حين اختار أبو خليل القباني المسرح شغفاً له، كان يحلم ببناء خشبة سورية حقيقية، تنقل التمثيل المسرحي من تهمة إلى مهنة وحياة وثقافة قائمة في حد ذاتها، حتى أضحى المسرح بفضله أبا الفنون.
مسرح الطفل بات في يومنا هذا أكثر أهميةٍ من أي مرحلة سابقة، ليس لأهميته التربوية والتعليمية وحسب، بل لأن التواصل البصري والسمعي والحسي بين الطفل والحكاية، يخلق في داخله مزايا عدّة، إلى جانب استثارة خياله، وتنمية مواهبه، وقدراته الإبداعية، وحثّه على التفكير، والثقة بالآخرين، والقدرة على التعامل معهم، إلى جانب أهميته كوسيلة في نقل التراث السوري إلى الأطفال بطريقة سلسة وبسيطة، في غياب الدور الإعلامي التربوي والتعليمي للأطفال، فإذا استثنينا مجلتي أسامة وشامة، ليس هناك أي توجه حقيقي لتثقيف الطفل، وهو أمر تداركته وزارة الثقافة حين وجهت مديرية ثقافة الطفل، لتعنى بشكل دوري ودائم بمسرح الطفل بشقيه الدمى المتحركة والشخوص.
سلمى والغيلان
تعرض هذه الأيام مسرحية «سلمى والغيلان» لمؤلفها ومخرجها رشاد كوكش، تحكي قصة فتاة جميلة وفقيرة، تعيش مع أمها الطيبة في قبو قصر كبير، في فترة هيمنة الإقطاع والاحتلال العثماني التي عاناها منها الشعب السوري لزمنٍ طويل.
الأم الصبورة المضحية «تماضر غانم» لم تهتم بتذمر ابنتها «روجينا رحمون» الدائم، إذ اعتادت عليه كل يوم، فسلمى حتى اللحظة، لا تفهم سبب حظهما العاثر وفقرهما المدقع، وتمقتُ تسلط سيدة القصر «إيمان عودة» وتكبرها وغرورها ومعاملتها السيئة لها ولأمها.
أغنية معبّرة بكلماتٍ بسيطة، ترافق سلمى وهي تكنس الأرض وتقول كلماتها «ونحن نعيش كالجذور.. وننمو في باطن الأرضِ.. ونروي زهرةً تنمو.. غرور السادة نرضي..»، سلمى تدعو الله من بين دموعها، أن يرفع عنها هذه الحياة القاسية الموجعة، ويهبها المال والجاه والقصر والرفاه، ومن خلف دعواتها يظهر غولٌ ضخم طيب «بسام ناصر» فيرعبها بطريقة كوميدية، ليَعدها بعد هذه «الرعبة» بتحقيق أمنيتها ووهبها وأمها الجاه والمال الوفير والقصر الكبير، والخدم والحشم، والذي -برأي سلمى- هو السعادة القصوى. شرطان فقط، على سلمى أن تلتزم بهما لتدوم هذه النعم عليها، وهما: «أن تعيش ببساطة مهما علا شأنها.. وأن تعطي الكثير، ولو امتلكت القليل»، التواضع والكرم، شرطان بسيطان، ظنت الفتاة أن تحقيقهما أمرٌ هيّن، لأنها تكره غرور وجشع وتكبر وبخل سيدة قصرها.
شرطان ما كادت قدما سلمى تطأان قصرها، حتى تركتهما خارج الباب، وتغيرت طباعها بتغيّر أحوالها، فغدت فتاة مغرورة متكبرة، تكره الفقراء، وتبخل عليهم حتى بلقمة طعام فائضة عن سفرة حفلتها الفخمة، وإذا بسلمى تتصف بطباع أسوأ من طباع سيدتها السابقة، ناسيةً وعدها للغول الطيب.
