كتب ديفيد غاردنر فيفايننشال تايمز: إن لعبة موازين القوى الخطيرة الدائرة في الخليج حيث تحاصر السعودية وحلفاؤها إمارة قطر، الصغيرة والغنية والطموحة، في محاولة عدوانية لخنق سياساتها، تدق نواقيس الخطر حول العالم باستثناء البيت الأبيض حيث يغرّد الرئيس دونالد ترامب دعماً للسعوديين معتقداً أنهم من خلال خطوتهم يوجهون ضربة حاسمة للتطرف الجهادي.
لا شك أن أمير قطر الشاب تميم بن حمد البالغ من العمر 37 عاماً في وضع محرج. يبدو أن قمة الرياض الشهر الماضي التي أبرم خلالها ترامب مع السعوديين صفقات بمئات مليارات الدولارات في مجالات التجارة والاستثمار والاسلحة وحرضهم في الوقت نفسه على قيادة جهاد سني ضدّ إيران الشيعية، قد شجعت المعسكر السعودي على التحرك ضدّ قطر.
منذ تسلم الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مقاليد السلطة في 2015 قد يكون الملك سلمان وضع نفسه هو الآخر في موقف صعب.
تشعر الرياض بالغضب لإبقاء قطر الخطوط مفتوحة مع طهران التي تتنافس معها على الهيمنة الإقليمية. التهمة ملائمة لترامب ولنهجه العدائي ضدّ إيران. لكنّها ليست التهمة الأخطر، فسلطنة عمان والكويت لديهما أيضاً علاقات مع طهران. في حالة قطر ربط السعوديون بين علاقات الدوحة بطهران والدعم القطري المزعوم للمتطرفين السنة، في الوقت الذي تعرضت فيه طهران لاعتداءات "جهادية" على نحو عنيف. ذريعة الحصار السعودي لقطر هي أن الأخيرة حدّت على مدى العقدين الماضيين من شرعية الممالك المطلقة في الخليج والأنظمة الاستبدادية العلمانية في الشمال. قناة الجزيرة التي أسببها آل ثاني عام 1996 شكلت منبراً للمعارضين والإسلاميين وأوصلت صوتهم إلى المنازل العربية.
ما أغضب السعوديين على وجه الخصوص دعم قناة الجزيرة للإخوان المسلمين الذين استلموا الحكم في مصر بعد سقوط حسني مبارك لكن جرى الانقلاب عليهم من قبل الجيش في 2013، ومنح المرشد الروحي للإخوان يوسف القرضاوي منصة تلفزيونية.
قد تكون فتاوى الشيخ القرضاوي التي تجيز العمليات الانتحارية أثارت غضب الغرب فيما صدّها العرب والمسلمون المعتدلون. ما أغضب زعماء الخليج هو ما رأوه تحريضاً قطرياً على التمرد الشعبي ضدهم. الأمر يتعدى دعم قطر للمقاتلين الاسلاميين السلفيين من ليبيا إلى سوريا، على الرغم من أنه على القدر نفسه من خطورة احتضان قطر لما يسمى ثورات الربيع العربي.
والد الأمير الحالي حمد بن خليفة آل ثاني قال لنيكولا ساركوزي عام 2009 حين حثه الأخير على وقف دعم حماس، الذراع الفلسطينية للإخوان المسلمين، على الإنسان أن يتماشى مع ظروف التاريخ.
قراءة السعودية للربيع العربي كانت معاكسة. قمعت المعارضة وأنفقت المليارات على حلفائها في الخارج مثل عبد الفتاح السيسي الذي استلم السلطة في مصر وحظر الإخوان. وبعد أن أدى انهيار أسعار النفط إلى تقلص هذا السخاء، قرر الأمير محمد بن سلمان، صاحب السلطة الاقتصادية والمسؤول عن السياسة الخارجية والدفاعية، تنفيذ إصلاحات جذرية داخل السعودية وترسيخ دورها في الخارج. فجاءت النتائج متشابكة.
لا يمكن اعتبار رؤية 2030 الطموحة من أجل تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز القطاع الخاص خطأ. لكن سلمان أجبر على القيام بانعطافات مهينة على مدى أشهر مقتطعاً فوائد من موظفي الدولة والخدمة المدنية. لقد كان واضحاً أن اقتطاعات بهذا الحجم ستؤدي إلى انهيار في الاستهلاك.
من خلال الحرب في اليمن، كان الأمير محمد ينوي تلقين درس حاد وقصير ليس فقط للحوثيين الشيعة بل أيضاً لإيران والنظام في سوريا. ولكن رغم مرور أكثر من عامين لا تستطيع أكثر الدول العربية قوة هزيمة أفقرها، بالرغم من الأسلحة الأميركية التي تشتريها.
مع ذلك فإن ولي ولي العهد الذي لا يملك خبرة سياسية لا يريد إضعاف قطر فقط بل هو هدد طهران الشهر الماضي بأنه سيعمل على نقل المعركة إلى داخل إيران التي كما هو متوقع حمّلت السعوديين مسؤولية هجمات الاسبوع الماضي بالرغم من تبني داعش لها. لكن بن سلمان يصعّب على نفسه المهمة.
من وجهة نظر مسؤول غربي الأمر أشبه بأطفال يتخذون قرارات متهورة في قضايا داخلية، وهو ما سيكون له تداعيات. فيما يحلو لوزير خارجية إقليمي وصف تغريدات ترامب الداعم للسعوديين ضدّ قطر بـ"الكارثية"، والتي من خلالها يفهم السعوديون السياسة الأميركية.
هناك مجال واسع للأحداث التي يمكن أن تجرّ إلى تصعيد كأن تقرر إيران أو السعوديون أو وكلاؤهم المواجهة، أو أن ترسل تركيا الداعمة للإخوان المسلمين قواتها لدعم حليفتها قطر. فيما لا إشارات على وجود أي آلية لدى السعوديين والإيرانيين للحوار عبر خلافاتهم.
يؤكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال منتدى أوسلو هذا الأسبوع على "أن إيران ناضجة بما يكفي لتدرك عدم إمكانية استبعاد السعودية من المنطقة. على السعوديين أن ينضجوا هم أيضاً ويدركوا أنه ليس بإمكانهم استبعاد إيران".
المصدر: "فايننشال تايمز"
Views: 9