سامر اسماعيل
شهدت «دار الأوبرا» في دمشق مؤخّراً، عرض الفيلم السينمائيّ «مسيرة وطن»، وهو وثائقيّ أنتجته المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع الإدارة السياسية في الجيش والقوات المسلّحة.
حضر العرض الأول وزير الثقافة عصام خليل، والعميد فواز مصطفى مدير الكلّية العسكرية السياسية ممثلاً مدير الإدارة السياسية. ولقي العرض الافتتاحي إقبالاً منقطع النظير.
وألقى كلمة الافتتاح محمد الأحمد مدير عام مؤسسة السينما وجاء فيها:
«يشرّفني ويسعدني افتتاح الفيلم الوثائقي الطويل الأوّل عن جيشنا الباسل، الجيش السوري. فالمؤسسة سبق لها أن قدمت التضحيات الجسام لهذا الجيش العظيم في أكثر من فيلم، لكن ظهور الجيش فيها كان مقطعياً وجزئياً. أمّا اليوم، فنحن أمام فيلم كامل».
وأوضح الأحمد أن هذا الفيلم يروي سيرة هذا الجيش المقدام البطل منذ أيام الشهيد يوسف العظمة مروراً بتضحيات البواسل وبطولاتهم في حرب تشرين التحريرية، ووقوفهم في وجه كل محاولات النيل من كرامة الوطن، وردّهم كلّ مؤامرات الطامعين ببلدنا الحبيب، وصولاً إلى صمود بواسلنا في معركتهم ضدّ الإرهاب الذي يضخ يومياً آلاف المرتزقة من كل بقاع الأرض.
وقال مخرج الفيلم الفنان نضال دوه جي، إنّ الفيلم يلخّص مسيرة هذا الجيش البطل وما له من تاريخ مشرّف، إذ كان من الصعب تلخيص كل بطولات حماة الديار منذ تأسيس هذه المؤسسة الوطنية بشكل رسميّ بعيد الاستقلال، ودحر الجندي الفرنسي الأخير عام 1946. لكننا حاولنا أن نقدّم مادةً سينمائية نتمنّى أن ترقى إلى حجم البطولات الكبرى التي حققتها هذه المؤسّسة المقدّسة.
يتناول «مسيرة وطن» عبر قرابة الساعتين من الزمن، ملحمة من ملاحم الشعب السوري، عبر سجلّ زاخر بالتضحيات التي قدّمها الجيش، وذلك عبر مادة وثائقية لافتة كتب لها السيناريو الأديب محمود عبد الكريم، مستعرضة الإرهاصات الأولى لتأسيس الجيش السوري بعد انتصار الثورة العربية الكبرى ودخول الملك فيصل إلى دمشق وعقد المؤتمر السوري عام 1919 في بلودان، إذ كان الجيش مكوّناً من الثوار الذين لبّوا نداء الواجب من كل المدن والقرى السورية ضدّ الاستعمار العثماني وجرائم جمال باشا السفّاح وإعدامه خيرة الوطنيين في لبنان وسورية.
ويروي الفيلم عبر مادة بصرية مؤثرة مزجت بين الروائية والوثائقية، هبوب البطل يوسف العظمة مع رفاق السلاح للوقوف مع ثلاثة آلاف من رجال الجيش السوري في وجه قوات المستعمر الفرنسي في تموز 1920، وتصدي الشهيد البطل يوسف العظمة للقوات المعادية في أولى مواجهات الجيش السوري مع أعداء الأمس أعداء اليوم، ليتابع الفيلم بعد ذلك أحداث الثورة السورية الكبرى ووقوف الثوار في اللاذقية وجبل الزاوية وسهل حوران والجزيرة ودمشق وحلب والسويداء في وجه المحتل الفرنسي، وخوضهم نضالاً طويلاً افتتحه المقاوم صالح العلي في جبال الساحل السوري، وصولاً إلى جبل العرب بقيادة المقاوم سلطان باشا الأطرش عام 1925 ببيانه الشهير «إلى السلاح إلى السلاح».
ويتابع الفيلم سرده أحداث تاريخية مهمة من حياة السوريين، كان للجيش السوري دور حاسم فيها. لا سيما في مسيرته المشرّفة بعد نيل البلاد الاستقلال عن المحتل الفرنسي عام 1946، وخوضه الحرب ضدّ العصابات الصهيونية في الأراضي المحتلة عبر تضحيات جسام قدّمها في جيش الإنقاذ، وذوده عن المدن والقرى في فلسطين التي تعرضت لأبشع المجازر على يد عصابات «هاغانا» و«آرغون» و«شتيرن» اليهودية.
كما تطرّق الفيلم إلى دور الجيش السوري في بناء الدولة الحديثة ووقوفه في وجه المؤامرات الأميركية، ومنها مشروع آيزنهاور أو ملء الفراغ، مشاركاً ببسالة غير معهودة في الوقوف إلى جانب مصر أثناء تعرّضها للعدوان الثلاثي عام 1956، وقيام الشهيد البطل جول جمال باقتحام البارجة الفرنسية العسكرية «جاندارك»، شاطراً إياها إلى نصفين قبالة شواطئ الاسكندرية دفاعاً عن العالم العربي.
وتعرّض الفيلم بحرفية بصرية لافتة إلى بسالة المقاتل السوري في أرض الميدان عبر مزاوجة بين المادة الوثائقية والمادة الدرامية، التي قامت بأدائها وحدة من وحدات الجيش السوري الباسل في مواجهة وكر من أوكار الإرهابيين وكيف يضحّي الجريح في الجيش من أجل حياة المواطنين، حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، مقدّماً بذلك أروع صور الفداء عن الأرض والإنسان.
وتوّج الفيلم سرده التاريخي الدرامي المؤثر بسرد بطولات بواسل الجيش السوري في حرب تشرين التحريرية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، وتحرير الجيش القنيطرة ومرصد جبل الشيخ جنباً إلى جنب مع الجيش المصري ليخوض بعدئذٍ معركة الاستنزاف مع العدو ووقوف الجيش بعد ذلك عام 1977 في وجه أمراء الحرب الأهلية في لبنان وإسقاطه اتفاق الإذعان مع العدو «الإسرائيلي» بعد دخوله إلى بيروت، إذ وقف الجندي السوري في وجه قوات العدو في البقاع وضهر البيدر وجنوب لبنان ليقف بعد ذلك في وجه عصابات الإخوان العميلة في ثمانينات القرن الفائت.
كما قدّم الفيلم مادة تاريخية لافتة عن دور الجيش السوري في تأسيس حركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين المحتلة، ضارباً أمثلة لا تنسى في الدفاع عن الحقوق العربية، وصولاً إلى عدوان تموز 2006 وقدرة الجيش السوري على مؤازرة المقاومة وترسيخها وتكريسها في الوجدان الشعبي والوطني، وصولاً إلى أيامنا هذه وما يقدّمه جنود الجيش السوري وصفّ ضباطه وضباطه من تضحيات عظمى وبطولات هزّت العالم في دفاعهم عن الوطن ضد عصابات التطرّف الوهابي وجماعاتها الممولة من تركيا وقطر والسعودية وأميركا.
يذكر أن الفيلم من تصوير الفنان باسل سروالجي، وإشراف كل من مدير عام المؤسسة محمد الأحمد والأديب محمود عبد الواحد، والموسيقى للفنان سمير كويفاتي، وهو من إخراج الفنان نضال دوه جي.
Views: 6