شحاذ فقير وقف بباب سلمى، لكنها طردته بتذمر كبير، فقد أزعج راحتها بعد الحفلة الفاخرة التي أقامتها لضيوفها، ابن عم الغول الطيب، الغول الشرير، يزور قصر سلمى بعد رحيل الشحاذ، ويخبرها بأنها فشلت في الاختبار، وأن عقابها سيكون كبيراً، وسيحرمها من النعمة التي أنعمها الله عليها، سلمى الخائفة من خسارة حياتها الجديدة والعودة إلى حياة العوز، تعرض ذهبها على الغول، فيسخر منها قائلاً «أتعرضين علينا ما منحناك إياه»، لكن الغول غير عقوبة سلمى كرمى لطيب أمها، وقرر أن يحوّل سلمى إلى ضفدع أخضر قبيح.
بكاء وعويل عمّا القصر، لا يقطعهما سوى صوت تضرعات الأم الطيبة لله، بأن يرأف بحال ابنتها، ويعيدها كما كانت. الغول الطيب، يسمع دعاء الأم، فيأتي على الفور، ليرى أن سلمى تحولت إلى ضفدع كعقابٍ لها نتيجة التكبر والبخل والغرور، لكنه يقرر مساعدتها، مخالفاً قرار مجلس الغيلان، ويعيدها كما كانت.
عرض بسيط سلس، أدّاه الممثلون باحترافية عالية، قدموا من خلالها للأطفال حكمة مهمة، مفادها أن الطباع الجميلة هي الغنى الحقيقي، وأن الإنسان مهما علا شأنه، يجب أن يبقى طيب القلب كريم النفس.
مسرح الطفل كضرورة ثقافية
مخرج العرض رشاد كوكش، أشار في تصريح خاص لـ «تشرين» إلى أهمية ودور مسرح الطفل، في خلق طفل خلّاق ومفكر ومبدع، مع ربط الحداثة بالأصالة، مضيفاً: «مازالت حكايا الجدّة والجد، تلقى الترحاب الواسع عند الأطفال رغم كل التقدم العلمي والتقني والمهني، ليس فقط في الوطن العربي وسورية، بل في العالم كله، وأهم دليل على هذا الأمر «والت ديزني» التي ما زالت تصنع حتى الآن أفلاماً مستقاة من الحكايات العالمية، ومازال لهذه الحكايات بريقها الخاص، ولن ينتهي مادامت البشرية مستمرة، فالتقدم المهني والتقني مهما كان حديثاً ومبتكراً، سرعان ما يمل منه الأطفال، ويبتعدوا عنها، لذلك فمسرح الطفل ضرورة ثقافية ملحة، لا يجب إهمالها».
وإذا ما كان مسرح الطفل مهملاً من قبل وزارة الثقافة يقول كوكش: «تبعاً للظروف الراهنة القاسية التي يمر بها الوطن، فإن ما تقدمه وزارة الثقافة ومديرية ثقافة الطفل يعد جيداً جداً، ومع ذلك نأمل دائماً بالمزيد من الاهتمام والدعم».
وعمّا يميز مسرح الطفل عن مسرح الراشدين يقول كوكش: «في مسرح الطفل نتوخى البساطة، والابتعاد عن الجمل الصعبة، فلا أستطيع مثلاً أن أُقحم قصيدة للمتنبي -على عظمته- في مسرحية للطفل، بل أستعين بقصائد شاعر الطفولة سليمان العيسى على سبيل المثال لا الحصر، فالطفل ذكي، وقد ازداد ذكاءً مع التقدم العملي والتقني، وعلينا احترام هذا الذكاء، عبر الابتعاد عن المفردات الصعبة، والتركيز على ترسيخ قيم المحبة والخير والتعاون والتواضع والكرم في نفس الطفل الغضة الطرية».
الرقص كعنصر مسرحي
العرض الراقص الذي تخلل المسرحية، كان من تصميم وتدريب جمال تركماني الذي أشار إلى أن تقديم عرض راقص للأطفال يختلف تماماً عن الكبار، فالحركات أكثر بساطة، وسلاسة، حتى يفهم الطفل الفكرة المراد تقديمها من العرض، ويضيف: «في هذه الرقصة قدمنا دلالات تشير إلى التغيّر الذي طرأ على الوضع المادي لسلمى، وتحولها من الفقر إلى الغنى المفاجئ الذي تطغى عليه الفخامة والأرستقراطية، كما أضفنا الكثير من الألوان والموسيقا ليستوعب الطفل الفكرة بشكل صحيح».
