك لعوائل الشهداء والجرحى والمضحين أن دماء شهدائهم وأعزائهم أثمرت انتصاراً وعزاً وفخراً ومصيراً وتاريخاً وفوزاً في الدنيا وفوزاً في الآخرة، وذلك هو الفوز العظيم.
نبارك لهم جميعا بهذا النصر التاريخي والإلهي المؤزر، وكذلك نبارك لكل الذين دعموا العراق وساندوه في معركته المصيرية هذه، وفي مقدمة هؤلاء الجمهورية الإسلامية في إيران وسماحة الإمام القائد السيد الخامنئي (دام ظله الشريف).
أيها الإخوة والأخوات: يجب أن يشعر الجميع في العراق وفي خارج العراق أن هذا النصر نصرهم، هذا نصر لكل العراقيين وهو نصر أيضاً لكل الشعوب في المنطقة. هو نصر لكل الذين يحاربون الإرهاب ويواجهون الإرهاب، وهو نصر لكل الذين يتهددهم الإرهاب في كل صباح ومساء وعلى امتداد عالمنا العربي والإسلامي وعلى امتداد العالم.
تحرير الموصل هو خطوة عظيمة ومتقدمة جداً جداً على طريق القضاء على مشروع داعش، لأن الموصل كانت أكبر مدينة يسيطر عليها داعش وهي بحق باعتبارهم هم مركز وعاصمة دولة الخلافة المزعومة، ومنها أعلنت مرحلة جديدة لقيام المشروع التكفيري واستعدائه لكل شعوب هذه الأمة، وبالتالي تحرير الموصل هو إنجاز في هذا الطريق، وأبعاده ونتائجه ستكون عظيمة جداً للعراق، لسورية، لكل دول وحكومات وشعوب المنطقة بل لكل العالم.
ببساطة لو عدنا إلى الوراء قليلاً، قبل ثلاث سنوات، ونضع فرضية لو أن العراقيين لم يقوموا، لو يئسوا، ضعفوا، وانسحبوا وتخلوا عن تحمل المسؤولية، وسيطرت داعش على العراق، ماذا كان سيكون مصير الشعب العراقي كله، مسلمين ومسيحيين عرب وكرد وتركمان وشبك وأيزيد وكلدان وأشوريين وصابئة إلخ.
ماذا كان سيكون مصير العراق؟ ماذا كان سيكون مصير حضارة العراق؟ ماذا كان سيكون مصير كل شعوب ودول المنطقة؟ حتى الدول في الخليج التي دعمت داعش وأيّدت داعش وصفقت لداعش؟ وهي الدول التي أمتلأت قلوبها رعبا عندما اعلن ابو بكر البغدادي دولة الخلافة من الموصل لأن هذا بات تهديداً لهم.
لذلك اليوم انتصار العراقيين كما كنت دائماً أقول، انتصار دفاعهم وجهادهم، هو انتصار للجميع وهو دفاع عن كل شعوب العربية وعن كل الشعوب الإسلامية وعن كل دول وحكومات هذه المنطقة وعن الأمن في العالم الذي تهددته داعش وما زالت تتهدده داعش.
هذا نصر كبير وعظيم ولذلك نحن نأمل وما نرجوه في ختام هذا المقطع، ما نرجوه من الإخوة العراقيين، من القيادات العراقية، من الحكومة العراقية، من الأحزاب والتيارات العراقية ومن الشعب العراقي، مثلما من أول ثلاث سنوات إلى اليوم، أن لا يكتفوا بانتصار الموصل ـ هم لن يكتفوا بالتأكيد ـ لكن أن تبقى أولويتهم تطهير بقية الأرض العراقية المقدسة من هذا الوجود الإرهابي التكفيري الخبيث، هذا الوجود السرطاني الذي يمكن أن يقوم من جديد وأن يمتد من جديد، هذا الوجود الذي لن يقبل بالهزيمة ولن يسمح للعراقيين أن يسعدوا وأن يفرحوا بانتصارهم من خلال العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة والانتحارييين.
