يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني بصفته الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات عقب حملة رئاسية استثنائية جرت في العام الماضي كانت ملموءة بدلالات سلبية جداً وبعض الدلالات الإيجابية. في أعقاب «بريكست» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في حزيران 2016، كانت للانتخابات الرئاسية الأمريكية عواقب جدية بالنسبة للبورجوازية الإمبريالية، ليس في الولايات المتحدة فقط بل عالمياً، عندما ينتشر التشويش الكامل والخلاف ويبدأ الذعر، يجب أن ينظّم المظلومون أنفسهم للاستفادة من الأزمة المتفاقمة في معسكر العدو. في 9 تشرين الثاني أُعلن فوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية. نزل خبر انتصار ترامب كالصاعقة على الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، كما في الحقيقة على الطبقات الحاكمة في معسكر الإمبريالية كله، وأصيب إيديولوجيو الإمبريالية، ومن ضمنهم من هم محسوبون على اليسار في مراكز الإمبريالية واصفين النتيجة بأنها انتصار للإجحاف والخوف والجهل والكراهية والحقد، «انتصار القومية على الأممية»، ويعزون انتصار ترامب إلى «العنصرية وكره النساء والإسلاموفوبيا». ضحايا العولمة لاشك في أن هذه العوامل، وخصوصاً موقفه من الهجرة ، أسهمت في نجاح ترامب، ولكن العامل المفرد الأهم بكثير الذي ساعده في الفوز هو أنه لامس السخط الذي تشعر به قطاعات واسعة من الطبقة العاملة المتضررة مما سمي العولمة، أي التصدير الضخم لرأس المال من قبل البلدان الإمبريالية الذي نجم عنه فقدان فرص العمل في الداخل وركود أجور الياقات الزرق وانحدار مستوى المعيشة. وكما في حال الاستفتاء البريطاني في حزيران الماضي حول العضوية في الاتحاد الأوروبي، كذلك في المنافسة الرئاسية الأمريكية، أصدرت فئات واسعة من الطبقة العاملة المحرومة حكمها ضد الذين رأت أنهم سبب بؤسها. حتى بعض الصحفيين البورجوازيين المرتبطين قلباً وقالباً بنظام الإنتاج الرأسمالي ويرونه أبدياً، والذين يعدّون «التجارة الحرة» «قوام حياة الإنسانية» اضطروا للتسليم بأن النظام غير ناجح بالنسبة لعدد كبير من الناس، هذا ما كتبه ويل هوتون في صحيفة «ذي أوبزفرفر» عن هذا السبب: «تلقت القطاعات الصناعية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات ثقيلة متفاوتة «ناتجة عن تصدير رأس المال». في هذا العام أصدر ناخبو الطبقة العاملة في المراكز الصناعية البالية عبر أمريكا وبريطانيا حكمهم. لا لانتقال المزيد من المصانع إلى الخارج، لا للمزيد من الإغلاقات بسبب الواردات الرخيصة، لا للمزيد من بيع الشركات الكبرى للأجانب، لا للمزيد من ركود أجور الياقات الزرق، لا للمزيد من الهجرة، لقد تضرروا ولم يقم أحد بعمل حاسم لمساعدتهم». «التجارة قوام حياة الإنسانية، الأبواب المغلقة تؤدي إلى عقول مغلقة، 13 تشرين الثاني 2016». رداً على السخط بين الخاسرين من العولمة، وعد دونالد ترامب بالانسحاب من «نافتا» «اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك» التي زعم أنها دمرت فرص العمل الأمريكية، ووعد