- هدى قدور
تدريب الأطفال وتعليمهم من خلال الأعمال المسرحية يُعدّ من الأفكار الحضارية في جميع المجتمعات، تلك السلوكيات والعبارات التي يرددها الممثلون على خشبة المسرح تتحول عملياً إلى مداميك أساسية في الذهن والمخيلة الطفلية التي تتكون خلال السنين الأولى من المدرسة.. إنه المسرح أو الحياة الموازية التي تعطي العبر وتركز الأضواء وتجري الإسقاطات.. في هذا الإطار تأتي فعاليات مهرجان مسرح الطفل الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقا/مسرح الطفل والعرائس في وزارة الثقافة كل عام خلال العطلة الانتصافية، كبادرة تربوية تثقيفية تنمّي الخيال لدى الأطفال وتقوي علاقتهم بالمسرح، كما تخفف من وطء التنظير في شرح السلوكيات الأخلاقية والأفكار النبيلة التي من المفترض أن يتبناها الطفل وذلك بأسلوب غير مباشر.. من تلك الأعمال المسرحية المتميزة تأتي القصة العالمية «فلة والأقزام السبعة»، في صالة المركز الثقافي في الميدان، التي أخرجها الفنان سعيد عطايا المعروف بمشاركته الدائمة في هذا المهرجان وحرصه على رسم البسمة على وجوه الأطفال، وتعليمهم كل العادات السليمة، إنها القصة المعروفة في جميع الثقافات تقريباً والتي يختلف عنوانها بين ثقافة وأخرى، فهي «بياض الثلج» أو «الأميرة الحسناء والساحرة الشريرة».. لكنها في جميع التسميات تؤكد على الأحداث والنتائج نفسها، وهي حتمية انتصار الخير على الشر، والجمال على القبح عندما تقوم الساحرة الشريرة القبيحة بكسر المرآة التي تؤكد لها في كل مرة أن «فلة» هي أجمل منها، وذلك بعد سلسلة من محاولات إبعاد «فلة» والقضاء عليها، لتصل الحسناء في نهاية الأمر إلى الغابة حيث تضيع ثم تعثر مصادفة على كوخ الأقزام السبعة الذين يعتنون بها ويحبونها فتتمكن تلك الطفلة الجميلة من تغيير نظرتهم عن البشر على أنهم أشرار معتدون.. العبرة الأولى من المسرحية تؤكد على إمكانية التعامل مع الآخر والوصول إليها بقليل من الجهد والتفهم ورحابة الصدر، لأن ما سيكون الدور الأساسي في الحكم على الإنسان في النهاية هو عمله وسلوكه مع الآخرين وليس كلامه. هكذا تقضي «فلة» وقتها حتى نهاية المسرحية مع الأقزام الذين ينقذونها بعد أن تأكل التفاحة السامة التي أعطتها لها الشريرة الساحرة من أجل الخلاص منها لأنها الأجمل، ويكون سبيل إيقاظها من الإغماء وهي مرمية على الأرض، أسلوب الغناء الجميل الذي يتبعه الأقزام لإيقاظ صديقتهم التي تشفى من السم بالغناء والحب.. عبرة هامة تضعها المسرحية في مخيلة الطفل عندما تراهن على الفن والأسلوب الراقي من أجل الانتصار على الأمراض والشرور.. يمكن للأطفال أن يجنوا الكثير من هذا النص ومن سلوكيات الممثلين الذين رغم عددهم القليل نسبياً، أتقنوا أدوارهم ونجحوا في إيصال الرسالة إلى الأطفال الذين كانوا يضحكون ويحزنون أثناء المشاهدة، فمع وجود الهدف الإرشادي حضر هدف التسلية باعتبار أن الأطفال يقضون هذه الأيام عطلة الربيع الانتصافية، وقد برع في التمثيل مخرج العمل سعيد عطايا الذي كان يتمثل الدور ويحاول زرع البسمة على وجوه الأطفال المعجبين بالقزم «بارع» الذي تقمصه عطايا.. الشخصية الثانية كانت للفنان إياد دكاك في شخصية القزم «حكوم»، كما أدى دور القزم «لامع» الفنان إيهاب معلوف، أما دور الحسناء «فلة» فكانت للممثلة شانتال مقبعة، ودور زوجة الأب الشريرة قدمته بإتقان الفنانة هبة مهنا.. وكان اللافت هو البساطة والتلقائية في التعبير والتمثيل، حيث أشار عطايا إلى أن القصة تقول إن عدد الأقزام هو سبعة، لكن وبسبب صعوبة إحضار سبعة ممثلين من أجل تأدية هذه الأدوار، فقد اكتفى العمل بثلاثة، كما أشار إلى صعوبة العثور على ممثلين أقزام فعلاً، لذلك فقد طلب من الأطفال أن يتخيلوا أصحاب أدوار الأقزام وهم في حجومهم الطبيعية، على أنهم أقزام من أجل نجاح العمل، وتلك كانت بادرة جميلة دفعت الأطفال لفهم العمل بشكل أكبر.
التعليم عبر المسرح يعد من التقنيات الحديثة في نقل الأفكار والسلوكيات الصحيحة إلى مخيلات الأطفال وعقولهم، ومن هذا المنطلق، فإن عرضاً يعتمد على القصة الأوروبية الشهيرة «الحسناء والأقزام السبعة» التي مثلها اليابانيون والإيطاليون في التسعينيات من خلال اثنتين وخمسين حلقة كرتونية نال حينها الكثير من المشاهدة والمتابعة في العالم أجمع، كل هذا من شأنه أن يسهم فعلاً في إغناء خيال الطفل وتشجيع تعلقه بالجمال وحتمية انتصاره على القبح مهما كانت الظروف.
تصوير- طارق الحسنية
Views: 0