. نجاح سلام: في الشام بدأتُ والآن تكرمني هذه الأرض الطيبة
تكريم صاحبة الأغنية الشهيرة «سورية يا حبيبتي» ليس أمراً عادياً في هذه المرحلة، فقد ارتبط اسم نجاح سلام بالأغاني الوطني
في أكثر من مناسبة أشهرها حرب تشرين التحريرية وحرب السويس التي غنت فيها «أنا النيل مقبرة للغزاة»، كما غنت للقدس وفلسطين المحتلة وبغداد وللوحدة العربية.. هكذا ظهر الاحتفاء بنجاح سلام التي استقبلتها دار الأوبرا في حفل تكريم ضخم حضره العديد من الشخصيات الرسمية والمهتمين والفنانين والإعلاميين، كأنه مناسبة لنبش الذاكرة الوطنية لأغانٍ صاغت ذائقة أجيال كاملة في تلك المراحل، واستناداً لذلك لم يكن غريباً أن تحضر بشكل مكثف في القاعة، تلك الفئة العمرية المتقاربة مع نجاح في العمر حيث يعني الاستماع لتلك الألحان والأصداء إحياءً للذاكرة والغناء الملتزم بعد أن تشوّه المشهد بالكثير مما يسميه النقاد «أغنية الطقطوقة»!.
استقبال الفنانة سلام في مسرح الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون كان حاراً وعاصفاً من قبل جمهور بدا متعطشاً ومتعاطفاً مع فن مختلف، فنجاح صاحبة تجربة فنية طويلة وغنية حافلة بالأغاني الطربية الأصيلة، إذ أغنت المكتبة العربية بأكثر من خمسة آلاف أغنية، لتصبح بجدارة منارة غنائية تهتدي بها الأصوات القادمة حفاظاً على أصالة فن الغناء العربي.
أحيا الحفل فرقة المايسترو نظير مواس برفقة المغنية الشابة همسة منيف، حيث قدمت بصوتها العذب باقة من روائع الأغاني الوطنية والطربية التي بثتها إذاعة دمشق لنجوم الطرب العربي، ومازالت راسخة وخالدة في أذهان الناس حتى يومنا هذا، فكانت البداية أغنية «من قاسيون أطل يا وطني» للمطربة دلال الشمالي، وأغنية «غالي غالي يا وطني الغالي» للمطرب اللبناني مروان محفوظ، لتقدم بعدها أغنية «حوّل يا غنام» التي اشتهرت فيها المطربة نجاح سلام منذ ستينيات القرن الفائت، إضافة إلى باقة من أغاني الفنانة سلام الشعبية، وهي: «ميل يا غزيل، الشب الأسمر، دخل عيونك حاكينا، يا ريم وادي ثقيف»، وفيها جميعاً برزت قدرات المغنية منيف التي أطلقت العنان لصوتها الواسع المساحة، فأوصلتنا إلى حالة النشوة في الطرب وشاركها الحضور تصفيقاً وغناء. تلا ذلك صولو الناي للعازف جورج ضاوي مع مرافقة الفرقة، ليتألق فيما بعد الفنان نظير مواس بمقطوعة رائعة على آلة الكمان لأغنية «منن مدّيتن أيدي وسرقتك» للسيدة فيروز، أبهرنا بها من خلال انسجامه الكبير مع آلته.
وسط تصفيق حار، اعتلت الفنانة الكبيرة نجاح سلام مسرح الأوبرا لتؤدي بصوتها الجميل وحضورها اللافت وخفة دمها، مقطعاً من أغنية قامت بكتابتها لإهدائها إلى بلدها الثاني سورية، تقول كلماتها: (بيقولوا نجاح مانها غنية.. ما معها غير ليرة سورية.. قلتلهم ليرتي السورية بتسوى مليون انكليزية..) وقد أثبتت الفنانة سلام أن مقدرتها الغنائية -الأدائية لم تتأثر بتراكم السنين، ولذا ألهبت حماس الحاضرين الذين رددوا معها الأغنية، لتختتم الحفل بأغنيتها الوطنية المعروفة «سورية يا حبيبتي» تعبيراً منها عن محبتها لسورية ولشعبها متمنية لها النصر القريب، وموضحة أن لسورية فضلاً كبيراً على مسيرتها الفنية فهي بلد الكرم والفن والجمال ومنها انطلقت ونجحت.. كما وجهت شكرها للمطربة الشابة همسة منيف التي أدت أغنياتها بكل براعة وإتقان مع فرقة الفنان نظير مواس.
