في تموز من العام الماضي تسلم النائب وليد جنبلاط جائزة الرئيس الراحل الياس الهراوي. قبل تسلمه الجائزة بدقائق اعتلى النائب مروان حمادة المنبر وسرد كلمة وجدانية ومؤثرة في “صديق عمره” البيك الجنبلاطي تضمنت معايشته له طوال ثلاثة عقود او اكثر.
ويقول حمادة في متون شهادته بجنبلاط ايضاً انه بعد نصف قرن تقريباً لا يزال الاسم مدوياً ولو بأصداء مختلفة. ويسأل في محاولة منه للإجابة “التساؤلية” عن الجواب بأسئلة من انطباعاته ومعايشته لوريث الكمال ويسأل حمادة : هل لانه الاكثر اثارة؟ الاكثر شهرة؟ الاكثر تقلباً؟ او الاكثر تصلباً؟ هل لانه بالنسبة للآخرين كتلة عقد يصعب حلّها او لأنه يعقّدهم هو، بجدليته الثاقبة ، بميزاته القيادية، بتلمسه الفريد للواقع وقراءته للأحداث في تناقضاتها وتصادمها؟
ويتابع حمادة شهادته بجنبلاط حتى يصل الى ان الوليد بين تاريخين حافلين: تاريخ تجربة الوليد بالاسئلة السابقة الذكر وبوالده كمال جنبلاط الذي كان محلقاً آنذاك في السماء اللبنانية والعربية والدولية. وسام لينين يُزيّن سترته، مؤلفاته تغزي احلام الاجيال الناشئة كما تستقطب احترام العقلاء المعممّين، حركته الوطنية تُشغل الدنيا ولو عجّلت في آخرة البعض.
ولكثرة السرد المشوق في كلمة حمادة الطويلة، لا يسع المرء الا ان يكملها حتى نهايتها ويتوقف عند بلاغتها في إيجاز مسيرة رجل كوليد جنبلاط ومن صلب رجل ككمال جنبلاط. ومن يقرأ في كتاب تاريخ جنبلاط لا بد ان يدرك ان توتر وليد جنبلاط منذ ايام على موقع “تويتر” ليس نابعاً من فراغ وهو القائل ان التويتر والتغريد عليه افضل من التوتر. فماذا يعني ان يطلق النار على قيصر روسيا الجديد ووريث من منح والده ذات يوم “وسام لينين” وهو ارفع وسام منحه الاتحاد السوفياتي 4 او 5 مرات لرؤساء دول وليس لاشخاص او افراد او رؤساء احزاب وما زال جنبلاط الابن يحتفظ بالوسام “ولم يردّه” الى بوتين ولا تزال صورة الزعيم لينين في المختارة على حالها.
فروسيا اليوم والتي تختلف مع جنبلاط في مقاربته للملف السوري، ذاهبة حتى النهاية في مسيرة مكافحة الارهاب ونجحت مع الايرانيين في تحويل المعركة الاممية ضد شخص الرئيس بشار الاسد الى معركة اممية وعالمية ضد الارهاب… فلا سقط الاسد ونظامه ولا غيّر الروس من رأيهم. على العكس هم ذاهبون في معركتهم حتى النهاية ومعهم كل الامم التي كان جنبلاط وحلفاؤه الجدد في الخليج العربي يراهنون على مشاركتهم “حلم إسقاط الاسد”. فالاتحاد السوفياتي الذي يحظى الحزب التقدمي الاشتراكي فيه منذ تأسيسه في العام 1949 بكل هذا الرصيد وآلاف المتخرجين من معاهده وجامعاته، لم يعد يعترف بأوحدية تمثيله للاشتراكية في المنطقة بعد حزب البعث في سورية. ولم يعد جنبلاط بوابة العبور التاريخية لروسيا الى دروز المنطقة بعد دخول النائب طلال ارسلان الكرملين من بابه الواسع اخيراً.
حلفاء جنبلاط التاريخيون في الاليزيه وزملاؤه في “الاشتراكية – الرأسمالية الدولية”، ايضاً يتغيرون ، ولم يعد نجمهم ساطعا امام اليمين المتطرف ويخسرون رصيدهم ويتآكلون وتربطهم ايضاً ببيك المختارة علاقات وطيدة وموغلة في القدم وتعود الى عشرات السنين ايضاً وكانوا يشكلون له طوال الاعوام الماضية مجسات النبض والتجسس وخزان المعلومات والتبدلات والمتغيرات في المنطقة. واليوم يجهزون حاملات طائراتهم لضرب “داعش” و”النصرة” والتي انكر جنبلاط في احدى تغريداته الساخرة منذ ايام وجودها في المختارة وأطمأن ايضاً الى ان المناورة الروسية- الفرنسية لن تقصف الوليد ولا المختارة.
لماذا اختار جنبلاط ان يصّوب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال وزير الخارجية جبران باسيل؟ ولماذا صوّب على باسيل بشخصه وتمثيله السياسة الخارجية للدولة اللبنانية؟
الرابية تقول انها لا تعرف مقاصد جنبلاط الحقيقية. فهو اعتاد على “التنكيت” والمزاح وسحب كلامه في اي لحظة تخل مقبلة. بينما ينأى حزب الله بنفسه عن مقاربات “البيك” السورية والاقليمية وتغريداته المبطنة ضده احياناً طالما ان الملف الداخلي ممسوك وتحت السيطرة بمعية جنبلاط. المير طلال وكثيرون معه من الموحدين يأخذون جنبلاط وتصريحاته واستداراته بكثير من الدقة والتأني والصبر ولا يريدون بعد طحشة الكوستا برافا الشهيبية – الجنبلاطية عليه افتعال مشكل داخلي جديد معه.
في الشق المتعلق بباسيل وايضاً بكل تغريداته الاخيرة يربط مطلعون على حقيقة الموقف الجنبلاطي بينه وبين زيارته الاخيرة الى السعودية والحفاوة التي لاقاها واستقبال الملك له وايضا بعد لقاء السعوديين الدكتور سمير جعجع ايضاً وتناول الرجلان الحملة الروسية في سورية بكثير من الشدة والانتقاد بعد عودتهم من السعودية. وفي حين يطلق النار على جبران باسيل يساير من جهة ثانية النائب سليمان فرنجية ولا يفوت جنبلاط فرصة في الآونة الاخيرة الا ويرسل فيها اشارات ود الى فرنجية لزكزكة العماد ميشال عون و”تسويد عيشته” ولدق اسفين الخلاف بينهما.
وحتى يتضح مآل المخاوف الجنبلاطية وماهية ومقاصد تغريداته مع “هدير البوابير” الروسية والفرنسية معاً على بعد خطوات من مياهنا وتحليق الطائرات على بعد امتار من سمائنا، المؤكد ان جنبلاط ادرك قبل غيره كالعادة ان التبدلات في المنطقة بدأت
Views: 1