يذكر أن العرض مستمر حتى 22 من الشهر الجاري وطوال أيام الأسبوع على مسرح القباني في دمشق الساعة الخامسة مساءً.
مسرح الطفل بات في يومنا هذا أكثر أهميةٍ من أي مرحلة سابقة، ليس لأهميته التربوية والتعليمية وحسب، بل لأن التواصل البصري والسمعي والحسي بين الطفل والحكاية، يخلق في داخله مزايا عدّة، إلى جانب استثارة خياله، وتنمية مواهبه، وقدراته الإبداعية، وحثّه على التفكير، والثقة بالآخرين، والقدرة على التعامل معهم، إلى جانب أهميته كوسيلة في نقل التراث السوري إلى الأطفال بطريقة سلسة وبسيطة، في غياب الدور الإعلامي التربوي والتعليمي للأطفال، فإذا استثنينا مجلتي أسامة وشامة، ليس هناك أي توجه حقيقي لتثقيف الطفل، وهو أمر تداركته وزارة الثقافة حين وجهت مديرية ثقافة الطفل، لتعنى بشكل دوري ودائم بمسرح الطفل بشقيه الدمى المتحركة والشخوص.
سلمى والغيلان
تعرض هذه الأيام مسرحية «سلمى والغيلان» لمؤلفها ومخرجها رشاد كوكش، تحكي قصة فتاة جميلة وفقيرة، تعيش مع أمها الطيبة في قبو قصر كبير، في فترة هيمنة الإقطاع والاحتلال العثماني التي عاناها منها الشعب السوري لزمنٍ طويل.
الأم الصبورة المضحية «تماضر غانم» لم تهتم بتذمر ابنتها «روجينا رحمون» الدائم، إذ اعتادت عليه كل يوم، فسلمى حتى اللحظة، لا تفهم سبب حظهما العاثر وفقرهما المدقع، وتمقتُ تسلط سيدة القصر «إيمان عودة» وتكبرها وغرورها ومعاملتها السيئة لها ولأمها.
أغنية معبّرة بكلماتٍ بسيطة، ترافق سلمى وهي تكنس الأرض وتقول كلماتها «ونحن نعيش كالجذور.. وننمو في باطن الأرضِ.. ونروي زهرةً تنمو.. غرور السادة نرضي..»، سلمى تدعو الله من بين دموعها، أن يرفع عنها هذه الحياة القاسية الموجعة، ويهبها المال والجاه والقصر والرفاه، ومن خلف دعواتها يظهر غولٌ ضخم طيب «بسام ناصر» فيرعبها بطريقة كوميدية، ليَعدها بعد هذه «الرعبة» بتحقيق أمنيتها ووهبها وأمها الجاه والمال الوفير والقصر الكبير، والخدم والحشم، والذي -برأي سلمى- هو السعادة القصوى. شرطان فقط، على سلمى أن تلتزم بهما لتدوم هذه النعم عليها، وهما: «أن تعيش ببساطة مهما علا شأنها.. وأن تعطي الكثير، ولو امتلكت القليل»، التواضع والكرم، شرطان بسيطان، ظنت الفتاة أن تحقيقهما أمرٌ هيّن، لأنها تكره غرور وجشع وتكبر وبخل سيدة قصرها.
شرطان ما كادت قدما سلمى تطأان قصرها، حتى تركتهما خارج الباب، وتغيرت طباعها بتغيّر أحوالها، فغدت فتاة مغرورة متكبرة، تكره الفقراء، وتبخل عليهم حتى بلقمة طعام فائضة عن سفرة حفلتها الفخمة، وإذا بسلمى تتصف بطباع أسوأ من طباع سيدتها السابقة، ناسيةً وعدها للغول الطيب.
شحاذ فقير وقف بباب سلمى، لكنها طردته بتذمر كبير، فقد أزعج راحتها بعد الحفلة الفاخرة التي أقامتها لضيوفها، ابن عم الغول الطيب، الغول الشرير، يزور قصر سلمى بعد رحيل الشحاذ، ويخبرها بأنها فشلت في الاختبار، وأن عقابها سيكون كبيراً، وسيحرمها من النعمة التي أنعمها الله عليها، سلمى الخائفة من خسارة حياتها الجديدة والعودة إلى حياة العوز، تعرض ذهبها على الغول، فيسخر منها قائلاً «أتعرضين علينا ما منحناك إياه»، لكن الغول غير عقوبة سلمى كرمى لطيب أمها، وقرر أن يحوّل سلمى إلى ضفدع أخضر قبيح.
