سيطرت على العلاقة الأميركية – التركية، ولفترات طويلة، أجواء من التفاهمات في ما يتعلّق بقضايا الشرق الأوسط، إلّا أنّ الانعطافة السريعة للسياسة الأميركية حول ما يجري في المنطقة، دفعت بالمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إلى القول: «إنّ لتركيا الحقّ في إغلاق قاعدة إنجرليك الجوية في محافظة أضنة جنوب تركيا في إطار حقها السيادي»، في دلالة واضحة الى نسبة التوتر في العلاقة بين البلدين، فوجّهت القيادة التركية رسالة مباشرة لحليفتها السابقة بأنّ حرباً باردة قد بدأت بين البلدين.
تُشارك تركيا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ تنظيم «داعش» في سوريا، وتسمح للطائرات الغربية باستخدام قاعدة إنجرليك لانطلاق عملياتها.
وتأتي تصريحات كالين، عقب انتقاد وزراء أتراك الولايات المتحدة بسبب عدم تقديمها الدعم الكافي لهم في تدخّلهم في شمال سوريا.
إنّ التباعد الحاصل بين البلدين سَببه القراءة التي أجرتها القيادة التركية للتصرفات الأميركية التي تتعارض والمصالح بينهما، وأبرزها:
– الإنقلاب العسكري الفاشل في تركيا صيف 2016، حيث اتهمت تركيا الولايات المتحدة بالمشاركة فيه.
– عدم استجابة الولايات المتحدة لطلب الرئيس رجب طيب اردوغان بتسليم الداعية الإسلامية عبد الله غولن، المتواجد في الولايات المتحدة، على رغم الأحكام الصادرة بحقّه من قبل السلطات القضائية التركية.
– عدم التطابق في الرؤية بين البلدين حول مفهوم المنطقة العازلة وأهدافها في سوريا.
– الأزمة السورية، وترك الميدان للاعب الروسي، الذي قلبَ المقاييس، وغَيّر في الخطط على أرض الواقع، من دون مراعاة المصالح التركية من قبل حليفتها الأميركية.
– دعم الإدارة الأميركية للمجموعات المسلحة، بحسب ما ذكرته وكالة «الأناضول التركية الرسمية للأنباء»، من أنّ الولايات المتحدة كثّفت توريدات الأسلحة لوحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا، والتي تجد فيه تركيا منظمات مهددة لأمن بلادها.
إنّها عوامل كانت كافية عند الرئيس أردوغان نحو دَفعِه الى قراءة جيّدة لتطورات المنطقة، وأخذِه القرار بالمضيّ في صداقة تعاون مع الجانب الروسي، حيث تجمع بين البلدين أكثر من مصلحة، وعلى أكثر من صعيد. لذلك، توجّه التركي، على رغم عدائيته للنظام السوري، الى الموافقة على اتفاق الهدنة، والاعتراف ضمنياً بأن لا حلّ في سوريا من دون اللاعب الروسي.
ونظراً إلى هذا الوضع المضطرب، لا يزال السؤال يطرح نفسه: إلى أيّ مدى قد تؤدي هذه الأهداف المتضاربة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى تقويض الروابط الثنائية؟
وعلى رغم التباعد الحاصل بين البلدين، إلّا أنّ القيادة التركية لم تزل تراهن على عودة العلاقة بين البلدين، إذ يعتقد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو «أنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لن يكرر أخطاء الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها، فيما يتعلّق بالعلاقات مع تركيا».
وأضاف موجّهاً حديثه لدبلوماسيين أتراك تجمّعوا في 9 من الشهر الجاري في أنقرة لحضور مؤتمر سنوي للسفراء: «إنّ تركيا تتوقّع من واشنطن تسليمها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، وإنهاء تعاونها مع وحدات حماية الشعب الكردي السوري».
أخيراً، يبدو أنّ الأزمة الأميركية التركية لن تتعدّى غيمة صيف، لأنّ ما يجمع الدولتين من المصالح هو أكثر ممّا يفرّقهما. وإنّ العدو الروسي المشترك لن يكون صديقاً دائماً لتركيا، في ظلّ اختلافٍ في وجهات النظر العمودية، خصوصاً حول الحرب السورية. كما لا يمكننا أن ننسى اللاعب الإيراني المتربّص لتحركات اردوغان في المنطقة، والذي يسعى إلى تقويض دوره في المنطقة مع التقارب الروسي -التركي.
لذلك، لا يمكننا الرهان على الطلاق النهائي بين البلدين وسط منطقة تتجه لتكون تحت سيطرة المشروع الروسي، بما لا ينسجم مع المصالح التركية أو الأميركية.
Views: 1