لذلك، الأمن العراقي، أمن المدن العراقية والأحياء العراقية إنما يكون باجتثاث نهائي لهذا التنظيم التكفيري الإرهابي. الحواجز والسيارات والإجراءات الأمنية مهمة جدا ولكن الأهم هو اجتثاث هذا الوجود الإرهابي القاتل المجرم، وهذا الذي يجب أن يبقى أولوية.
هناك من سيحاول إشغال العراقيين عن هذه الأولوية في أمور أخرى قد تكون مهمة أو على درجة أقل من الأهمية، ولكن الذي يحصن الانتصار في الموصل وكل الانتصارات التي سبقته ويجعل انتصار الموصل مؤسساً قوياً للانتصار الحاسم والنهائي هو أن تبقى هذه الأولوية.
في المقابل، في سورية، القتال مع داعش على أكثر من جبهة الذي يقوم به الجيش السوري وكثير من القوى التي تقاتل الإرهاب التكفيري في سورية بالتزامن بينما يجري في الساحة العراقية وما يجري في الساحة السورية وهذا أنا أمر تحدثت عنه وقلت لو قاتلنا سوياً، كلّاً في موقعه، كلا في أرضه، كلا في ميدانه، ولكن بشكل متزامن وعلى هذه الجبهة المحددة سنتمكن من الوصول إلى النصر النهائي.
إذاً، اليوم، العراق وسورية ولبنان وشعوب المنطقة ودول المنطقة الخائفة من داعش والمرعوبة من داعش هي أمام فرصة تاريخية. الذي أمّن هذه الفرصة هو تضحيات العراقيين وتضحيات السورييين وكل من وقف إلى جانبهم. يجب الاستفادة من هذه الفرصة وعدم تضييعها، كما نقول بالعامية “ندق الحديد وهو حامي” أن لا نترك هذا الحديد ليبرد وأن لا تُعطى الفرصة لداعش لتتمكن من جديد وتنهض من جديد أو ليأتي من يقدم لها الدعم من جديد، وهو يجد أن الإرادة الشعبية والجماهيرية والوطنية والمحلية هي التي تصنع هذه الانتصارات إن شاء الله.
إذاً مبارك هذا النصر وهو نصر يبارك لكل المستضعفين ولكل المظلومين ولكل المهددين من هذه المجموعة المتوحشة.
عليكم أن لا تنسوا بالموصل هناك أمر ملفت حصل. نفهم والله يقول لك العدو يتترس بشعبك وبأهلك ويهددك بقتل نسائك ولكن أن تترّس جماعة مسلحة ما هي بأهلها وشعبها التي تدّعي أنها تدافع عنه كان شيئاً جديداً فعلته داعش وأن تقتل هي هؤلاء الناس إذا أرادوا أن يغادروا وتطلق عليهم الرصاص في ظهورهم هذا أمر جديد لم نشهد له مثيلاً. داعش نموذج غريب جداً.
إذاً هذا التهديد الذي كان يشوّش صورة الإسلام ويسفك الدماء ويعتدي على الحضارة ويخدم الاعداء بما لم يقدمه أحد لهؤلاء الأعداء خلال كل العقود الماضية، نحن اليوم من انتصار الموصل أمام فرصة تاريخية للقضاء عليه. يجب الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية.
أنتقل إلى بعض القضايا اللبنانية بشكل سريع
القضية الأولى: بعد اقرار قانون الانتخاب وطبعا بات الحديث عنه قديماً فلذلك لن أتحدث عنه، وموقف حزب الله كان واضحاً على كل حال من تقييم هذا القانون والتأييد لهذا القانون.
اليوم نحن أمام فرصة إلى الانتخابات المقبلة. أود هنا خلافا لما يشيعه بعض الناس في المجالس نظراً لبعض الجدالات التي حصلت في جلسات الحكومة أو بعض السجال السياسي الموجود الآن في البلد، لا، نحن نقول وأريد أن أؤكد، نحن مع استمرار هذه الحكومة والحفاظ عليها وتفعيلها لتكون منتجة وتعطي الأولوية للملفات التي تخدم الناس والملفات الأمنية أو الخدماتية أو الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية وما شاكل.
