تشتدّ العاصفة الحالية التي تضرب المنطقة من بحر العرب جنوباً الى البحر المتوسط شمالاً، فتبرز فيها مواقف هجومية وتصريحات تطلقها دول الخليج باتجاه حزب الله وكل من يقف في صفه، بحجة التبعية لإيران ومشروعها في المنطقة.
المتابع للمواقف المتدحرجة لحكام آل سعود ومن لفّ لفّهم يكتشف أن أسلوباً معيناً يتمّ اتباعه، يشبه في كثير من تفاصيله الأسلوب الغربي والأميركي تحديداً في شيطنة العدو إعلامياً عبر تكثيف الهجمات، قبيل فترة الانقضاض المباشر على الفريسة. هكذا فعل السعوديون مع أنصار الله والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح العام الماضي في مثل هذه الأيام، يومها كنا لا نزال نرفض فكرة انقضاض سعودي مباشر على اليمن بل ونسخر منها. بعد بدء العدوان واستفحاله وبروز الموقف العربي والدولي المتجاهل عمداً لوحشية العدوان وجرائمه بحق اليمنيين، قطعنا أي أمل بأن يحصل أمر ما يردع السعودية وحلفاءها وينهي العدوان، واتجهت أنظارنا الى الحدود اليمنية السعودية حيث يسطّر المقاتل اليمني بجسده النحيل وبندقيته القديمة أروع معاني الصمود والكرامة.
نتساءل اليوم كثيراً في أنفسنا: هل كل المؤيدين أو الساكتين عن فظائع عدوان آل سعود على اليمنيين في العالمين العربي والإسلامي هم جميعاً مرتشون وقد ملأ أمراء النفط بطونهم بالريال والدولار؟ صحيح أن أموال النفط تلعب دوراً كبيراً في إسكات المعترضين والإغداق على الاعلام الذي يمكن أن يفضح ممارسات حكام الرياض، بحيث تتقلص الأصوات الوازنة والضاغطة من طنجة وحتى جاكرتا، على اعتبار أن الرأي العام تؤثر فيه عوامل عدة على رأسها الإعلام. لكن عوامل أخرى يستند إليها نظام آل سعود لضمان الاستمرار في تنفيذ مخططاته في المنطقة، مضافة إلى الضوء الأخضر الأميركي، إنه بكل بساطة العامل الديني المذهبي الذي تمّ بناؤه على مدى عقود من الزمن، وحرص المستعمر على وضع أسسه الأولى مع بداية تأسس الكيان السعودي على أرض الجزيرة العربية. كثير منا يصدّق أنّ أول من استحدث لقب «خادم الحرمين الشريفين» كان الملك السعودي الأسبق فهد بن عبد العزيز، الذي أمر بأن يسمى به عام 1986. لكن من يقرأ مذكرات ممثلي الاستعمار البريطاني والأميركي لاحقاً، يشتمّ رائحة تشي بأن الغرب أراد لمن يحكم هذه البقعة – المقدسة في وجدان كل مسلم – أن يُرمَز إليه بصفة لصيقة بقداسة المكان، فتصبَغ قراراته بقدسية دينية تطبع في لا وعي كل المسلمين أن حكام الحجاز السعوديين مسدّدون من قبل الخالق وأحكامهم وقراراتهم واجبة الطاعة والقبول. في الأرشيف البريطاني ترد رسالة بعث بها المفوض البريطاني في منطقة الخليج السير بيرسي كوكس الى مكتب شؤون الهند في لندن، بتاريخ 29 أيلول 1920 يحذّر فيها كوكس حكومة بلاده من الجهر علناً بأن بريطانيا قد نزعت لقب وصاية الشريف حسين على الحجاز واعطته عبد العزيز ابن سعود. يحذر كوكس من عواقب الجهر بإعطاء لقب الوصاية على المقدسات في الحجاز لعبد العزيز الذي كان يستعد لغزو مكة، كون الامر سوف يستثير مسلمي الهند. تتجلى قضية وسم عبد العزيز بالهالة القدسية لاحقاً في مذكرات الاميركيين الذين دونوا وقائع لقاء الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت مع عبد العزيز آل سعود على متن المدمّرة كوينسي في قناة السويس في 14 شباط عام 1945. يذكر مترجم اللقاء الكولونيل الأميركي وليام إدي في كتابه «أف دي آر يقابل ابن سعود» واصفاً عبد العزيز بما ترجمته الحرفية: «حارس الأماكن المقدسة للإسلام، شخص هو الأقرب أن يكون وارثاً للخلفاء، المدافع عن العقيدة الاسلامية والمدن المقدسة لدى 300 مليون مسلم، عزّز صداقة مع رأس دولة مسيحية وغربية عظيمة».