بالوقف الفوري للمفاوضات حول اتفاقيات تجارية عبر الأطلسي وعبر المحيط الهادئ. ووعد بفرض تعريفة جمركية ضخمة تبلغ 45 في المئة على الواردات الصينية، المسؤولة عن نصف العجز التجاري للولايات المتحدة، متجاهلاً حقيقة أن التعريفة تنتهك قوانين منظمة التجارة العالمية وأن الصين تملك القدرة على اتخاذ إجراءات انتقامية، وتعهد أيضاً بفرض تعريفة 35 في المئة على الواردات المكسيكية إلى الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، وعد ترامب ببناء جدار على امتداد الحدود الأمريكية- المكسيكية الطويلة لمنع المكسيكيين من دخول الولايات المتحدة وكذلك ترحيل 11 مليون عامل مهاجر غير شرعي، وقال إنه في اليوم الأول من تسلمه الرئاسة سيعلن الصين متلاعبة بالعملة. بعض هذه المقترحات لا معنى لها اقتصادياً، وإدارة ترامب على الأرجح لن تتقيد بها كلها، ما كان مهماً في الانتخابات هو أن الضحايا الأمريكيين للعولمة آمنوا أن ترامب كان يتكلم بالنيابة عنهم ولذلك وضعوا ثقتهم بتعهداته الانتخابية. ستنفذ بعض تعهداته على الأرجح، وخصوصاً في مجال الاتفاقيات التجارية. كتب مارتن وولف في صحيفة «فايننشال تايمز» أن «العولمة التي تقودها الولايات المتحدة هشة أصلاً، ويبدو أن السيد ترامب سيدفعها على الأرجح إلى كفنها، تبدو الشراكة عبر الهادئ ميتة بعد انتصاره». مضيفاً أن هذا «قد يترك فتحة للبديل الذي تقوده الصين: الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.. كانت شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي المقترحة محتضرة وهي الآن ميتة». قال وولف: إن تكاليف تعهدات ترامب بفرض تعرفة «لثني الشركات عن تسريح عمالها من أجل الانتقال إلى بلدان أخرى وشحن منتجاتها إلى البلاد بلا ضريبة» من المحتمل جداً أن تبدو تحريمية للولايات المتحدة وللتجارة العالمية ومصداقية النظام التجاري، مستنتجاً بتشاؤم: «لا تخطئوا: انتصار السيد ترامب قد يزعزع استقرار الاقتصادات الأمريكية والعالمية». «النتائج الاقتصادية للسيد ترامب، 11 تشرين الثاني 2016». العلاقات الأمريكية- الروسية ومع أن الدوائر الإمبريال
ية يسودها قلق عميق بسبب موقف ترامب من التجارة، إلا أن قلقها أعمق بشأن موقفه من العلاقات الأمريكية- الروسية عموماً، وعلى وجه الخصوص آراؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان ترامب في سياق الحملة الانتخابية قد امتدح بوتين وعبّر عن الرغبة في علاقات جيدة مع روسيا لتجنب نزاع بين أقوى بلدين في العالم عسكرياً. وعن الدور الروسي في سورية، أشار إلى أنه عندما تقاتل روسيا الإرهابيين «الجهاديين» في سورية، ومعها الإيرانيون والدولة السورية، يجب أن تنضم الولايات المتحدة إليهم في هذا القتال، وصف مرتزقو الإمبريالية المجانين والمأجورون بيانات ترامب في هذا المجال بأنها مجنونة أو لا أخلاقية، ولكنها في الواقع أخلاقية جداً وتسهم في قتال الإرهابيين «الجهاديين» الأشرار الذين أطلقتهم الإمبريالية ضد الشعب السوري. أوضح ترامب، في خطبه قبل الانتخابات، أن لا مصلحة لأمريكا بالذهاب من بلد إلى بلد سعياً وراء تغيير