كان عام 2015 بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حافلا بالأحداث على جميع الأصعدة، كما أنه واجه خلال هذا العام تحديات كبيرة في مجالات الاقتصاد، والأمن، والسياسة الخارجية. وبالإضافة إلى المشاكل التي كانت متوقعة، مثل استمرار تطبيق العقوبات الغربية، ومواصلة تراجع أسعار النفط، والكساد الاقتصادي، كانت موسكو في عام 2015 على موعد مع مواجهات سياسية جديدة نشبت في العالم، وصعود الإرهاب الدولي.
مكافحة الإرهاب
على الرغم من تراجع عدد الجرائم ذات الطابع الإرهابي في أراضي روسيا نفسها، حذرت الاستخبارات الروسية من تنامي الخطر الإرهابي، نظرا لتزايد عدد المتطرفين الروس في صفوف التنظيمات الإرهابية التي تقاتل بالشرق الأوسط. وبالإضافة إلى تكثيف الجهود للتصدي لمروجي الفكر المتطرف داخل البلاد، بادر بوتين إلى إطلاق حملة واسعة من أجل القضاء على الإرهاب الدولي ، وذلك عبر شن عملية جوية في سوريا، ودعوة كافة دول العالم للانضمام إلى جبهة شاملة لمواجهة هذا الشر، إذ قدم الزعيم الروسي هذا النداء شخصيا من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 28 أيلول. وأمر الرئيس بوتين بإطلاق عملية عسكرية جوية ضد الإرهابيين في سوريا بدءا من 30 أيلول الماضي.
وخلافا للغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على الأراضي السورية، يعمل الجيش الروسي في تلك البلاد بشكل شرعي تماما تلبية لطلب الحكومة الشرعية في دمشق. وخلال الأشهر الأولى من العملية العسكرية، ساهمت الغارات الروسية في إبعاد خطر سقوط دمشق بأيدي المتطرفين، وسمحت للجيش السوري ببدء التقدم في العديد من الجبهات. وتعد الغارات الجوية الروسية في سوريا أكبر عملية عسكرية يجريها الجيش الروسي خارج أراضي البلاد في تاريخ روسيا الحديث. وأظهرت هذه العملية مرة أخرى تنامي قدرات القوات المسلحة الروسية بقدر كبير. وفي آذار عام 2016، أمر الرئيس الروسي بسحب الجزء الأساسي من القوات الجوية الروسية من سوريا، باعتبار أن العملية الروسية حققت أهدافها الرئيسية. وبدأ الانسحاب في 15 آذار، لكن سلاح الجو الروسي المتبقي هناك كثف مشاركته في دعم جهود الجيش السوري لتحرير مناطق معينة من الأراضي السورية من أيدي “داعش”، ومن أبرز تلك المناطق مدينة تدمر الأثرية.
الرد على إسقاط طائرة الركاب الروسية
لكن الإرهابيين بدورهم وجهوا ضربة موجعة بإسقاطهم طائرة ركاب روسية من طراز “أيرباص 321” فوق سيناء يوم 31 تشرين الثاني. واستنتجت هيئة الأمن الفدرالية الروسية أن تحطم الطائرة الذي يعد أكبر كارثة جوية في التاريخ الروسي والسوفيتي (علما بأنها أسفرت عن مقتل 224 شخصا، هم جميع الركاب والطاقم المتكون من 7 أفراد)، ناتج عن زرع قنبلة يدوية الصنع على متنها. وتعهد بوتين بملاحقة مرتكبي هذه الجريمة ومعاقبتهم حتميا. كما أمر الرئيس بتكثيف الغارات الروسية على الإرهابيين في سوريا، وبلغت كثافة العمليات الروسية مستوى غير مسبوق، إذ انضمت للعملية طائرات من الطيران الاستراتيجي بعيد المدى، فيما شاركت سفن صاروخية من أسطول بحر قزوين الروسي وغواصات روسية من البحر الأبيض المتوسط في العملية بإطلاق صواريخ مجنحة على أهداف إرهابية في سوريا بواسطة منظومات “كاليبر” عالية الدقة.
الرد على إسقاط القاذفة الروسية “سو-24”
“طعنة غادرة في الظهر”. هكذا وصف الرئيس الروسي الهجوم التركي على إحدى الطائرات الحربية المشاركة في العملية الروسية بسوريا. فقد أسقط سلاح الجو التركي يوم 24 تشرين الثاني الماضي قاذفة روسية من طراز “سو- 24” فوق أراضي سوريا، بذريعة أنها اخترقت الأجواء التركية. ولم تقدم أنقرة حتى الآن أي أدلة لإثبات الاختراق المزعوم لأجوائها والذي تنفي موسكو حصوله بشكل قاطع. وتمكن قائد القاذفة وملاحها من القفز بالمظلة من الطائرة قبل تحطمها، لكن الطيار القائد أوليغ بيشكوف قتل برصاص مسلحين متطرفين أطلقوا النار عليه عندما كان يهبط بواسطة مظلته، فيما تم إنقاذ الملاح بعد عملية مشتركة خاصة للقوات الروسية والسورية. كما قتل البحار ألكسندر بوزينيتش من القوات الخاصة في مشاة البحرية الروسية، خلال مشاركته في عملية التفتيش عن مكان تحطم القاذفة، عندما أطلق مسلحون صواريخ “تاو” على المروحية التي كان على متنها.