في ربيع عام 1926 كان عبد العزيز آل سعود يدخل مزهواً الى مكة والمدينة بعد حصارها وتجويع أهلها، وبعد مطالباته المتكررة قبل سيطرته على الحجاز للدول الاسلامية بعقد مؤتمر اسلامي يناقش أمور إدارة الحجاز وشؤون الحج والعمرة، بحجة ان الهاشميين لم يعودوا أهلاً لإدارة شؤون الحرمين، انعقد في تموز 1926 مؤتمر اسلامي شارك فيه ممثلو دول اسلامية ومنظمات وهيئات اسلامية من العالم الاسلامي، لم يحضر عبد العزيز المؤتمر الذي انعقد في مكة بل اكتفى بإرسال خطاب مطوّل مكتوب عرض فيه خطته لإدارة الحجاز كان أول بند فيها: «إننا لا نقبل أي تدخّل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة أياً كان نوعه»، معلناً بذلك نفسه الحاكم المطلق للحجاز والمتصرف الوحيد والأوحد بشؤونه، وما كان من المجتمعين إلا أن سكتوا وعاد كلّ الى بلده من دون تسجيل أي اعتراض، ليتحملوا بذلك المسؤولية الكاملة عن إعطاء عبد العزيز الشرعية الدينية المطلقة في إشرافه على ادارة شؤون مقدساتهم واستغلالها هو وابناؤه من بعده في دعايتهم الدينية حول العالم. اكتُشفت الحقول النفطية لاحقاً وتهافتت الشركات الأميركية المنقّبة عن النفط وأسس آل سعود لاستراتيجية نشر الأيديولوجيا الوهابية حول العالم مستفيدين من الطفرة النفطية لتمويل تنفيذها، فأسسوا منظمة اسموها «رابطة العالم الاسلامي» عام 1962، سرعان ما حصلت على عضوية مراقب في منظمات الأمم المتحدة كالأونيسكو واليونيسف بالإضافة الى منظمة المؤتمر الاسلامي. نشرت الرابطة الفكر الوهابي وطبعت كتب محمد بن عبد الوهاب وأغرقت بها المدارس الدينية من أندونيسيا والفيليبين شرقاً الى سواحل المغرب الأطلسية غرباً. لم ينسَ آل سعود أن شرعيتهم التي استمدوها من الحرمين الشريفين تتطلب منهم ان يهتموا بمصدر الشرعية، فعمدوا منذ عهد مؤسس مملكتهم الثالثة الى وضع مشاريع التوسعة في مكة والمدينة، وحرص كل ملك على فرض توسعات أكبر وأضخم من الملك الذي سبقه، والمعتمر والحاج يأتي في كل عام ليؤدي مناسكه وينظر الى العمران الشاهق ويقول في نفسه «ما أعظم هذا العمران وأبهاه، آل سعود بحق حماة الحرمين الشريفين» ويغيب عن بال الحاج المسكين أن آل سعود أمعنوا في نسف آثار الاسلام الأول حتى وصل بهم الأمر مؤخراً الى نسف الجبال المحيطة بالكعبة ومسحها نهائياً. حرص آل سعود على أن يكونوا أول الحاضرين في أي بلد آسيوي او أفريقي تحصل فيه كوارث طبيعية أو حروب عبر أذرع إغاثية، أتقنوا هندسة مهامها واختصاصاتها حتى بلغ بهم الأمر أن يؤسسوا لكل بلد أو منطقة منكوبة منظمة إغاثية باسمها كما حصل في أفغانستان والبوسنة والهرسك ومؤخراً سوريا. وكان الرائد في مهنة الإغاثة التبشيرية السعودية وبطلها دون أي منازع، الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، الذي عبّد طريقه ليصل الى يوم يعلن فيه الحرب على أي دولة أو حزب أو حركة كانت دون أن يلقى معارضة عربية أو إسلامية وازنة تقف في وجهه وتلزمه حدوده. هكذا أسس الاستعمار «لقدسية» آل سعود المزعومة في منطقتنا، وهكذا طور الأفكار والاستراتيجيات من يرسم الخطط لهم، ليصلوا إلى مرحلة إن تجرأ أحد على معارضتهم علانية، كانت الإمكانات الإعلامية السعودية الضخمة جاهزة لاستهدافه وشيطنته تمهيداً لضربه وتصفيته.
علي مراد – صحافي لبناني
Views: 1