جاء قرار الكونغرس الأمريكي قبل أيام بتمديد قانون العقوبات ضد إيران عشر سنوات قادمة ورد مجلس الشورى الإيراني الجاد والحازم ليطرح أسئلة مهمة وعديدة تقول: هل غدا الاتفاق النووي الإيراني في مهب الريح ولا سيما بعد فوز دونالد ترامب وتصريحاته النارية أثناء حملته الانتخابية بأنه سيمزق الاتفاق كأسوأ الاتفاقات التي تم التفاوض بشأنها على الإطلاق على حد وصفه؟ أم إنه سيلتزم به انطلاقاً من المقولة الدارجة إن الرئيس المرشح غير الرئيس المنتخب أو الفائز؟ أم إن هناك سيناريوهات أخرى في جعبة ترامب سيظهرها تباعاً وفقاً لردود الفعل الإيرانية؟.
المؤشرات كلها تشي بأن الإيرانيين لم يفاجؤوا بقرار الكونغرس الذي استبق جلوس ترامب على كرسي البيت الأبيض لأن أغلبية أعضاء الكونغرس الجديد من الحزب الجمهوري وقُبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية قال الإيرانيون إن المُرشَّحَيْن هما سيئ وأسوأ ولم يُصرّحوا مَنْ هو السيئ ولا مَنْ هو الأسوأ؛ لكن الذي يبدو أن النعت الأول هو لكلينتون والنعت الثاني لترامب الذي فاز بالكرسي فتجربتهم مع الديمقراطيين هي سيئة لكن مع الجمهوريين هي أسوأ حيث من المعروف أن أربعة من قرارات مجلس الأمن بشأن البرنامج النووي الإيراني (1696، 1737، 1747 و1803) دفع بها الجمهوريون عندما كانوا يحكمون البيت الأبيض. وبعد أن جاء الديمقراطيون بدأت المفاوضات تتحرك باتجاه حلحلة الأمور، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق أيار 2015 بين القوى «الست» العظمى وإيران وصدق عليه مجلس الأمن الدولي لاحقاً.
اليوم، تطرح بجدية سيناريوهات ما بعد الاتفاق النووي بعد أن باتت احتمالات الغائه متساوية مع احتمالات استمراره لكن بمساومات جديدة رغم أن باراك أوباما الذي سيغادر منصبه في كانون الثاني العام 2017 قال: إن ترامب سيلتزم بالاتفاق النووي والإيرانيون قالوا: إن لديهم بدائل أخرى إذا ما أخلّ ترامب به والاتحاد الأوروبي قال إنه ملتزم بتنفيذ تعهداته في الاتفاق النووي داعياً جميع الأطراف إلى الالتزام بتعهداتها في إطار هذا الاتفاق: غير أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر قال: إنه لا يوجد أي مانع يَحُول دون انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق المبرم مع إيران لتسوية ملفها النووي، إذا ما أراد الرئيس الأمريكي المقبل ترامب ذلك لكنه حذّر أيضاً من عواقب ذلك القرار إذا ما اتخذه ترامب.
في مطلق الأحوال يمكن تصور سيناريوهات عديدة حول مصير الاتفاق النووي بعد وصول ترامب إلى سدة السلطة وسيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونغرس وهم من أشد المعارضين لهذا الاتفاق و السيناريوهات المحتملة هي:
– السيناريو الأول والأقصى أن يعمد ترامب إلى إلغاء الاتفاق بدفع من ثلاثة دوافع: الأول: يتمثل في الالتزام بالتصريحات العلنية التي كررها أمام الناخبين في حملته الانتخابية بأنه سيمزق الاتفاق حال فوزه وتسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض، والثاني إرضاء الأكثرية الجمهورية في الكونغرس التي ترفض الاتفاق منذ البداية، والثالث كسب ود تل أبيب التي حاولت المستحيل لكي لا يوقع الاتفاق.
– السيناريو الثاني والمخفف أن تتغير نظرة ترامب إلى الأمور بعد الجلوس على مقعد الرئاسة وان يعيد غربلة حسابات وعواقب أي خطوة يقدم عليها، وهناك تبعات كبرى بلاشك في الموضوع النووي الإيراني لأن ترامب الذي جاء أساساً كي «يلتفت» للداخل الأمريكي بدل الخارج وحروبه وصراعاته، لا يجد أمامه بديلاً عن ذلك الاتفاق سوى الاقتراب من المواجهة مع طهران، وهو أمر يخالف ما يريد، ربما يطالب بتعديل بنوده، أو استعارة خطة هيلاري كلينتون في الضغط على إيران في ملفات أخرى كانت قد بدأتها إدارة أوباما وهي برنامج الصواريخ .
