
نجوى صليبه :
يقال: إنّ ثقيلاً سأل
بشار بن برد: ماأعمى الله رجلاً إلا عوّضه، فبماذا عوضك؟ فردّ بشار: بألّا
أرى أمثالك! ويقال أيضاً: إنّ أعرابياً شرهاً أكل عند أمير، فسأله الأمير:
مالك تأكل الخروف كأنّ أمه نطحتك؟ فردّ الأعرابي: ومالك تشفق عليه كأن أمه
أرضعتك؟
أجوبة مسكتة لكلّ مخطئ ومتصدّر ومغرور ومتكبر، يقلل من احترام محدّثيه،
فالصّمت لم يعد ذهباً نتزين به في المناسبات حفاظاً على «برستيجنا» الثقافي
وتجنباً للأخذ والردّ مع بعض السّفهاء، ولاسيّما بوجود أشخاص يظنّون كل
الظّنّ، وربما يقتنعون، أنّ صمت الآخر هو دليل على صحة أحكامهم المستعجلة،
مستبعدين تماماً أن صمته تكبّر على الرد بالمثل.
تندرج هذه الأجوبة تحت عنوان عريض هو «فنون الرد» الذي يتقنه البعض أدباً
والبعض الآخر حقداً، لكن أياً يكن متقنه فهو فن لابدّ منه في ظل النقاشات
والصّراعات الفكرية الحاصلة واقعياً وفي الغرف الزرقاء التي لا تقتصر على
الأدباء الشباب بل تتعداها إلى أدباء لهم عمرهم الأدبي والزمني، تعليقات
وأجوبة تحتمل بدل المعنى عشرة، لذلك فإنّ الرّد السّريع والذكي يعدّ مخرجاً
آمناً وهادئاً فهو الضربة القاضية تماماً كالضربة التي نفّذتها سيدة عجوز
تسوق أربعة حمير بحق شابين سائرين بجانبها قالا لها: صباح الخير يا أم
الحمير، فأجابتهما على الفور: صباح النّور يا أولادي.
ولا نقول فنّ الرّدّ عبثاً، ذاك أنّ دراسات كثيرة تذكر أنّه فن أصيل في
الثّقافة العربية وله طرائق تعلّم أوّلها الإنصات إلى المحدّث والتّركيز
فيما يقول وعدم مقاطعته، أمّا أن نطلب منه إعادة ما لم نفهمه فهذا أوّل
خطوة في طريق الرّد الحاسم، لكن تبقى اللغة والثّقافة هي الخصم والحكم،
فاللغة مسؤولة عن انتقاء الكلمات المناسبة لكل موقف أما الثّقافة العامّة
فهي مصدر المصطلحات والاقتباسات والصّور والمشاهد والمقارنات التي يمكن
الاستعانة بها لإسكات كلّ «حمّال أذية» بمن فيهم أصحاب الأقلام المستعارة،
وهنا لايمكننا إلا أن نستذكر الجواب الشافي والرد الجميل للفنان برناردشو
حين قال له كاتب مغرور: أنا أفضل منك، فأنت تكتب بحثاً عن المال وأنا أكتب
بحثاً عن الشرف، فقال له برناردشو: صدقت.. كلّ منّا يبحث عمّا ينقصه.
تاريخ أدبنا العربي غني بمواقف وحوادث كهذه، لكن يبقى ردّ المتنبي الأكثر
شهرة، إذ قال له رجل أراد إحراجه: رأيتك من بعيد فـظننتك امـرأة!! فرد
المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلاً!.
print
Views: 9