مع انتهاء فقرات الحفل، قدم وزير الثقافة عصام خليل درعاً تكريمياً للفنانة نجاح سلام تقديراً لمسيرتها الفنية الغنية والحافلة بالعطاء، وذلك بحضور المدير العام للأوبرا جوان قره جولي الذي رحب بالفنانة الكبيرة بمقولة الوزير «ساعة النصر إلا ربع» إيماناً بالنصر القادم الذي يتزامن مع ذكرى الجلاء السبعين، وأضاف: ليسجل التاريخ أنه في يوم الثلاثاء 19 نيسان 2016 اعتلت الفنانة الكبيرة نجاح سلام منصة دار الأوبرا في دمشق فزادته ألقاً وشرفاً.. بينما قال وزير الثقافة عصام خليل في تصريح للصحفيين: يسعدنا أن نكون في دار الأسد للثقافة والفنون في ضيافة المطربة الكبيرة نجاح سلام التي انطلقت من سورية وتحولت بفنها وإبداعها إلى جزء من الذاكرة والوجدان العربيين، مضيفاً أن سورية رحبت بكل العرب ولا تزال تصنع الهوية والعروبة، ولا تزال الصفصافة التي تفيء ظلاً على كل أبناء العرب من المحيط إلى الخليج. وبيّن وزير الثقافة أن سورية لم تنقطع أبداً عن كونها نسغاً حيوياً للأمة كلها ولا يمكن لهذه الهجمة الإرهابية التي تواجهها أن تحرف المسار أو البوصلة. وقال: «نحن نعرف جيداً عدونا ومهما كانت طبيعة الهجمة لن نحيد إطلاقاً عن معركتنا الأساسية في تحقيق النصر، وستبقى أبواب سورية وقلوب أهلها مفتوحة دائماً لكل العرب».
عن أهمية تكريم الفنانة سلام، أشار خليل إلى أن الفنانة الكبيرة نجاح سلام شكلت بما قدمته من إبداع جزءاً من ذاكرة جيل بأكمله، وهي تمثل الزمن الجميل الذي كان الفن فيه يقدم روحاً متفردة في كل قامة إبداعية، لذلك هي تستحق بما أنجزته وقدمته أن نقوم بتكريمها، وأضاف: عندما نكرم كبارنا نكرم أنفسنا لأننا نحترم هذه التجارب ونسعى إلى تكريسها لأجيال المستقبل. موضحاً أن إذاعة دمشق كانت قبلة الفنانين العرب، وهي المنبر الذي أتاح لمعظم العمالقة الكبار أن يبرزوا ويتألقوا في سماء الفن.
أعقب الحفل مؤتمر صحفي حضره كل من الفنانة نجاح سلام والفنان أنطوان الصافي- ابن المطرب الكبير الراحل وديع الصافي- وشقيق الفنانة عبد الرحمن سلام، وأدار الحوار الزميل أحمد بوبس، حيث أشادت الفنانة سلام بتكريمها بين أهلها وفي وطنها سورية الذي تربت على حبه منذ نعومة أظفارها، مشيرة إلى أنها لم تغنّ في لبنان أي أغنية، بل غنت فقط في سورية التي وصفتها ببلد الكرم والعطاء والأدب والفن، والبلد الذي بدأت فيه مسيرتها الفنية وانطلقت منه واشتهرت من خلاله، كما قدمت سلام لمحة عن مسيرتها الفنية وعلاقتها مع الفنانين والملحنين الكبار الذين تعرفت عليهم أثناء وجودها في دمشق وكان أبرزهم سهيل عرفة ونجيب السراج ومحمد سلمان، كما تحدثت عن علاقتها الوطيدة مع الفنان الراحل وديع الصافي.
من جانبه، أشار أنطوان الصافي إلى أن تكريم الفنانة نجاح سلام، هو تكريم لجميع الفنانين، مؤكداً أن الجميع معتادون على تكريم سورية ومحبتها واحتضانها للفنانين والمبدعين.. فهي -على حد تعبيره- أمُّنا جميعاً.. وهي «دائماً عند الوعد»، كما أوضح العلاقة الوطيدة التي تجمعهم مع الفنانة سلام والتي لقبها الفنان الراحل وديع الصافي بـ«نجاح الصافية» لنقاء وصفاء صوتها، وأطلق بهذه المناسبة فكرة أغنية مشتركة لغنائها مع الفنانة سلام عن انتصار الجيش العربي السوري، من ألحانه وكلمات ميشيل جحا.
كما ذكر شقيق الفنانة عبد الرحمن سلام، أن تكريم الفنانة سلام خارج وطنها وفي دمشق تحديداً، هو لفتة جميلة من البلد الذي برزت فيه واحتضنها وقدّر فنها، وإنه لشرف كبير أن تكرم اليوم في بيتها الكبير.
أما الملحن سهيل عرفة الذي حضر المؤتمر الصحفي فأشار إلى أن الفنانة نجاح سلام هي قامة كبيرة من قامات الفن الغنائي، وهي خير سفير للأغنية السورية والعربية، لافتاً إلى أنه لحّن لها عدداً من الأغاني الجميلة.
Views: 6