وعندما اتجهت تركيا لحلف الناتو لطلب “الحماية”، بدلا من تقديم الاعتذار، رد الرئيس بوتين على هذا الموقف مباشرة. ويبدو أن أهم قرار اتخذه الرئيس كان يكمن في الامتناع عن الرد عسكريا، لكنه كلف الحكومة الروسية بإعداد إجراءات اقتصادية، ومنها حظر استيراد بعض المنتجات الزراعية التركية، وإيقاف الرحلات السياحية المنظمة إلى تركيا. كما طالت العقوبات الروسية بعض مجالات التعاون الأخرى مع تركيا. ولم يقتصر الرد الروسي على المجال الاقتصادي والسياسي فحسب، بل أمر الرئيس بتعزيز دفاع مجموعة القوات الروسية المنتشرة بسوريا، وبنشر منظومات الصواريخ “إس-400″ و”بانتسير” للدفاع الجوي في قاعدة “حميميم” السورية، كما بدأت مقاتلات روسية ترافق القاذفات المشاركة في العملية الروسية بسوريا خلال كافة طلعاتها القتالية في سماء سوريا.
الأزمة الأوكرانية
كان الوضع في جنوب شرق أوكرانيا في النصف الأول من عام 2015 متوترا على الرغم من تحقيق انفراج نوعي على طريق تسوية النزاع المسلح بين الجيش الأوكراني وقوات دونيتسك ولوغانسك تمثل في التوقيع على اتفاقات مينسك السلمية يوم 12 شباط 2015. وجاء التوقيع على الاتفاقات بفضل جهود زعماء روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا. وبعد مفاوضات رباعية استمرت لـ16 ساعة، قال بوتين للصحفيين: “لم تكن هذه الليلة الأفضل في حياتي، لكن يبدو لي أن الصباح جاء بخير، لأننا تمكنا، على الرغم من جميع الصعوبات، من التوصل إلى اتفاقات حول النقاط الأساسية”. وأسست اتفاقات مينسك لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع وانطلاق العملية السياسية. واستمرت الانتهاكات لوقف إطلاق النار من قبل طرفي النزاع لأشهر طويلة، حتى أيلول الماضي، عندما استقر الوضع ودخل وقف إطلاق النار الفعلي حيز التطبيق. وعلى الرغم من محاولات كييف لعرقلة العملية السياسية، تتجه لوغانسك ودونيتسك لإجراء الانتخابات المحلية في أراضيها في الربيع المقبل. ومن المقرر أن تصبح هذه الانتخابات الخطوة الأولى على طريق إعادة تكامل الجمهوريتين المعلنتين من جانب واحد مع باقي الأراضي الأوكرانية.
العقوبات وتراجع أسعار النفط فرصة نادرة لتنويع الاقتصاد الروسي
على خلفية استمرار تطبيق الغرب لعقوباته ضد روسيا، حدد الرئيس بوتين المجالات التي يجب ضمان الاكتفاء الذاتي بالكامل فيها وإحلال المنتج الوطني محل الواردات بنسبة 100%. ويدور الحديث عن المجالات المتعلقة بضمان الأمن القومي لروسيا بدءا من الأمن الغذائي ووصولا إلى الأمن العسكري. كما لم تكن العقوبات العامل الوحيد الذي جاء بتأثير سلبي على الاقتصاد الروسي في عام 2015، بل تأثر الاقتصاد بالدرجة الأولى بانهيار أسعار النفط، وهو أمر أدى بدوره إلى تراجع سعر صرف الروبل بقدر كبير وتنامي وتائر التضخم.
وفي نهاية المطاف، اضطرت الحكومة لتعديل ميزانية عام 2015 بشكل جذري، والتخلي عن الميزانية السابقة التي وضعت لمدة 3 سنوات. وعلى الرغم من تسجيل تراجع في الإنتاج الصناعي والناتج المحلي الإجماعي في أعقاب عام 2015، إلا أن الإحصائيات الأخيرة تدل على استئناف النمو في العديد من المجالات، فيما أكد الرئيس بوتين أن البلاد تجاوزت ذروة الأزمة.
Views: 1