بكاء وعويل عمّا القصر، لا يقطعهما سوى صوت تضرعات الأم الطيبة لله، بأن يرأف بحال ابنتها، ويعيدها كما كانت. الغول الطيب، يسمع دعاء الأم، فيأتي على الفور، ليرى أن سلمى تحولت إلى ضفدع كعقابٍ لها نتيجة التكبر والبخل والغرور، لكنه يقرر مساعدتها، مخالفاً قرار مجلس الغيلان، ويعيدها كما كانت.
عرض بسيط سلس، أدّاه الممثلون باحترافية عالية، قدموا من خلالها للأطفال حكمة مهمة، مفادها أن الطباع الجميلة هي الغنى الحقيقي، وأن الإنسان مهما علا شأنه، يجب أن يبقى طيب القلب كريم النفس.
مسرح الطفل كضرورة ثقافية
مخرج العرض رشاد كوكش، أشار في تصريح خاص لـ «تشرين» إلى أهمية ودور مسرح الطفل، في خلق طفل خلّاق ومفكر ومبدع، مع ربط الحداثة بالأصالة، مضيفاً: «مازالت حكايا الجدّة والجد، تلقى الترحاب الواسع عند الأطفال رغم كل التقدم العلمي والتقني والمهني، ليس فقط في الوطن العربي وسورية، بل في العالم كله، وأهم دليل على هذا الأمر «والت ديزني» التي ما زالت تصنع حتى الآن أفلاماً مستقاة من الحكايات العالمية، ومازال لهذه الحكايات بريقها الخاص، ولن ينتهي مادامت البشرية مستمرة، فالتقدم المهني والتقني مهما كان حديثاً ومبتكراً، سرعان ما يمل منه الأطفال، ويبتعدوا عنها، لذلك فمسرح الطفل ضرورة ثقافية ملحة، لا يجب إهمالها».
وإذا ما كان مسرح الطفل مهملاً من قبل وزارة الثقافة يقول كوكش: «تبعاً للظروف الراهنة القاسية التي يمر بها الوطن، فإن ما تقدمه وزارة الثقافة ومديرية ثقافة الطفل يعد جيداً جداً، ومع ذلك نأمل دائماً بالمزيد من الاهتمام والدعم».
وعمّا يميز مسرح الطفل عن مسرح الراشدين يقول كوكش: «في مسرح الطفل نتوخى البساطة، والابتعاد عن الجمل الصعبة، فلا أستطيع مثلاً أن أُقحم قصيدة للمتنبي -على عظمته- في مسرحية للطفل، بل أستعين بقصائد شاعر الطفولة سليمان العيسى على سبيل المثال لا الحصر، فالطفل ذكي، وقد ازداد ذكاءً مع التقدم العملي والتقني، وعلينا احترام هذا الذكاء، عبر الابتعاد عن المفردات الصعبة، والتركيز على ترسيخ قيم المحبة والخير والتعاون والتواضع والكرم في نفس الطفل الغضة الطرية».
الرقص كعنصر مسرحي
العرض الراقص الذي تخلل المسرحية، كان من تصميم وتدريب جمال تركماني الذي أشار إلى أن تقديم عرض راقص للأطفال يختلف تماماً عن الكبار، فالحركات أكثر بساطة، وسلاسة، حتى يفهم الطفل الفكرة المراد تقديمها من العرض، ويضيف: «في هذه الرقصة قدمنا دلالات تشير إلى التغيّر الذي طرأ على الوضع المادي لسلمى، وتحولها من الفقر إلى الغنى المفاجئ الذي تطغى عليه الفخامة والأرستقراطية، كما أضفنا الكثير من الألوان والموسيقا ليستوعب الطفل الفكرة بشكل صحيح».
يذكر أن العرض مستمر حتى 22 من الشهر الجاري وطوال أيام الأسبوع على مسرح القباني في دمشق الساعة الخامسة مساءً.
Views: 1