نحن نؤيد بشدة كل ما صدر عن اللقاء التشاوري في بعبدا برئاسة فخامة الرئيس العماد ميشال عون والوثيقة التي صدرت عن بعبدا، وثيقة بعبدا، وخارطة الطريق أو المسار أو المبادئ أو العناوين الرئيسية، سموها ما شئتم نحن معها مع متابعتها الجادة.
ولذلك في هذا السياق نحن ندعو إلى تفعيل الحكومة والنشاط النيابي، يعني النواب يتفضلوا يحضروا بجلسات لجنة الموازنة، لأن هناك صرخة من رئيس اللجنة، نحن مع إقرار الميزانية العامة في المجلس النيابي لأن هذا مهم للبلد، مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لأن هذا مهم جداً للموظفين، طبعاً مع التأكيد أنه يجب أن نموّل السلسلة أو الميزانية، لا نمولها من جيوب الفقراء وإنما من الأماكن الأخرى المتوفرة.
هذه النقطة أيضاً نحن في هذا الموضوع لا جديد لدينا واتمنى أن لا يصغي أحد لا للتسريبات ولا لبعض الاتهامات لأنه للأسف هناك من مدة من يتكلم عن مساعٍ لإسقاط حكومة أو تفجير حكومة أو إضعاف الحكومة وما شاكل. لا على الاطلاق، هذا ليس له أي مكان، ونحن نجزم بأن المصلحة الوطنية اللبنانية الكبرى هي في استمرار الحكومة الحالية وتفعيل نشاطها وقرارها ومتابعاتها لكل الملفات المطروحة امامها ولا ينبغي لاي خلاف على اي ملف، ولن نتكلم الان عن الملفين الاتيين، ان يؤدي باي حال من الاحوال الى تعطيل حكومة او الى سقوط الحكومة او الى تهديد احد بالانسحاب او بالاستقالة من الحكومة.
النقطة الثانية هو بالوضع المحلي هو موضوع النازحين السوريين والسجال الذي صار والموقف من هذا الموضوع، اليوم نحن نتكلم الآن، يمكن ببداية الأحداث من ست سنوات، يمكن لأحد ما أن يفسر الكلام بتفسيرات غير مناسبة وغير صحيحة، ولكن بالواقع الحالي، النازحون السوريون ينتشرون على كامل الاراضي اللبنانية، العبء يتحمله النازحون السوريون أنفسهم، الكثير منهم يعيشون في الخيم وفي المخيمات وفي ظروف حياتية صعبة، أيضاً مختلف المناطق والبلدات اللبنانية. أي كلام سابق كان البعض يعطيه تفسيراً طائفياً، الآن لا، الآن كل المناطق اللبنانية، كل الناس في لبنان يئنون من تبعات هذا الملف وعدم معالجة هذا الملف، سواء في البعد الأمني، في البعد الاقتصادي، يوجد بُعد فرص العمل، في أبعاد مختلفة ومتنوعة.
حسناً، إذاً هذا الملف بحاجة إلى حل، دَعَونا في السابق ومجددا هذا النقاش الجديد الذي صار، أن تفضلوا، لماذا هذا الموضوع سيبقى يُعمل به، أنه مثلاً حزب الله يقوم بمبادرات تجاه الحكومة السورية أو بعض القيادات الساسية في لبنان، كي تقوم رسميا الدولة اللبنانية الحكومة اللبنانية باتصال مع الحكومة السورية وتتفاوض معها وتتناقش معها، ويتم تسهيل عودة النازحين إلى بيوتهم وإلى مدنهم وإلى قراهم.
للأسف سرعان ما أُخذ هذا النقاش إلى بعد سياسي. أنا بشكل سريع جداً سأجيب على الاستدلالات التي قيلت انه لا يجب أن تتصل الحكومة اللبنانية بالحكومة السورية وتتفاوض معها.
