الاخبار| لا تبدو تركيا اليوم في موقف تحسد عليه ضمن المشهد الإقليمي والدولي، على الرغم من محاولاتها إظهار حراكها الديبلوماسي على أنه استعادة لدور بارز ومؤثّر.
فبينما تحافظ على خلافاتها الجوهرية «المحيّدة، إلى حين» مع طهران على ضوء «إعلان موسكو» الثلاثي، ترفع التوتر مع واشنطن لحثّها على مساندة معاركها المتعثّرة، مراهنةً في الوقت نفسه على فتح صفحة جديدة مع الإدارة الأميركية المقبلة
تتزايد التحديات التي تواجه تركيا وتتعقّد بالتناسب مع مدى انخراطها في المشهد السوري. فأنقرة التي شكّلت الميسّر الأول للجماعات المسلحة التي تقاتل داخل الأراضي السورية، منذ انطلاق الحراك العسكري، مروراً بتعاظم دور «جبهة النصرة» و«داعش»، أصبحت في مواجهة مفتوحة مع عدد من تلك التنظيمات المتطرفة على كامل أراضيها، فيما تحصي خسائرها العسكرية المتزايدة ضمن عملية «درع الفرات» في شمال سوريا، من دون أن تنجح في جر «التحالف» إلى معركتها هناك.
ولم تنكر أنقرة خطأ السياسات التي لعبتها خلال أعوام الحرب السورية، عبر تصريحات عديدة كان آخرها وأوضحها ما أتى أمس على لسان المتحدث باسم رئاسة الوزارء التركية، نعمان قورطولموش، الذي قال لصحيفة «حرييت»: «أنا أحد أولئك الذين يقرّون بخطأ سياستنا في سوريا… لن نصطفّ إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنّنا يجب أن نصحح أخطاءنا». وأشار إلى أن «هكذا قرار (مصير الرئيس السوري) يجب أن يتخذه السوريون على طاولة الحوار، ونحن يمكننا أن نلعب دور الضامن لذلك القرار ولا يحق لنا فرضه».
طهران: على القوات التي دخلت سوريا من دون موافقة دمشق المغادرة فوراً
ومن الممكن القول إن تغيّر رؤية أنقرة نسبياً تجاه المشهد السوري لم يكن خياراً في ضوء الظروف التي تعيشها. فرغم المساحة الواسعة التي وفّرها التفاهم «الحذر» مع موسكو وطهران، يتعاظم التوتر مع واشنطن، ومن ورائها دول «التحالف الدولي»، في ضوء ضبابية السياسة الأميركية المقبلة تجاه المنطقة عامة والملف السوري على وجه الخصوص، في انتظار تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب دفّة القرار في البيت الأبيض. وقد يعدّ تعامل واشنطن مع الملف الكردي في سوريا ودعمها لـ«وحدات حماية الشعب» ضمن تشكيل «قوات سوريا الديموقراطية»، حجر عثرة الأكبر في طريق الوفاق التركي ــ الأميركي.
التصعيد بلغ مراحل متقدمة خلال الساعات القليلة الماضية، ووصل إلى حدّ تلويح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، بـ«حق تركيا في اتخاذ قرار إغلاق قاعدة (إنجرليك) الجوية في أي وقت، باعتباره قراراً سيادياً». التصريح وإن جاء في معرض الرد على سؤال خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية، فهو يشي بأن أنقرة مستعدة للدفع بخيارات قاسية لضمان مصالحها في الشمال السوري، خاصة أنه يأتي بعد يوم واحد من إشادة المتحدث باسم قوات «التحالف الدولي» بالدور «العظيم» الذي لعبته قاعدة «انجرليك» في «جعل العالم مكاناً أكثر أماناً، بفضل العمليات التي تمت انطلاقاً منها». وجدير بالذكر أنّ قاعدة انجرليك القائمة في ولاية أضنة جنوب تركيا تستخدمها المقاتلات الأميركية ضمن أعمال التحالف الدولي، وفيها طائرات مراقبة من دون طيار تابعة لألمانيا. وكان الإعلام الأميركي قد ذكّر مراراً، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز الماضي، بأنّ واشنطن تخزّن في تلك القاعدة قنابل نووية منذ عقود الحرب الباردة. ويُشار إلى أنّ القاعدة شهدت توتراً خلال الصيف الماضي، إثر مشاركة مقاتلات منها تابعة لسلاح الجو التركي في محاولة الانقلاب.
