قبل أيام على افتتاح دورتـــه الجديدة، الثامـــنة والستين، بدت ملامح العروض المتعددة والتظاهرات التي لا تنضب لمهرجان «كان» السينمائي في الجنوب الفرنسي، متكاملة.
كالعـــادة. فالمهرجان الذي زاد عدد الأفلام التي رشّحت نفسها لأن تعرض في واحــدة من تظاهراته، عن ألف وثمانمئة فيلم مقابل نحـــو ألف وخمسمائة في العام الفائت، اختار في نهاية الأمر ما لا يزيد عن ثلاثمائة فيلم في تظاهراته الرسمية وشبه الرسمية.
المهرجان سيُفتتح وللمرة الأولى منذ نحو ثلاثين ســـنة، بفيلم من إخراج امرأة – هو «الرأس العالية» للممثلة المخرجة إيمـــانويل بيركو – وخارج المسابقة، ليس ثمـــة في المباراة سوى امرأتين مخرجتين همـــا الفرنسيتان فاليري دونزيللي (بفيلم «مرغريت وجوليان»)، ومايوين (التي فازت بجائزة قبل سنوات قليلة عن «بوليس»، وهذه المرة بفيلم عنوانه «مليكي»).
غير أن العرب والنساء ليسوا الوحيدين الذين يلاحَظ قلة حضورهم في هذه الدورة. بل هناك ما يشبه الغياب، عن المسابقة الرسمية على الأقل، لتلك الأسماء التي اعتادت أن توصف بـ «المهمة» . لكن هناك أسماء مهمة : الفرنسي جاك أوديار (صاحب «النبي» العائد مع « ديبان»)، والإيطالي ماتيو غاروني (صـــاحب «كومورا» العائد مع «حكاية الحكايات»)، والصيني التايواني هو هسياو هسيين (صاحب «لاعب الدمى» العـــائد مع «القـــاتل»)، والصيني الآخر جيا جيـــانكي (صاحب «لمسة الخطيئة» العائد الآن مـع «قد ترحل الجبال»)، والإيطالي الكبير نـــاني موريتي (صاحب «غرفة الإبن» العــائد مع «أمي»)، والأميركي غاس فان سانت (صاحب «الفيل» العائد اليوم مع «أثقل من القنابل»)، والإيطالي أيضاً باولو سورنتينو (صاحب «الجمال العظيم» العائد اليوم مع «شباب»)…
لجنة تحكيم المسابقة الرسمية يرأسها الأخوان جويل وإيثان كون،و إيزابيل روسليني، رئيسة اللجنة التحكيمية لمسابقة «نظرة ما». وتحضر الأسماء البراقة أيضاً في تظاهرات أقل أهمية من «المسابقة الرسمية»، والتي لم تتوانَ عن إبداء الحماسة للمشاركة فيها: كيوشي كوروساوا في «نحو الضفة الأخرى» (تظاهرة «نظرة ما»)، وودي آلن في جديده «رجل غير عقلاني» (في عروض خارج المسابقة)، جورج ميلر في «ماد ماكس: طريق الغضب» (خارج المسابقة، هو الذي يشكّل بعودة بطله الصاخب حدثاً سينمائياً تجارياً مدهشاً بعد غياب طويل)، وباربت شرودر في جديده «آمنيزيا» (عروض خاصة)، ثم، مرة أخرى ناتالي بورتمان التي يشكّل دخولها حلبة الإخراج السينمائي في حدّ ذاته، حدثاً سينمائياً كبيراً… فكيف إن كان الدخول من طريق رواية لكاتب مثير للجدل في إسرائيل وفي أوساط اليهودية العالمية، بسبب مساهمته في تأسيس جماعة «السلام الآن» ومواقفه المناهضة للنزعة العنصرية والعسكرية المفرطة، واحتلال الضفة الغربية؟ لا بد من أن نشير في هذا السياق، الى أن روايته «حكاية عن الحب والظلام» حوربت بشدة منذ صدورها في العبرية، وتُرجمت الى لغات كثيرة من بينها العربية.
حدث كبير أيضاً، ولكن من ناحية الحجــــم على الأقل، ستشكّله الست ساعات ونيّف التي تشكّل زمن عرض الأجزاء الثلاثة التي يتألف منها فيلم «ألف ليلة وليــــلة» لميغويل غوميس، في عروضه العالمـــية الأولى ضمن تظاهرة «أسبوعي النقاد» ,سنذكر أن تظــــاهرة «أسبوعي المخرجين» تضمّ هذه المرة اختيارات تعزّز الى حدّ كبير، من سمعة هذه التظاهرة التي تعتبر عادة الجانب الفنـــي الخالص من مهرجان «كـــان». وحسب المرء أن يستعرض بعض الأسماء العالمية المشاركة هنا للتيقّن من هذا. فإلى جانب عيوش وغوميس، وعدد من مبدعين يخوضون هنا تجارب أولى في الاحتكاك مع جمهور مهرجاني عالمي، هناك أسماء شديدة الرسوخ مثل فيليب فوكون الذي يعرض فيلمه الجديد «فاطمة»، وتاكيشي مييكي مع جديده «ياكوزا آبوكاليبس»، والفرنسي الخاص جداً فيليب غاريل مع «ظلّ النساء»، والليتواني الأكثر خصوصية وتجـــريدية بكثير مع جديده – الذي سنأمل أن يكون أكثر ديناميكية من سابقيه في كان، كي نستمتع حقاً بجمالياته الخارقة-، شاروناس بارتاس («السلام علينا في أحلامنا»)، والبلجيكي جاكو فان دورماييل («العهد الجديد الجديد»)، والفرنسي آرنو ديبليشين الذي يعود الى كان بعد نجاحات قديمة صارخة له فيه، بعمل جديد يحمل عنواناً أوتوبيوغرافياً هو «ثلاث ذكريات من شبابي».
معظم الأفلام المعروضة لمخرجين تبدو جديدة تماماً على المستوى العالمي، كما لو أن التظاهرة شاءت أن تأخذ على عاتقها مهمة تقديم صورة ما للدم الجديد، مثل: نيراج غايوان («ماسان»)، غريمور هاكونارسون («هروتار»)، لوران لاريفيار («أنا جندي»)، داليبور ماتانيتش («شمس فولاذية»)، روبيتو مينيرفيني («الجانب الآخر»)، رادو مونيان («الطابق الأسفل»)، أوه سونغ – أوك («المعيب»)، والإيرانية إيدا باناهاندي في فيلم «ناهد»…. بين آخرين.
Views: 6