توفي مساء أمس الجمعة 5 شباط/ فبراير المؤلف والمخرج المسرحي المغربي الطيب الصديقي بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء المغربية..jpg)
ولد الطيب بن محمد سعيد الصديقي سنة 1937 كان ابوه عالما وفقيها ومفتياً. رحل إلى مدينة الدار البيضاء من بلدته الصويرة ليلتحق باحدى مدارسها الثانوية الاسلامية. ذهب بعدها في دورة تدريبية إلى فرنسا بمهمة العمل في البريد. بعدها توقف عن مزاولة هذه المهنة. ثم اخذ يتدرب على فن الهندسة المسرحية. التقى هنا باسماء لامعة فيما بعد بالمسرح المغربي مثل احمد الطيب العلج، ومحمد العفيفي وخديجة جمال وغيرهم.
قام بأول دور مسرحي" جحا" للفرقة الاولى المحترفة التي تسمى" المسرح المركزي المغربي للابحاث المسرحية التابعة للشبيبة والرياضة" ثم اشتغل في مسرح تجريبي صغير يسمى" مسرح البراكة " الذي انبثقت منه فيما بعد" فرقة المسرح المغربي" ثم اشترك بمسرحيتين هما:" عمايل جحا " المقتبسة عن"حيل سكابان " لمولير، ومسرحية" الشطارة " "وصف النقد الفرنسي والانجليزي الطيب الصديقي بأحسن ممثل اجنبي خاصة حين شوهد في مسرحية باريسية" فامتاز آنذاك وظهر نبوغه في هذا المجال والتقى اعلاما مسرحية تقدمية مهمة ساعدته على المضي اكثر في هذا الصدد مثل هوبيرجينيو ومن بعد جان فيلار.
حصل على الباكالوريا بالدار البيضاء، في سنة 1956 شارك بمسرحية "عمايل جحا" بمدينة باريس ، ثم بدأ بالتمثيل حيث كون فرقة "المسرح العمالي سنة 1957 بالدار البيضاء، وقدم باسمها مسرحية "الوارث" من اقتباس أحمد الطيب العلج، وبعدها "بين يوم وليلة" لتوفيق الحكيم، ومسرحية "المفتش" المقتبسة عن غوغول سنة 1958، ثم "الجنس اللطيف" من اقتباسه عن "برلمان النساء" لأريستو فان، وبهذا تكون هي آخر مسرحية في إطار "المسرح العمالي"، بعدما قدم فكرة مختزلة عن المسرح الغربي، باقتباسه أعمالا في مستوى عالي من الجودة. في سنة 1960 وبعد عودته من فرنسا ثانية، اقتبس وأخرج مسرحية «فولبون» لبن جونسون، بعدها كون فرقة سميت بفرقة المسرح البلدي، وقدم أول عرض بعنوان "الحسناء"، وبعد تقديم عروض كثيرة أخرى، اشتغل على اقتباس من الروائع العالمية، منها مسرحية "في انتظار غودو" لـ(صامويل بيكيت)، ليخرج بعمل بنفحة مغربية تحت عنوان "في انتظار مبروك"، إلى جانب أعمال عديدة. في سنة 1965 عين الصديقي مديرا للمسرح البلدي بالدار البيضاء، فكانت بداية لظهور مسرحية من تأليف عبد الصمد الكنفاوي تحت عنوان "سلطان الطلبة" التي اعتمد فيها على الثقافة المغربية في بعدها التراثي، مضيفا إليها عددا من الإنتاجات الخالدة التي تسير في نفس السياق، وعلى سبيل الذكر لا الحصر: "ديوان عبد الرحمان المجدوب"، "بديع الزمان الهمداني"، "الفيل والسراويل"، "جنان الشيبة"، "الشامات السبع"، "قفطان الحب" و"خلقنا لنتفاهم".
اشتهر الصديقي بتوظيفه للتراث المغربي في مسرحياته، وكانت له أيضا أعمال سينمائية مثل "شريط الزفت"، كما شارك في أعمال عربية كفيلم "الرسالة" للمخرج الراحل مصطفى العقاد، كما كانت له اهتمامات فنية أخرى كالفن التشكيلي.
عرفه المسرحيون في سورية عندما قدم مسرحية " مقامات بديع الزمان الهمداني " التي أثارت جدلا واسعا بين النقاد عندما عرضت في مهرجان دمشق المسرحي عام 1972 ، على قاعدتين أساسيتين ، الأولى تتعلق بالنص الأدبي " مقامات بديع الزمان الهمداني" المستمدة من قصص بديع الزمان الهمداني ، والثانية تتعلق بالفنون الاحتفالية والفرجوية ، وهو ما جعل هذه المسرحية في نظر النقاد أكثر الأعمال المسرحية اقترابا من الأصالة العربية حيث استفادت من إمكانيات المسرح المعاصر في تقنياته ، ومن امكانات التراث العربي في أصوله – لهذا صنفت من بين الأعمال التي أصلت الشكل المسرحي العربي ، لأنه (ليس الرجوع إلى التراث هو الذي اكسب المقامات هذه القيمة الفنية ، وجعلها عملا متميزا في نظر عديد من نقاد المسرح في المغرب والمشرق ، نظرا لأنه تعامل مع التراث بوضوح رؤية ، وتحديد الموقف من التراث). (إن المقامات على ما بها من غموض إيديولوجي ، مسرحية تجمع بين جانبين اثنين : جانب سياسي اجتماعي .. وجانب تأصيلي يتجلى في عملية بحث عميقة وذكية عن أسلوب للتعامل مع تراث قابل للمسرحة ، ويؤسس قاعدة تقليد مسرحي أصيل ، تقبل عليه الجماهير كي تجد فيه نفسها وماضيها وتطلعاتها ، إن المقامات محاولة استلهام التراث العربي عن طريق تبني هيكل بعض المقامات الهمذانية واعطائها شكلا مسرحيا معاصرا ).
ثم واصل اعتماده على التراث من خلال مسرحية " كان يا ما كان " تأليف محمد السعيد الصديقي ، ثم قدم رائعة أخرى معتمدة على التراث العربي الإسلامي ، سنة 1976 وهي " الغـفـران " عن " رسالة الغفران " للمعري ، كتبها الكاتب التونسي عز الدين المدني .
وبعد ذلك عاد إلى التراث مرة أخرى من خلال تقديمه " الإمتاع والمؤانسة " عن حياة أبى حيان التوحيدي ، حيث قام بعملية (التوليف والمزج بين مجموعة من النصوص لبناء النص فلقد اعتمد على بعض الأخبار المتصلة بحياة أبي حيان التوحيدي ، وما كتبه هذا الفيلسوف نفسه وخاصة الليلة الرابعة والثلاثون من " كتاب الإمتاع والمؤانسة " المقسم إلى حوالي أربعين ليلة أو أربعين مسامرة حيث تحدث عنه في الجزء الأول من الكتاب . وهذه المسرحية عرضت في مهرجان دمشق المسرحي 1978وأثارت الكثير من النقاشات خلال الندوة التي تلت العرض..
|