كان النبي صلى الله عليه وسلم هاشميا، من أشرف العشائر القرشية، فكان بإمكانه أن يتزوج بكرا جميلة حسيبة نسيبة، لكنه كان إنسانا كاملا في عقله قبل نزول الوحي وبعده، يبحث عن المرأة العاقلة الحصيفة لا عن المتعة الجنسية، لذلك تزوج خديجة بنت خويلد الأكبر منه سنا، والأرملة بعد زوجين اثنين ماتا، وبإلحاح منها لا بطلب منه.
عاش النبي خمسة وعشرين عاما مع خديجة رضي الله عنها، ولم يتخذ جارية أو سرية طوال حياتها، ولم يتزوج غيرها، رغم أنها تقدمت في السن وبلغت الخامسة والستين عند وفاتها.
بعد موت أم أولاد النبي عليه السلام، كان عمره خمسين سنة، وكان بإمكانه أن يتزوج أجمل وأصغر بنات أصحابه، لكنه تزوج مولاتنا سودة بنت زمعة الأرملة العانس الناقصة من حيث الجمال، وترك سيدتنا عائشة الفتاة البكر.
ظل متزوجا بسودة أكثر من ثلاثة أعوام، وبعد الهجرة، أراد أن يكافئ صاحبيه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما على بلائهما الحسن، فتزوج السيدة عائشة البكر والسيدة حفصة الأرملة من غير عشق لهما ولا رغبة جنسية فيهما، فهو صلى الله عليه وسلم تجاوز الثالثة والخمسين عند الزواج بهما.
ثم بعد حفصة رضي الله عنها، لم يتزوج الحبيب أي امرأة إلا لغرض تشريعي أو هدف سياسي اجتماعي.
فتزوج مولاتنا زينب بنت جحش بأمر من الله حتى يبطل التبني ويرفع التخوف من الزواج بمطلقات وأرامل الأبناء بالتبني، حيث كانت زينب زوجة لزيد بن حارثة الذي تبناه الرسول قبل إكرامه بالنبوة فكان يدعى زيد بن محمد.
وكان العرب يحرمون زوجة المتبنى وبناته، فكان لا بد من مثال مشهور بين الناس لإبطال هذا المعتقد، ولم يكن أفضل ولا أنسب من البدء بالرسول القدوة وابنه زيد بالتبني وزوجه زينب حتى يكون التنفيذ مدويا بين المسلمين.
فشاء الله أن يحدث الشقاق بين زيد وزينب انتهى بالطلاق، فأنزل الله أمره لنبيه بالزواج من زينب ونسبة زيد إلى أبيه الحق.
وقد وثق الله هذا الزواج النبوي في سورة الأحزاب فقال: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) أي أن النبي كان يوصي زيد بن حارثة بالصبر على سوء خلق زينب التي لم تعد تطيقه، ثم قال: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)، أي أن الله كان أوحى إلى نبيه أن يستعد نفسيا للزواج بزينب بعد أن يطلقها زيد، لكن النبي كان يخشى من قالة الناس وشائعاتهم واستقباحهم الزواج بمطلقة المتبنى، فكان عليه السلام يتردد فيما أوحاه الله إليه ويتمنى من الله أن يبطل إرادته ومشيئته، قال سبحانه: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)، أي لما طلقها زيد لاستحالة العشرة بينهما، وانقضت عدتها، فرض الله عليك الزواج بها رغم تبرمك وتخوفك، ثم قال: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)، لكي لا يتحرج المسلم من الزواج بأرملة أو مطلقة المتبنى، ثم قال تعالى: (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)، أكد الله هنا أن الزواج بزينب فرض إلهي على نبيه للحكمة المتقدمة ولأنه كما قال بعد: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتم النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، أي ليس في الرجال من أبوه سيدنا محمد، والمقصود إبطال بنوة زيد رضي الله عنه.
وقد ذكر المفسرون أشياء يستحي المؤمن العاقل من نسبتها إلى رسول الله، فتأكد لدينا أنهم كانوا يصدقون روايات المنافقين والدجالين الوضاعين، وأنهم لم يكونوا أذكياء كما نتصور، بل كانوا مقلدين للسذج من مفسري التابعين الذين انطلت عليهم أكاذيب المرجفين، وهكذا زعموا أن الرسول كان يحب زينب ويعشقها ويخفي ذلك قبل أن يتزوجها زيد وبعد ذلك، ونسوا غفر الله لهم أنها بنت عمته، وكان بإمكانه أن يتزوجها بشطر كلمة قبل أن يتزوجها زيد، ونسوا أيضا أنه هو الذي خطبها لزيد وألح عليها رغم أنها كانت كارهة له.
واستشهد عبد الله بن جحش ابن عمة الرسول يوم أحد، فتزوج رسول الله بأرملته زينب بنت خزيمة الهلالية من باب التكافل الاجتماعي، وهي سياسة كان المسلمون يتبعونها بعد الحرب، فيتزوج الرجال أرامل الشهداء لرعايتهن وكفالتهن.
وفي السنة الرابعة توفي أبو سلمة رضي الله عنه أخ رسول الله من الرضاعة، وترك زوجه أم سلمة وأولادا يتامى، فتزوجها رسول الله وكفل أبناءها، فكان زواجا اجتماعيا تعبديا.
وفي السنة الخامسة، وبعد تحقيق النصر على بني المصطلق، وعوض أن يتخذ جويرية بنت الحارث زعيم القوم جارية بحكم قانون الحرب، خيرها بين الزواج أو الحرية، فاختارت الزواج وبسببها أصدر عفوا عاما عن الأسرى من قومها، فكان الزواج لغرض سياسي ودعوي، فقد أسلم قومها بسببه وصارت بلادهم خاضعة للمسلمين طوعا، ولم تكن أم المؤمنين جويرية بكرا بل ثيبا.
وتزوج رسول الله أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان في السنة السادسة بعد الهجرة، بعد ارتداد وتنصر زوجها عبيد الله بن جحش ووفاته بالحبشة، وكانت عند زواجها بالمعصوم بنت بضع وثلاثين سنة، فكان زواجه بها اجتماعيا سياسيا، هدفه مواساتها ومكافأتها على ثباتها رغم ارتداد زوجها، ثم التأثير نفسيا على أبيها أبي سفيان قائد وزعيم قريش، وقد أدى ذلك الزواج وظيفته بامتياز، فكان أبو سفيان يميل إلى الصلح مع المسلمين إلى أن ساهم بدور عظيم في إسلام قريش.
وتزوج السيدة صفية بنت حيي الإسرائيلية الأرملة من زوجين في السنة السابعة، وكان الغرض تأليف يهود المدينة والتخفيف من حدة حقدهم، وتأكيد مشروعية الزواج بالكتابية اليهودية، فإنها أسلمت بعد العقد بشهور طوعا وقناعة.
ثم ترملت السيدة ميمونة بنت الحارث من زوجها أبي رهم، فوهبت نفسها لرسول الله محبة فيه وتبركا، فقبل بحسن خلقه طلبها لكنه أكرمها فتزوجها وأمهرها، وهي المرأة الوحيدة التي وهبت نفسها لرسول الله.
وفي السنة السابعة بعث المقوقس ملك الإسكندرية جملة من الهدايا إلى رسول الله، من ضمنها السيدة مارية القبطية وأختها سيرين على عادة الملوك والزعماء قديما، فتزوج رسول الله مارية وأهدى سيرين الأجمل والأصغر لشاعر الإسلام حسان بن ثابت
Views: 6