محمد بلوط |
مؤتمر لتقطيع الوقت في فيينا. لا نتائج منتظرة أصلاً لمؤتمر عقد لإشباع الإصرار الفرنسي على عقد مؤتمر ما حول سوريا في سياق تبني باريس لمعركة حلب والحملة من اجل «إنقاذها»
بعد تراجع كل المبادرات الغربية، وإخراج الفرنسيين من الملف السوري، الذي أصبح في عهدة الروس والأميركيين.
مع ذلك كان التمرين الديبلوماسي الأميركي – الروسي مفيداً، خصوصا ما تخلل المؤتمر الصحافي للوزيرين الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف من تصريحات تفوق أهميتها بكثير البيان الختامي للقاء المجموعة الدولية لدعم سوريا الذي لم يخرج عن العموميات في إطار ما سبقه في ميونيخ أو فيينا السوريين.
هناك استثناء واحد، يبدو أكثر سوريالية في شروط الوضع السوري: إذ يهرب الروس والأميركيون من فشلهم في فرض مجرد هدنة «متواضعة» تمزقت في حلب وادلب وحمص وغوطة دمشق، إلى إعلان أكبر عن وقف شامل لإطلاق النار، الذي يتجاوز بكثير ما يمكن فعلا تنفيذه على الأرض، وهو هروب إلى الأمام لأنه يربط تنفيذه بالعقدة الأساسية والمستمرة التي عرقلت الهدنة منذ ٢٧ شباط الماضي، إذ يشترط الروس على الفصائل المسلحة فك ارتباطها أولاً بـ «جبهة النصرة» قبل الذهاب إلى شمولية وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية وبين كافة القوى المتقاتلة (من دون «داعش» و «النصرة»)، ومنها العودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن من المستبعد أن تذهب المعارضة المسلحة السورية إلى الانتحار، إذ أن غلبة الجماعات السلفية «الجهادية» في صفوفها لم تعد تحتاج إلى برهان. وجلي أن «جبهة النصرة»، ومعها «أحرار الشام» التي تسعى روسيا لتصنيفها إرهابية، تشكل العمود الفقري لكل البنى العسكرية الرئيسة التي تقاتل الجيش السوري، والتي سيؤدي فك الارتباط بينها وبين ما تبقى من قوى المعارضة، إلى ما يشبه نزع سلاح المعارضة بأكملها، وضرب جناحها العسكري الأقوى، وهو رهان يبدو مستحيل التحقيق في الشروط الحالية، خصوصاً أن السعودية وتركيا لا تزالان تصران على مواصلة الحرب في سوريا، فيما يسود الارتباك الموقف الروسي.
كما أن الإعلان عن وقف شامل لوقف إطلاق النار من دون فك الارتباط بين «النصرة» والفصائل الأخرى قد يؤدي إلى نصب فخ للجيش السوري، الذي سيكون الوحيد الذي يمكن محاسبته، بسبب مركزيته، والقدرة على رصد تحركاته بوضوح، وهو احتمال ممكن، لكن الطريق إليه لا يزال يحتاج إلى توضيح الآليات العقابية، أو طرق الرصد وتطوير نظام الهدنة، من مراقبة الخروقات وإحصائها كما هي الحال اليوم إلى معاقبة من يخرقها، وتحديد من هي القوى التي ستتولى معاقبته. وقال كيري إن المجموعة الدولية لدعم سوريا اتفقت على أن انتهاك أي من الأطراف لوقف إطلاق النار ستكون له «عواقب»، وان منتهكيه يعرضون أنفسهم لخطر طردهم من عملية السلام.
والواضح أن الروس لا يزالون، على الأقل شكلياً، يحاولون المناورة مع الفريق الأميركي والسعودي والتركي، لإخراج «جبهة النصرة» من «جيش» المعارضة، قبل الدخول في مساومة حقيقية، لا تغري حتى الآن لا الأميركيين ولا غيرهم، ذلك أنهم لا يضعون، كما يطالب الأميركيون والسعوديون، مصير الرئيس بشار الأسد على طاولة المفاوضات، عبر القبول بانتقال سياسي، بل ويتمسكون بالأسد.