– السيناريو الثالث المتمثل بتدخل الوسطاء للإبقاء على الاتفاق النووي باعتباره اتفاقاً متعدد الأطراف الدولية وليس ثنائياً بين الولايات المتحدة وإيران وهنا يبرز دوران الأول دور للرئيس فلاديمير بوتين الذي ظهر أن لديه علاقة مريحة مع ترامب وكان من اتصل به بعد فوزه وهو في الوقت نفسه لديه علاقات قوية مع القيادة الإيرانية لذلك قد يكون وسيطاً فاعلاً وهناك دور الاتحاد الأوروبي حيث لاتريد معظم الدول الأوروبية التخلي عن هذا الاتفاق بعد مباشرتها لعلاقات اقتصادية واسعة فالشركات الفرنسية والألمانية وحتى البريطانية سارعت إلى طهران وباتت لديها أعمال بمئات ملايين الدولارات على صعيد صناعة السيارات والنفط وغيرها .
– السيناريو الرابع تأجيل النظر في الإلغاء وعدم فتح جبهات ساخنة وتدوير الأولويات لأن الولايات المتحدة لم تستقر أمورها بعد في آسيا والمحيط الهادئ مع استعار التنافس الياباني الهندي من جهة، والصيني الباكستاني من جهة أخرى، ومحاولة توسيع كل منهما مناطق النفوذ في الجوار الرخو ومن جهة أخرى فإن ترامب سيكون مخطئاً إن حاول الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران مع بقاء الأوروبيين فيه يضاف إلى هذا كله اختلال العلاقة بين واشنطن وثلاث دول آسيوية تعد من أهم دول الشرق الأولى هي الفلبين والثانية هي تايلند والثالثة ماليزيا وربما يجد الأمريكيون أنفسهم بعيداً عن مندناو الجنوبية، وعن خمس قواعد عسكرية (بعضها مُطل على جزر سبراتلي المهمة جداً)، كانت من خلالها تسعى لِلَجم بكين استراتيجياً كي لا تكون سيّدة على بحر الصين الجنوبي وتتحكم بأكثر من 60% من تجارة العالم .
وأيا يكن السيناريو القابل للتطبيق، فإن سيناريو الإلغاء، وإن كان بمقدور ترامب أن يفعله، سيكون مكلفاً سياسياً ودبلوماسياً للولايات المتحدة الأمريكية وذلك من النواحي الآتية :
– فمن أجل إنهاء الاتفاق، يجب على الولايات المتحدة أن تخبر مجلس الأمن الدولي بأن إيران قامت بانتهاك الاتفاقية ومثل هذا الانتهاك سيتطلب من الناحية الفنية تأكيداً من طرف خارجي مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكن في حقيقة الأمر، فإن الحكم بالتراجع عن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران والمذكور في خطة العمل المشتركة يسمح للولايات المتحدة بممارسة حقها في استخدام حق النقض، ما سيضطر الأمم المتحدة لإعادة تطبيق العقوبات مجدداً.
– لا تستطيع الولايات المتحدة أن تجبر الاتحاد الأوروبي على إعادة فرض جميع العقوبات، التي تشمل أقسى التدابير المتعلقة بالنفط الإيراني والقطاع المصرفي ولا تستطيع كذلك أن تفرض هذه العقوبات بأثر رجعي ولا يمكن كذلك معاقبة الشركات على قيامها بعقد الصفقات مع إيران بعد رفع العقوبات، مثل صفقات النفط والغاز التي تشمل شركة «توتال» الفرنسية للطاقة.
– من ناحية ثانية، إن خيار إنهاء الصفقة النووية الإيرانية سيكون مكلفًا جدًّا للولايات المتحدة، لأنها ستظهر أمام العالم بأنها دولة لا تحترم التزاماتها وأنه ليس لها مصداقية ولا يمكن الوثوق بتعهداتها وتوقيعها على الاتفاقيات الدولية وفوق هذا وذاك ستنفر حلفاءها الرئيسين في أوروبا وفي أماكن أخرى، وتثنيهم عن المشاركة مستقبلًا في أي مساعٍ دبلوماسية أمريكية .
من الواضح أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تمديد الكونغرس قانون العقوبات عشر سنوات أخرى فقد تحرك مجلس الشورى الإيراني وبدأ بطرح مشاريع قوانين مضادة وإيران اليوم غير إيران الأمس فعلاقاتها توسعت مع دول العالم ولم تعد معزولة أو وحيدة فقد أضحت ضمن مجموعات دولية قوية مثل منظمة «شنغهاي» ودول «البريكس» وأقامت علاقات عسكرية مع الصين أول مرة ناهيك بتنسيق مستمر إلى حد التحالف مع
الاتحاد الروسي .
ربما يفكر ترامب وطاقمه بعقوبات إضافية إلى جانب التفكير بصفقة بديلة أفضل لكن هذا سيكون أمراً مستحيلاً حسب المواقف الحازمة التي بدأ يتخذها مجلس الشورى الإيراني ، ناهيك بأن مثل هذا التصرف قد يجعل احتمالية عودة إيران إلى تطوير الأسلحة النووية أمراً وارداً، وسيقرّبها أكثر من الحصول على ما تريده نووياً، وسيقرّب الولايات المتحدة أكثر من الصراع العسكري، كما سيشكل وصمة عار لعدم التزام أمريكا بالاتفاقات الدولية وهو ما سوف يعود بنتائج سلبية على واشنطن ويعمق فشل سياستها في المنطقة .
tu.saqr@gmail.com
Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}
Views: 7