النظام، واجتذبت بياناته هذه الكثير من التنديد والنقد اللاذع من الممثلين السياسيين والإيديولوجيين لأصحاب السلطة الإمبرياليين في جانبي الأطلسي. وفيما يلي مثال على الغضب العقيم الذي هاجمه به نقاده، كتب جيديون راتشمان في صحيفة «فايننشال تايمز»قالباً الحقائق رأساً على عقب ومعبراً عن غيظه كمايلي: «التحالف مع جزاري حلب يتضمن مستوى من اللاأخلاقية الماكرة وسيثير الكثيرين في أمريكا وأوروبا». «ترامب وبوتين وفن الاتفاق، 15 تشرني الثاني 2016». أمثال راتشمان هم الذين يتصفون باللاأخلاقية الضخمة والماكرة بسبب تحالفهم مع الجزارين الحقيقيين لحلب، أي المجموعات الإرهابية الحقيرة التي أطلقتها الإمبريالية الأمريكية والبريطانية والفرنسية وخدمها في الشرق الأوسط، السعودية وقطر وتركيا وتحالفهم هذا يتناقض مع موقف مجمل الإنسانية التقدمية، ومن ضمنها معظم الناس في أمريكا وأوروبا. التشكيك بمنظمة حلف شمال الأطلسي خلال الحملة الانتخابية، شكك ترامب أيضاً بقيمة وفائدة حلف شمال الأطلسي قائلاً: إنه كان نتاج عصر آخر في الماضي… وأضاف أن أمريكا لم يكن لديها واجب الالتزام بحماية ركاب مجانين لم يكونوا مستعدين للاستثمار في دفاعهم. سبّب موقف ترامب في قضايا التجارة والدفاع ذعراً بين مسوّغي الإمبريالية. كتب فيليب ستيفينس أن «ترامب قانع بترؤس حل نظام التحالف الأمريكي، تاركاً أوروبا غير حصينة أمام انتقامية بوتين وشرق آسيا لمطامح الصين الجازمة». («فايننشال تايمز» في 11 تشرين الثاني 2016). قال: إنه مع ترامب كرئيس للولايات المتحدة «ستستبدل الأممية التعاونية بالقومية التنافسية». بكلمة أخرى يأسف لإمكانية استبدال السيطرة الإمبريالية الأمريكية والكتلة الإمبريالية المتماسكة بالعودة إلى سيادة الدولة وكلمة التعددية القطبية. لا حاجة للقول: إن ستيفينس لم يشعر بالحاجة لتقديم أي دليل لتأكيداته عن «انتقامية» بوتين أو «مطامح الصين الجازمة». باسم «الديمقراطية» و«حكم القانون»و«حقوق الإنسان» و«الليبرالية» عملت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كجلاد لبلدان أخرى، شنّت حروباً ضارية ضد الشعب الكوري والفييتنامي واللاووسي والكامبودي، وقتلت معاً تسعة ملايين إنسان، وألقت خلال هذه الحروب من القنابل أكثر مما ألقي طوال الحرب العالمية الثانية، وهناك محاولات الإمبريالية نشر «الديمقراطية» في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، إذا لم نذكر فلسطين حيث تنشر «الديمقراطية» من خلال أدواتها الصهيونية، ويمكن أن نسأل الشعب في العراق وأفغانستان وليبيا المدمرة- الشعب الذي تلقى هذه «المبادئ» بوساطة صواريخ كروز ووسائل الموت الأخرى- عن رأيه بهذه القواعد «الليبرالية»و«الديمقراطية». لسنا متأكدين في هذه اللحظة من أن رئاسة ترامب ستسجل نهاية ذلك الكابوس القديم، يمكن أن نأمل فقط. إذا اتبع ترامب خطاب حملته الانتخابية بالنسبة لمساءلة الحلف الأطلسي وإقامة علاقات جيدة مع روسيا، فستكون هذه الإجراءات بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح وتحمل استراحة لضحايا هذه المبادئ الذين يعانون منذ وقت طويل.