البعض قال إن الاتصال بالحكومة اللبنانية يعني أنه يعطي شرعية للحكومة السورية وللنظام في سورية، يعني هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر وهذا ليس صحيحاً، اليوم النظام في سورية والحكومة في سورية لها سفارات في كل انحاء العالم، سفاراتها لا تزال موجودة، سفراؤها لا يزالون موجودين، باستثناء القليل من الدول، عندهم سفير بالأمم المتحدة، والعالم كلهم يتكلمون معه، أغلبهم يتفاوض معهم بالسر وبالعلن، والذين يتفاوضون بالسر ليسوا بالعدد القليل، والرئيس الفرنسي السابق نزع شرعية الاسد، أما الرئيس الحالي فاعترف بشرعية الرئيس الاسد. اذا تفاوضت الحكومة اللبنانية الحالية مع الحكومة السورية أو اتصلت بهافهذا لا يعني على الاطلاق انه انتم تعطونهم شرعية. أولاً هم ليسوا بحاجة إلى الشرعية التي ستعطونهم إياها أنتم، وثانيا تفاوض حكومتين بالعالم أو تواصل حكومتين يوجد فيما بينهما نزاع أو خلاف لا تكون هذه الحكومة تعطي شرعية لهذه ولا تكون الثانية تعطي شرعية للأولى. أكثر من هذا، المعارضة السورية بنفسها، بفصائلها المختلفة هي تفاوض الحكومة السورية في السر وفي العلن، هذا كلام ليس بمنطق.
ثانياً: أحدهم قال: نحن نرفض إرسال اللاجئين السوريين أو النازحين السوريين إلى السجون. حسنا هؤلاء النازحون الذين عادوا هم الآن في بيوتهم وفي مزارعهم وفي حياتهم الطبيعية. حتى الآن، مئات الآلاف رجعوا، الأمم المتحدة نفسها التي تستدلون بها تكلمت عن 500 الف نازح سوري عادوا من خارج سورية إلى سورية، غير الذين عادوا في داخل سورية من منطقة الى منطقة، حسناً، هؤلاء ال 500 ألف نازح الذين تتكلم عنهم الامم المتحدة، هل دخلوا إلى السجون السورية؟ وبالتالي هذا كلام ليس له أساس من الصحة.
ثالثاً: (يقولون) نحن لا نريد أن نجبر النازحين السوريين أو نكرههم على العودة. أصلا لم يتكلم أحد، لا داخل الحكومة ولا خارج الحكومة عن إكراه وإجبار النازحين السوريين على لعودة، وانما نتكلم عن العودة الطوعية، يجري التفاوض بين الحكومتين وتأخذ الضمانات المطلوبة وتأخذ التسهيلات المطلوبة، ويُتصل بالنازحين، من يرغب بالعودة يعودون، وأنا أؤكد لكم أن العدد كبير جداً ممن اذا قدمت لهم التسهيلات والضمانات المطلوبة أن يعودوا ليعودوا، إذاً، لا احد يتكلم لا عن اجبار ولا عن إكراهـ حتى ان يتهم احد بتجاوز حقوق الانسان، أو أنه نريد أن نرسلهم الى السجن او ما شاكل، وحتى الآن لم يتم إكراه أحد.
