باستثناء بعض الشّلل أو الثنائيات، وقطيعة طويلة غلّفت علاقتهم باتّحادهم الذي ما استطاع حتى اليوم أن يؤمّن ما تؤمّنه الاتحادات الأخرى لأعضائها من راتب تقاعدي أو صندوق تكافل وغيرهما..أمّا علاقتهم بالجمهور فكانوا أشبه بأمراء يسكنون برجاً عاجياً لا ينزلون منه، في حين اقتصرت بصْمتهم في الحراك الثقافي السوري على معارض خاصة أو فردية أو جماعية وملتقيات غالباً لا يعلم بها سوى أبناء المجال ذاته، أمرٌ يردّه البعض إلى تقصير إعلامي، والبعض الآخر إلى تقصير من الاتحاد والفنانين أنفسهم..وكان انطلاق «الأربعاء الثّقافي» بالكاد يذكر، انطلاقة بدأت فقيرة في صالة لا تليق باسم الفنان التشكيلي العالمي لؤي كيالي الذي حملت اسمه، لا ألوان في القاعة، لا لوحات، لا طلاء جدران، لا شيء يوحي إلى لؤي كيالي.. أما كيف بدأت فكرة «الأربعاء الثقافي» وما الهدف منها وكيف تطورت، فيحدثنا رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية الدكتور إحسان العر ويقول:
بدايةً، لابدّ من وضع اليد على الجرح، نعم كان هناك انعدام ثقة بين الاتحاد والفنانين، من أجل ذلك كان «الأربعاء الثقافي»، فالصالة موجودة منذ زمن، وكانت مجمعاً للأدباء والشعراء والفنانين، وأردنا ألا يبقى الفنانون التشكيليون بعيدين عن الاتحاد، وألا تبقى الأحاديث التي تجمعهم لا علاقة لها بالأمور الثقافية، أردنا أن تدور الأحاديث عن الفن، بدأنا أربعة أشخاص ثمّ زاد عددنا في آخر ندوة حتى قارب الحضور المئة، ولم تقتصر الندوات على الفن التشكيلي بل كان هناك توقيع كتب وندوات عن الشعر والموسيقا والسينما وورشات فنية.
أما أهداف «الأربعاء الثقافي» فهي كما يوضّح الدكتور العر: هدفان، الأول: نشر الوعي الثقافي والحس الجمالي من خلال اللقاءات، والثاني: عودة الحميمية بين الفنانين والاتحاد.. إذاً نزل الفنان التشكيلي من برجه العاجي، وبدأ يحجز مكاناً له في الحراك الثقافي السوري، فكرة لا تروق للدكتور العر كثيراً، يعلّق: لا ليس الأمر كذلك، لكن الفن التشكيلي كان مغيباً من خلال الإعلام، وكان الفنان يشعر بأنّه بعيد عن الوسط الفني ولا مجال لتسليط الضوء عليه، وها نحن اليوم نسلط الضوء عليه وجاهزون لأي شيء يريده.. ويضيف العر: لؤي كيالي شخصية عالمية، لكن في بلدنا لا يتمتع بهذا القدر من الشهرة، يجب أن ننمّي أطفالنا على محبة ومعرفة الفن السوري من فاتح المدرس إلى يومنا هذا، من خلال تسمية الصالات والمدارس بأسمائهم، هكذا يولد لدى الطفل حس البحث والتعلم..
وبالسؤال عمّا تكلَّفَه الاتحاد لتجهيز الصالة، يجيب الدكتور العر: التكلفة ذاتية لكن وزارة الثقافة دعمتنا ببعض الأمور ومتممات إنجاز الصّالة وهو دعم مالي ومادي، بالصالة وغير الصالة، يضيف: تقنيات العرض مازالت ضمن الإمكانات لأنّ الاتّحاد فقير جداً، اشترينا جهاز حاسوب وجهاز عرض، وخطوة خطوة نصل إلى ما نريد.
«الاتّحاد فقير جداً» عبارة مفاجئة حقيقةً، ويكررها الدكتور العر في حديثه، ويوضّح: الاتحاد فقير، بصفته التعاونية غير قادر على تمويل نفسه، أهم شيء بالنسبة لنا الآن ونعمل على تحقيقه هو صندوق التكافل والتقاعد، صندوق التقاعد صدر بقانون عام 2006، والآن حتى صار جاهزاً تقريباً، وفي 2018 من الممكن صدور أوّل راتب تقاعدي، منذ أسبوع كان لدينا أول اجتماع عن الموضوع، والتأخير كان بسبب قلة أعضاء الاتحاد ووجود أغلبهم خارج البلد. نحن نقابة نوعيّة، والعدد قليل، لذلك من الصعب تحصيل مبالغ جيدة للمشتركين، هذه هي الفكرة الأساسية، الآن صندوق التقاعد بحاجة إلى عمل أكثر منّا ونحن نتابع ما اشتغل عليه زملاؤنا من قبلنا سنوات طويلة منذ تأسيس الاتحاد في الستينيات حتى اليوم.