ية يسودها قلق عميق بسبب موقف ترامب من التجارة، إلا أن قلقها أعمق بشأن موقفه من العلاقات الأمريكية- الروسية عموماً، وعلى وجه الخصوص آراؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان ترامب في سياق الحملة الانتخابية قد امتدح بوتين وعبّر عن الرغبة في علاقات جيدة مع روسيا لتجنب نزاع بين أقوى بلدين في العالم عسكرياً. وعن الدور الروسي في سورية، أشار إلى أنه عندما تقاتل روسيا الإرهابيين «الجهاديين» في سورية، ومعها الإيرانيون والدولة السورية، يجب أن تنضم الولايات المتحدة إليهم في هذا القتال، وصف مرتزقو الإمبريالية المجانين والمأجورون بيانات ترامب في هذا المجال بأنها مجنونة أو لا أخلاقية، ولكنها في الواقع أخلاقية جداً وتسهم في قتال الإرهابيين «الجهاديين» الأشرار الذين أطلقتهم الإمبريالية ضد الشعب السوري. أوضح ترامب، في خطبه قبل الانتخابات، أن لا مصلحة لأمريكا بالذهاب من بلد إلى بلد سعياً وراء تغيير النظام، واجتذبت بياناته هذه الكثير من التنديد والنقد اللاذع من الممثلين السياسيين والإيديولوجيين لأصحاب السلطة الإمبرياليين في جانبي الأطلسي. وفيما يلي مثال على الغضب العقيم الذي هاجمه به نقاده، كتب جيديون راتشمان في صحيفة «فايننشال تايمز»قالباً الحقائق رأساً على عقب ومعبراً عن غيظه كمايلي: «التحالف مع جزاري حلب يتضمن مستوى من اللاأخلاقية الماكرة وسيثير الكثيرين في أمريكا وأوروبا». «ترامب وبوتين وفن الاتفاق، 15 تشرني الثاني 2016». أمثال راتشمان هم الذين يتصفون باللاأخلاقية الضخمة والماكرة بسبب تحالفهم مع الجزارين الحقيقيين لحلب، أي المجموعات الإرهابية الحقيرة التي أطلقتها الإمبريالية الأمريكية والبريطانية والفرنسية وخدمها في الشرق الأوسط، السعودية وقطر وتركيا وتحالفهم هذا يتناقض مع موقف مجمل الإنسانية التقدمية، ومن ضمنها معظم الناس في أمريكا وأوروبا. التشكيك بمنظمة حلف شمال الأطلسي خلال الحملة الانتخابية، شكك ترامب أيضاً بقيمة وفائدة حلف شمال الأطلسي قائلاً: إنه كان نتاج عصر آخر في الماضي… وأضاف أن أمريكا لم يكن لديها واجب الالتزام بحماية ركاب مجانين لم يكونوا مستعدين للاستثمار في دفاعهم. سبّب موقف ترامب في قضايا التجارة والدفاع ذعراً بين مسوّغي الإمبريالية. كتب فيليب ستيفينس أن «ترامب قانع بترؤس حل نظام التحالف الأمريكي، تاركاً أوروبا غير حصينة أمام انتقامية بوتين وشرق آسيا لمطامح الصين الجازمة». («فايننشال تايمز» في 11 تشرين الثاني 2016). قال: إنه مع ترامب كرئيس للولايات المتحدة «ستستبدل الأممية التعاونية بالقومية التنافسية». بكلمة أخرى يأسف لإمكانية استبدال السيطرة الإمبريالية الأمريكية والكتلة الإمبريالية المتماسكة بالعودة إلى سيادة الدولة وكلمة التعددية القطبية. لا حاجة للقول: إن ستيفينس لم يشعر بالحاجة لتقديم أي دليل لتأكيداته عن «انتقامية» بوتين أو «مطامح الصين الجازمة». باسم «الديمقراطية» و«حكم القانون»و«حقوق الإنسان» و«الليبرالية» عملت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كجلاد لبلدان أخرى، شنّت حروباً ضارية ضد الشعب الكوري والفييتنامي واللاووسي والكامبودي، وقتلت معاً تسعة ملايين إنسان، وألقت خلال هذه الحروب من القنابل أكثر مما ألقي طوال الحرب العالمية الثانية، وهناك محاولات الإمبريالية نشر «الديمقراطية» في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، إذا لم نذكر فلسطين حيث تنشر «الديمقراطية» من خلال أدواتها الصهيونية، ويمكن أن نسأل الشعب في العراق وأفغانستان وليبيا المدمرة- الشعب الذي تلقى هذه «المبادئ» بوساطة صواريخ كروز ووسائل الموت الأخرى- عن رأيه بهذه القواعد «الليبرالية»و«الديمقراطية». لسنا متأكدين في هذه اللحظة من أن رئاسة ترامب ستسجل نهاية ذلك الكابوس القديم، يمكن أن نأمل فقط. إذا اتبع ترامب خطاب حملته الانتخابية بالنسبة لمساءلة الحلف الأطلسي وإقامة علاقات جيدة مع روسيا، فستكون هذه الإجراءات بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح وتحمل استراحة لضحايا هذه المبادئ الذين يعانون منذ وقت طويل.
Views: 1