ومن عجيب ما قيل من استدلالات في هذا الموضوع أنه لا نريد من الحكومة اللبنانية أن تتواصل مع الحكومة السورية في ملف النازحين لأن هذا سيعطي دوراً لحزب الله وسيشكل مكسباً سياسياً له، يا أخي إذا انتم لم تتفاوضوا، هذا يعطينا دوراً سياسياً، أنا أقول لكم تعالوا أنتم استلموا هذا الدور، اشتغلوا هذا الشغل، لماذا نحن حزب الله نقوم بهذا الدور؟ تفضلوا انتم، الحكومة الرسمية اللبنانية، انتم فاوضوا، انتم اتصلوا، وأنتم خذوا الضمانات، أنتم قوموا بالتسهيلات، ونحن يا أخي خارج الموضوع بالكامل، ولا تريدون ان نساعد، نحن ممنونيكم، توفرون بذلك علينا الكثير من العمل، لأننا نحن لدينا الكثير من العمل لنقوم به. نحن لا نبحث لا عن دور سياسي ولا عن توظيف سياسي. نحن نعتبر، لأسباب إنسانية أولاً ولأسباب اجتماعية ولأسباب أخلاقية ولأسباب أمنية ولأسباب اقتصادية بكل المعايير، أن عودة النازحين إلى سورية هي مصلحة للنازحين أنفسهم وهي مصلحة للبنان وللشعب اللبناني. من هذه الزاوية نحن وجهنا هذا النداء ونوجه هذا النداء ونطالب بهذا الامر، والخلاف بهذا الموضوع أو السجال حوله أو النقاش فيه لا يسقط حكومة ولا يخرب بلداً، نحن نجاول أن نقنع بعضا، لماذا نريد أن نسد الآذان؟
حسناً هذا الموضوع فليجرِ فيه نقاش ثنائي وثلاثي ورباعي ونناقش الحجج، ونناقش الضمانات ونناقش الإيجابيات ونناقش السلبيات، لا أحد يقفل ويقول هذا ليس قابلاً للنقاش وانتهينا، لا أحد سيجبر أحداً على اتخاذ قرار، نحن متفقون أنه بالحكومة من خلال القوى السياسية الموجودة نريد أن نتفاهم وأن نتوافق. إلى الآن نحن قمنا بهذا، ما المشكلة في هذا الموضوع أن يأخذ مداه بالنقاش، وفي نهاية المطاف لن يفرض أحد على احد قراراً ولا خياراً، وإنما نحاول أن نفتش على مصلحة اللبنانيين.
طبعاً أنا قرأت شيئاً لأحد نواب تيار المستقبل، يقول إن الاعتبار لأنه يجب أن يبقى النازحيون في لبنان هو الموضوع الاقتصادي والمالي وفهمنا ببعض الاماكن الأخرى أن هذا باب للحصول على مساعدات دولية للبنان. نحن نأمل ان لا يكون هذا السبب صحيحاً، نأمل أن لا تكون قيادة تيار المستقبل تفكر بهذه الطريقة، أنه من أجل أن نحصل على مساعدات دولية للبنان، إذا حصلنا عليها نسمح باستمرار النازحيين السوريين ومأساة اللبنانيين والأخطار الأمنية والأوضاع الاقتصادية الصعبة وضياع الكثير من فرص العمل والسلبيات الموجودة في المجتمع في حال فقط لنحصل على مساعدات خارجية، هذا أمر مؤسف إذا كان هناك أحد يفكر جدياً بهذه الطريقة وهو الاعتبار الاساسي الذي يقف خلف موقفنا.
على كل حال مجددا نحن ندعو إلى مناقشة هذا الأمر وإلى التفاوض مع الحكومة السورية وفتح هذا الملف على مصراعيه ويوجد ضمانات ويوجد تسهيلات والأمر سهل، واليوم هناك الكثير من المناطق في سوريا آمنة وهادئة ومستقرة ويمكن تأمين عودة الناس إليها.
فقط أريد أن أذكّر بمثل، أمس واليوم حكي في الفضائيات الداعمة للمسلحين وبتنسيقيات المسلحين كلنا نذكر الذين غادروا في إحدى التسويات والمصالحات في حي الوعر في حمص وذهبوا إلى جرابلس. الآن هؤلاء يعودون إلى حمص، بعض وسائل الاعلام تكلمت عن 350 شخص البعض تكلموا عن 500. هل هؤلاء عائدون إلى السجون؟ هل هؤلاء عائدون إلى الخطر؟ أو أنهم قايسوا بين حياة الناس في حي الوعر وبين حياتهم كنازحين ولاجئين في جرابلس حيث الحماية السياسية والأمنية لهم، واتصلوا بناسهم في حي الوعر وعلموا منهم أنه لا يوجد شيء، الحياة طبيعية ولا يوجد أحد يتهددنا ولا أحد اعتدى علينا ولا أحد آذانا ونعيش حياتنا الطبيعية، تفضلوا العودة وهذا يحصل في أكثر من منطقة.
إذاً الوقائع تؤكد صحة هذا المنطق الذي نقول وندعو إلى المزيد من النقاش فيه.
النقطة الاخيرة هي الموضوع الأمني وجرود عرسال.