وبينما هاجم المسؤول التركي «إصرار» الولايات المتحدة على دعم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا، مشيراً إلى أن تخلي واشنطن عن وعودها للمعارضة كان سبباً في «تأزم الوضع في حلب»، فإنّ الانتقادات التركية لواشنطن أتت بالجملة في الساعات الماضية.
وفي السياق، قال نائب رئيس الوزراء، ويسي قايناق، في تصريح إلى تلفزيون «خبر» التركي، إن «التحالف» نادراً ما يستخدم قاعدة «إنجرليك» لينضم إلى عمليات الجيش التركي والجماعات المعارضة السورية التي يدعمها، موضحاً أن «وجودهم (في إنجرليك) أصبح مثار تساؤلات من مواطنينا وأمتنا، وهذه القضية على جدول أعمال الحكومة».
وفي السياق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن هناك جهات «أصرّت على السماح لتركيا بالدخول لمسافة لا تزيد على 20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية»، قبل أن يعود في وقت لاحق المتحدث باسم أردوغان ويشرح أن الالتزام بتلك المسافة كان سيسمح بإنشاء «ممر لحزب الاتحاد الديموقراطي بين منبج وعفرين».
ورغم التصريحات التركية ذات اللهجة الحادة، يبدو أن أنقرة تراهن على تغيير في النهج الأميركي على يد ترامب. وضمن هذا الإطار، كشف إبراهيم قالن أن بلاده تتواصل مع فريق الرئيس الأميركي المنتخب لحثّه على «اتباع سياسة جديدة في مكافحة (داعش) لا ترتكز بشكل رئيسي على الميليشيات الكردية»، معرباً عن أمله في أن الإدارة الجديدة ستتفهم بشكل أفضل «الحساسيات التركية».
وبالتوازي مع مشاكلها مع حلفائها التقليديين، تعاني أنقرة من عجز في الضغط المؤثّر على شركائها في الاتفاق الأخير حول «الهدنة» في سوريا، وخاصة مع طهران، إذ إنها تعمل بكامل ثقلها للضغط بحجة «إخراج المقاتلين الأجانب» من سوريا، وهو ما يواجه بقوّة من الجانب الإيراني ــ السوري المشترك من بوابة الحديث عن «شرعية الوجود»، في إشارة إلى طلب دمشق. وضمن هذا السياق، وفي تصريحات تأتي بمثابة رد على ضجيج التصريحات التركية، أشار رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، خلال حديث صحافي في دمشق، إلى أن «على كل القوات التي دخلت الأراضي السورية من دون تنسيق أو موافقة من جانب الحكومة السورية أن تترك هذه الأراضي فوراً».
وانتقد بروجردي التدخل العسكري التركي في سوريا، موضحاً أن «المبدأ واضح وصريح في القانون الدولي، وأيّ دخول لأي قوات إلى أراضي بلد آخر من دون موافقة وتنسيق مع القيادة والحكومة يعتبر عدواناً، وأنا أعتقد أن هذه حلقة أخرى من سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها تركيا إزاء الوضع في سوريا».
وشدد على أن «أيّ وقف ثابت ومستمر للأعمال القتالية يتطلب القضاء على تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) الإرهابيين على كل الأراضي السورية»، مشيراً إلى أن «الدور الروسي والإيراني ودور حزب الله وكل القوى التي تعمل في محور المقاومة رئيسي في مسار الحرب على الإرهاب». ورأى أن وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا «مفيد ومؤثر ويساعد على إنهاء الأزمة»، نافياً أن يكون هناك أي طلب لتقليص عددهم الحالي.
Views: 1