يعرف علم اللغة عادة بأنه العلم الذي يختص بمجال اللغة أو أنه الدراسة العلمية للغة وهو علم تجريبي أكثر منه حدسي أو تأملي فهو يتعامل مع المعلومات الواضحة التي يمكن التثبت منها والتي حصلنا عليها عن طريق الملاحظة أو التجربة، والإنصاف بالتجريبية بهذا المعنى يعد السمة المميزة إلى حد بعيد للعلم في نظر معظم الناس ويرتبط بخاصة كونه مؤسساً بطريقة تجريبية كونه موضوعياً واللغة بطبيعتها هي شيء ما نميل إلى أخذه كقضية مسلم بها وشيء ما يتم التآلف معه منذ الطفولة بطريقة عملية وهذه الألفة العملية تميل إلى أن تحل محل الفحص الموضوعي حيث تترافق معها كل أنواع التحيزات الاجتماعية والثقافية والقومية المرتبطة بوجهة نظر غير المتخصص في اللغة وفي اللغات المعينة، فعلى سبيل المثال قد يعتقد أن نبرة أو لهجة للغة ما معينة أنقى بشكل متأصل من غيرها أو مرة أخرى ربما كانت أكثر بدائية من غيرها..
وبالتالي إن كثيراً من الأفكار التي تدور حول اللغة والتي يخضعها اللغوي للمناقشة إذا لم يتخل عنها تماماً قد تبدو قضية معنى شائع بكل ما في الكلمة من معنى غير أنها كما علق بلومفيلد على طريقة المفاهيم الشائعة في التعامل مع القضايا اللغوية تشبه الأمور الكثيرة الأخرى التي تبدو على غير حقيقتها كمفهوم شائع وهي في الحقيقة معقدة بدرجة عالية ومأخوذة من أمد غير بعيد من تأملات فلاسفة العصور القديمة والوسطى وليس لدى اللغويين جميعهم ما لدى بلومفيلد من نظرة عدم الرضا لهذه التأملات الفلسفية عن اللغة لكن ما يقصده بصفة عامة صحيح فالمصطلحات التي يستخدمها غير المتخصص في الحديث عن اللغة والمواقف التي يتخذها إزاءها لها تاريخها وتبدو عادة تلك المصطلحات والمواقف بوضوح أقل تسليماً بها أو أقل قابلية للتطبيق أو الاستعمال إذا ما عرف شيئاً عن أصولها التاريخية..
ومن عادة الدراسات التمهيدية لعلم اللغة أن ترسم مميزاً حاداً بين النحو التقليدي وعلم اللغة الحديث واضعة للمواقف العلمية لعلم اللغة الحديث في مواجهة المواقف غير العلمية للنحو التقليدي وإظهار أن الكثير من التصورات الخاطئة الشائعة عن اللغة والمتداولة في مجتمعنا يمكن تفسيرها تاريخياً من خلال الافتراضات الثقافية والفلسفية التي تحدد تطور النحو التقليدي ومع ذلك ينبغي التأكيد على أن علم اللغة كغيره من فروع المعرفة لم يشيده في الماضي تحدي القواعد والأصول التقليدية فحسب بل تطويرها وإعادة تشكيلها أيضاً.
Views: 1