طبعاً أنا أود أن أنوّه وأعبّر عن تقدير كبير جداً للجهود ـ وليس من باب المجاملة ـ الجبارة التي يقوم بها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية على اختلافها. يوجد جهد كبير.
اليوم، اذا كان اللبنانيون يشعرون بالأمن والاستقرار والهدوء، ليس لأن داعش لا تريد أن تفجر في لبنان، وليس لأن القاعدة لا تريد أن تفجر في لبنان، ليس لأن جبهة النصرة لا تريد أن تفجر في لبنان. كلا الجماعة يعملون على مدار الساعة، مثلما يفجرون في سوريا وفي العراق وفي أماكن اخرى من العالم هم “شغّالون” في لبنان، ولكن هناك جهود كبيرة جداً وجبارة جداً بذلت في كشف هذه الشباكات ومموليها وداعميها ومسهليها ومسؤوليها وانتحارييها، وآخرها الذي كشفته مديرية المخابرات في الجيش اللبناني في عرسال وفي مخيمات النازحين في عرسال سواء اليوم أو قبل أيام. لو قدر لهذه الشبكات ولهؤلاء الانتحاريين أن ينفذوا مخططاتهم أكيد لكان الوضع الأمني في لبنان صعباً جدا ولكان كذلك الوضع الاقتصادي والسياحي وغيره.
لا يوجد شك بأن ما جرى في جرود عرسال وعلى مستوى محاصرة الجرود والجهد العظيم الذي يقوم به الجيش اللبناني ومجاهدو المقاومة خفف كثيرا من هذه المخاطر، ولكن كما كنت اقول لكم دائماً: هو لم ينهِ هذه المخاطر.
هذا جهد يجب أن يقدّر وأن يشكر. بالتأكيد بالعمل يوجد صعوبات، قد تحصل أحياناً أخطاء، يجب أن تؤخذ بحجمها، لا يجوز أن تستغل للطعن على من يحاربون الإرهاب ويسهرون في الليل وفي النهار لتأمين البلد واستقرار البلد وأمن الناس ومختلف المناطق.
يوماً بعد اخر يثبت أنه ما زال في داخل بلدة عرسال (شيء)، وهذا طبعاً من مسؤولية الدولة بالكامل، أنا لا أتكلم عن داخل عرسال حتى لا يفهم أحد كلامي ليقول إننا نفكر بشيء باتجاه نفس البلدة. أبداً على الإطلاق، هذه مسؤولية الدولة بالكامل. لكن اليوم أيضاً ثبت وفي حوادث سابقة أنه يوجد أناس يديرون شبكات إرهابية ويديرون إرهابيين ويستقبلون انتحاريين ويخططون لعمليات ويجهزون أحزمة ناسفة وعبوات هم موجودون في داخل عرسال، هذا بحاجة لحل.
طبعا الجيش اللبناني والاجهزة الامنية يقومون بهذه المسؤولية والحكومة تعطيهم ـ كما سمعنا بالأمس ـ الغطاء الكامل، وهذا ممتاز. هذا يجب أن يستمر.
في الجرود يوجد مشكلة حقيقية، وجزء من الانتحاريين يأتون من الجرود، مثل قبل عام، نزلوا إلى بلدة القاع، والعبوات والتهديد ما زال قائماً وموجوداً في الجرود، وقلنا في أكثر من مناسبة أن هذا الأمر يحتاج إلى حل.
قد يكون هذا أيضا نقطة خلافية، نحن ولا يوم “عرّضنا اكتافنا”. عندما تقوم الدولة بتحمل المسؤولية، عندما الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية، تفضلوا تحملوا المسؤولية ونحن ندعمكم ونؤيدكم ونساندكم ومعكم وإذا أردتم أن نجلس في المنزل نجلس في المنزل، أيضا تريدوننا أمامكم في الجبهة نحن أمامكم في الجبهة.