ويؤّكد الدكتور العر أنّ الهوة بين الفنانين والاتّحاد بدأت تضيق: هذه أول دورة يستلم رئاسة الاتّحاد أحد كوادر كلية الفنون، وأعيد انتخابي مرة ثانية، أهم ما أعمل من أجله هو تحقيق شيء لزملائي، إذا لم يقدّم الاتحاد للفنان شيئاً مهمّاً فمن حقه أن يعتب، مقابل ذلك عليه أن يلتزم بواجباته من المالية إلى المعنوية، في حال التزم كل فنان بحقه وواجبه فإن صندوق التقاعد سينجح، هنا لابدّ من التذكير بأنّ بعض الفنانين ملتزمون ببعض النقابات ولديهم ضمان صحي أمّا الأغلبية.. يجب أن يشعر الفنانون بأنّ الاتّحاد بيتهم وأن يكون الاتحاد أبا الفنانين.
إذاً، ماذا قدّم الاتحاد الفقير للفنانين المتضررين من الإرهاب؟ يجيب الدكتور العر: الإرهابيون يدمّرون الفكر قبل أي شيء آخر، وعندما يدمّرون أثراً فنياً كالمنحوتات والتماثيل إنّما يعملون على تدمير حضارة بلد، وكجهات معنية يجب توثيق كل الموروث الثقافي الذي له علاقة بالرسم والفن وغيره ونشره في المدارس، أمّا ماذا قدم الاتحاد مادياً؛ فأعود وأقول: الاتحاد فقير جداً..
معارض كثيرة استضافها الاتحاد في صالة الشعب، قيل عن بعضها أنها دون المستوى، يعلّق الدكتور العر: عندما تكون البلد بعافية على الصعيد الأمني والاقتصادي بالأساس تكون المعارض مختلفة المستويات، فما بالنا في بلد يعيش هذه الحرب ومع ذلك هناك معارض دائمة، ولا يمرّ شهر من دون معرض، اليوم المحاسبة ليست على المستوى بل على الوجود..
وجود حاول بعض الفنانين الإصرار عليه، من خلال تكبدهم عناء القدوم من محافظات أخرى إلى دمشق للمشاركة في المعارض التي يقيمها الاتحاد، فماذا قدم الاتّحاد لهؤلاء أيضاً، وهل هناك فكرة بأن تذهب المعارض إليهم؟ يجيب العر: الأهم هو الجمهور في تلك المحافظات، كانت هناك فكرة بأن يزور المعرض السنوي المحافظات بعد عرضه في دمشق، أمّا عناء الفنان فأقل من عناء الجمهور، الفكرة واردة ومطروحة مع وزارة الثقافة وهناك أمل في حصولها.
وعن الملتقيات التي شهدها الحراك الفني التشكيلي خلال الحرب في بعض المحافظات السورية كدمشق واللاذقية وطرطوس سواء ملتقيات النحت على الخشب أو غيرها، أوضح الدكتور العر: هذه الملتقيات جيدة، لكن يجب ألّا تبقى اعتباطية، يجب أن يكون هناك تنسيق كامل مع الاتحاد، ويجب أن يحمل الملتقى هدفاً ليخرج بمنتوج جيد، أوّل ملتقى دولي كان في مهرجان المحبة في اللاذقية أواخر التسعينيات، هناك شاركت مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين، بعدها توالت الملتقيات لكن لم تكن منظمة..أركّز على ألا يضيع الهدف الأساس من الملتقى وأن ننفي موضوع الشللية، لذلك أؤكّد على دور الاتحاد وإتاحة الفرصة لفنانين آخرين.
وبالسؤال على مَنْ يقع اللوم والعتب؛ أعلى وزارة الثقافة أم الاتحاد ذاته؟، يجيب العر: بيننا وبين الوزارة تنسيق، لكن في المحافظات الأخرى قد يحصل اتفاق بين المحافظ أو البلديات وبعض الفنانين من دون العودة إلى الاتّحاد، لذا نطالب الوزارة بألّا يكون هناك ملتقى أو نشاط من دون التنسيق معنا، أعود وأقول: إنّ الملتقى يحتاج مالاً كثيراً لا نملكه للأسف.