سيرغي لافروف ردد ذلك في معادلة مثلثة الزوايا: «نحن لا ندعم الرئيس الأسد، نحن ندعم الدولة السورية» لكن الأسد هو قائد الدولة السورية بنظر الشرعية الدولية، والكثير من السوريين. وأضاف «نحن ندعم القتال ضد الإرهاب، وعلى الأرض لا نرى أي قوة حقيقية أكثر فعالية من الجيش السوري رغم جميع نقاط ضعفه». ونفى أن تكون الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار تظهر أن تاثير موسكو على دمشق اقل مما كان يعتقد سابقا. وقال «بالنسبة لمسألة ما إذا كان الأسد يتجاهل نصائحنا وعملنا معه، فكلا، انه لا يتجاهلها»، مؤكداً أن «الأسد يعي تماماً ويتذكر انه تعهد مسؤولية الالتزام بالخطوات المتتالية المنصوص عليها في القرار 2254».
في كواليس فيينا واللقاءات مع المعارضة السورية، أمس الأول، يعترف لافروف أن المناورة مكتوب لها الفشل. والتفاهم الروسي – الأميركي ليس سوى احتمال لم يتحقق بعد ولا يزال بعيداً. إذ تقول مصادر معارضين سوريين في فيينا إن لافروف صارحهم بحقيقة الرؤية الروسية للموقف الأميركي. وقال إن الأميركيين راضون تماما عما يفعله السعوديون والأتراك (من إعادة تسليح المعارضة، وتشكيل «جيش الفتح» وخرق الهدنة على كل الجبهات، لا سيما في حلب). ويضيف «بل إننا عندما نحدثهم عن النصرة لا يجيبون». واشتكى لافروف من أن الأميركيين يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر. أما إعلان كيري أن «هناك لاعبين في صفوف الطرفين في سوريا يسعون إلى الإخلال بجهود التسوية المشتركة» فلا ترقى إلى ما كان يأمله الموقف الروسي وليس كافياً لإنشاء قاعدة مشتركة مع الأميركيين.
وينبغي النظر إلى ما قاله كيري «من أن على الأسد ألا يعتقد أن أميركا لا تملك خطة ب» على انه محاولة لطمأنة المعارضة التي لا تكف عن اتهام واشنطن «بخيانتها» والتخلي عنها. إذ أن الأميركيين لا يملكون سوى خطة واحدة، وهي الخطة «أ» نفسها التي يطبقها الأميركيون منذ خمسة أعوام لاستنزاف سوريا، مع إعادة تطويرها وتكييفها وفقا للمستجدات، وليس إعادة تأهيل المجموعات المسلحة وتزويدها بأكثر من ٣ آلاف طن من المعدات والأسلحة من قبل واشنطن وحدها، سوى استمرار للخطة «أ» نفسها.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنه سيكون من الضروري البحث في البدائل، بينها تكثيف الدعم العسكري للمسلحين، إذا لم يمتثل الأسد لمحاولات التوصل لهدنة في عموم البلاد.
التمرين أيضاً كشف عن محاولة أخيرة روسية للتمسك بالتفاهم مع الأميركيين، ومحاولة العودة معهم إلى موعد لم يحدده المبعوث الاممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى جنيف، مع الترجيح أن تبدأ جولته المقبلة في 27 أيار الحالي.
الروس لا يزالون تحت ضغط عامل العد التنازلي لما تبقى لباراك اوباما في البيت الأبيض، والسعي لربط عمليتهم العسكرية بعملية سياسية تمتد 18 شهراً، بدءاً من آب المقبل. وتفترض خريطة فيينا المعروفة تشكيل حكومة موسعة، وتعديلات دستورية فانتخابات برلمانية خلال 18 شهراً. أما الأميركيون فلا يبدون استعجالاً لأي حل سياسي ولا تمسكاً بالمواعيد التي يسابق الروس للوفاء بها، إذ أن كيري نفسه، الذي أعلن قبل شهر أن آب سيكون موعد الدستور الجديد في سوريا، هو من قال في فيينا إن موعد آب هو هدف وليس مهلة إجبارية لبدء المرحلة الانتقالية. أما عدم الاتفاق على موعد جديد للتفاوض في جنيف، رغم ترجيح انعقاده قبل انتهاء الشهر الحالي بشروط الفشل نفسها، فهو قرار دولي وإقليمي واضح، بمواصلة تأجيل الحل السياسي في سوريا، واستنزافها، وهو أمر تعرفه دمشق.
السفير
Views: 1