لكن أعتقد أن المسألة وصلت إلى النقطة الأخيرة، انتهينا، وأنا هذه هي المرة الاخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال. هذه هي المرة الأخيرة التي سأتكلم فيها عن هذا الموضوع. في نهاية المطاف هؤلاء الموجودون هناك هم تهديد على مدار الساعة، في الليل وفي النهار لكل اللبنانيين والقوى اللبنانية وأيضاً لمخيمات النازحين، وبالتالي ما معنى أن ياتوا الى قلب مخيم من مخيمات النازحين ويضعوا عبواتهم هناك وانتحارييهم هناك ومتفجراتهم هناك؟ ألا يرحمون النساء والأطفال؟ هم نفس النغمة الخاصة بداعش الموجودة في الموصل التي تتترّس بالنساء والأطفال والشعب الذي تدعي أنها تدافع عنه وليس لديه مشكلة بتفجير نفسه ولو بوسط الناس والنساء والأطفال لأنه لديه طريقة معينة بالتفكير.
بكل الأحوال نحن مقتنعون تماما بأنه آن الأوان للانتهاء من هذا التهديد، آن الأوان للانتهاء من هذا التهديد، وأعتقد أنها هذه هي الفرصة الأخيرة ايضا أمام الجماعات المسلحة الموجودة في جرود عرسال. ما زال هناك بعض الوقت القليل جداً الذي يمكن من خلاله التوصل إلى تسويات معينة أو مصالحات معينة أو معالجات معينة، وإلا هم يعرفون جيداً، وعلى ضوء كل التحولات الميدانية من الموصل إلى البادية السورية إلى الرقة وغيرها. بالمناسبة بين هلالين يوجد اناس قالوا إن هذه المقاومة دفاع عن الأوطان ماذا تنفعنا في لبنان؟ للأسف الشديد يعني لو سقطت سوريا بيد داعش ولو سقط العراق بيد داعش هل كان سيبقى لبنان؟ هذا من بديهيات القول ولكن نحن في لبنان نناقش حتى بالبديهيات هذا أولاً وثانياً كل هذه الشبكات الخاصة بداعش كانت تدار من الرقة من مدينة الرقة من سوريا، الجهات الموجودة في جرود عرسال أو في أماكن أخرى في لبنان هي جهات تنفيذية تتلقى الدعم والأوامر والتوجيه من مشغليها من مدينة الرقة ومن مدينة الموصل وبالتالي القتال في الموصل وفي العراق وفي سوريا هو دفاع أيضاً، ليس عن العراق وسوريا وليس فقط دفاع عن لبنان، هو دفاع عن كل الأوطان وعن كل الشعوب.
هم يعرفون انه انتهى، لا يوجد أفق، لا يوجد أمل وهناك في لبنان من يريد أن يحسم هذا الأمر ولا يريد أن يبقى يعيش أهله ونسائه وأطفاله وقراه على امتداد القرى البقاعية وعلى امتداد الساحة اللبنانية في دائرة أن يعيش في بؤرة التهديد والخطر نتيجة اعتبارات من هنا واعتبارات من هناك.
أنا آمل أن يتم استغلال هذه الفرصة وهذه المساحة المتاحة، وإلا فنحن أمام الكلام الأخير والوضع الأخير الذي يجب أن نصل إليه ولا يبقى أي وجود مسلح للجماعات المسلحة على الأراضي اللبنانية. السلطة اللبنانية تستطيع أن تبسط سيادتها ـ كما دائما يقال ـ على كل الجرود وعلى كل الوديان وعلى كل البلدات. تبقى طبعاً المواجهة الأمنية، وهي مواجهة مستمرة كما في كل أنحاء العالم.
في كل الأحوال، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهم الجميع ويعين الجميع لأن يكونوا على بصيرة وعلى وعي، وأن يعتبروا من كل هذه الاحداث التي حصلت في منطقتنا خلال كل السنوات الماضية، وبالاعتماد على الجهود الذاتية وعلى الإرادة الوطنية والبصيرة والتصميم والعمل في الوقت المناسب دون مماطلة ودون تضييع للفرص يمكن أن ننقذ بلداننا وشعوبنا ومنطقتنا من خطر عظيم ماحق كان يتهددها وما زال، وإن كان في الرمق الأخير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: العلاقات الاعلامية في حزب الله
Views: 0