وكحرصهم على الحضور الداخلي، حرص فنانون تشكيليون سوريون على الوجود في معارض دوليّة لكن كأفراد لا بشكل رسمي، يحدّثنا العر: هناك معرض وحيد «فالنسيا» شاركنا فيه رسمياً وكانت الدعوة عن طريق وزارة الثقافة، وحققت مشاركتنا صدىً جميلاً في الصحف العالمية، لكن اليوم بسبب الأزمة صرنا مطوّقين عربياً وعالمياً نأمل بعد انفراج الأمور أن نعود إلى نشاطنا الرسمي. أمّا في إعلامنا فلم يتحدث عنها أحد، اليوم في «الأربعاء الثقافي» لاحظت مؤخّراً متابعة من الصّحف والتلفزيون وهذا شيء جيّد نأمل أن يستمر..
كانت تلك الحلقة الأولى من مسلسل القطيعة، أمّا الثّانية فأبطالها كليّة الفنون الجميلة الذين لم يعملوا على حبكة جيدة تربطهم باتحادهم في المستقبل، قلّة منهم من يتابع نشاطات الاتحاد، وقلّة منهم من يقدّم المساعدة له في نشاطاته، يحدّثنا الدكتور العر، الذي مازال يدرّس النحت في الكلية، وقبل ذلك شغل منصب وكيل إداري خمس سنوات: التدريس مهنة إبداعية جميلة تختلف عن العمل النقابي، نشجع الجيل الشاب بأي خطوة، منذ فترة وجيزة أقامت مجموعة شباب معرضاً جماعياً وفتحنا الصالة أمامهم وصالة الشعب أيضاً موجودة في أي وقت لنشاطات كهذه، لطلاب الكلية ولغيرهم من الشباب ممن لديهم اهتمام بالفن أو موهبة فنية.
وعن متابعة طلاب الكلية لنشاطات الاتحاد ولاسيّما «الأربعاء الثقافي» الذي صار يجذب حضوراً جيداً، يقول العر: يجب أن نعتب أوّلاً على أساتذة كلية الفنون قبل أن نعتب على الطلاب، نحن نشجع الجميع على الحضور، لكن أنوّه هنا بأنّ «الأربعاء الثقافي» استطاع جذب محاضري ودكاترة وأساتذة كلية العمارة أكثر، ويوضّح: طالب اليوم غير طالب الأمس، الفن يُكتَسب ولا يُعلَّم، لكن هناك طالب موهوب وآخر غير موهوب، الموهوب يبحث عن أي شيء يفيده في الفن، أمّا غير الموهوب فمن الممكن أن يكون مثقفاً فنياً لا فناناً تشكيلياً، ويبيّن: في الماضي كان طلاب كلية الفنون الجميلة لا يتجاوزون السبعين، كنا نجلس بشكل مريح والأساتذة يتعاملون بشكل مريح ويعطون الطالب حقه، وكل قسم كان يحوي 10 طلاب، أما اليوم فكلّ قسم يشكل كلية، نحن لسنا كلية نظرية والطالب بحاجة إلى مساحة للعمل، ووقت للتفاعل مع أستاذه، لذلك يحصل نوع من الانتقائية نختار الطالب الموهوب ونعمل معه أكثر، أما البقية فيضيعون الوقت على غير الموهوبين لأنّ هؤلاء دخلوا الكلية من دون موهبة.
ويلقي الدكتور العر الّلوم هنا على شروط القبول في الكلية، يقول: حاولنا مع وزارة التعليم العالي إحداث كلية تربية فنية تخرّج مدرسين.. نحن لدينا أربع كليات، كل كلية منها تخرّج ألف طالب سنويّاً، وتخرج ألف فنان تشكيلي! هذا مستحيل.. يجب أن يكون عدد الطلاب في السنة الواحدة لا يزيد على 60 طالباً هكذا نخرّج فناناً تشكيلياً..
أما الحلقة الرابعة من مسلسل القطيعة والهوة فهو مُستقِبل الفن التشكيلي، جمهور الفن التشكيلي الخجول والمحدود، والسؤال هنا: هل استطاع الاتحاد اليوم أن يردم قليلاً من هذه الهوة كما فعل بأخواتها؟، يقول الدكتور إحسان العر: لاحظت في ندوات «الأربعاء الثقافي» حضور جمهور من غير الفنانين التشكيليين وهذا شيء مفرح، المتذوق ليس بالضرورة أن يكون فناناً، خطوة فخطوة نستطيع الوصول إلى جمهور أوسع.
Views: 7