عقدَ مركز مشق للأبحاث والدراسات، وضمن فعالية رواق دمشق، ورشة حوارية بعنوان: "قواعد الاشتباك مع العدوّ الإسرائيليّ"، وذلك يوم الإثنين الموافق لـ 28 كانون الثاني/يناير 2019.
حضر الجلسة وشارك بالحوار فيها مجموعة من الباحثين والأكاديميين والمعنيين بالشأن العامّ في سورية، وهم: الدكتور كمال خلف الطويل، الدكتور عماد فوزي شعيبي، الأستاذ محمد بيرق، الأستاذ مهند الضاهر، الأستاذ جانبلات شكاي، الدكتور مدين علي، العميد هيثم حسون، الدكتور خلف الجراد، الأستاذ طارق الأحمد، الدكتور أحمد الحاج علي، الدكتور صفوان قربي، الدكتور محمود مرعي. ومن مداد: الدكتورة إنصاف حمد، والدكتور كريم أبو حلاوة.
أدار الجلسة الأستاذ هامس زريق مدير عام مركز دمشق، وافتتحها بالترحيب بالضيوف والتقديم للعميد تركي حسن الذي أعدَّ الورقة الخلفية التي حددت الأطر العامة للنقاش.
تضمنت الورقة الخلفية جملة من القضايا والأفكار، يمكن إيجازها بالآتي:
في داخل الكيان الإسرائيليّ:
-فرضَ انهيار "الحكومة الإسرائيلية" والاتجاه إلى انتخابات مبكرة أمراً واقعاً على الداخل "الإسرائيلي"، سواء في تشكيل أحزاب أو تحالفات وتكتلات جديدة في سبيل كسب الانتخابات.
-يوجد انقسام حادّ داخل "إسرائيل" في الخيارات السياسية حول صفقة القرن وأفق الحلّ مع الفلسطينيين. والانقسام الأخير تجاه الحرب على غزَّة. تخشى "إسرائيل" التطور المتصاعد للمنظمات الفلسطينية في الجنوب. وسيكون وضع غزة مادةً بين الأحزاب في مرحلة التحضير للانتخابات.
-أشار تقرير مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ إلى ارتفاع نسبة احتمال اندلاع الحرب، تحديداً على "الجبهة الشمالية"، أي مع سورية وحزب الله وإيران والجنوب في عام 2019. ويدلُّ تسلم آفيف كوخافي "متشدد" قيادة الجيش الإسرائيليّ على الرغبة باتباع سياسة سلفه حول "إيران–المقاومة –سورية".
الكيان الإسرائيلي وسورية:
-منذ 30/1/2013 فرضت "إسرائيل" قواعد للاشتباك مع سورية، ذلك باستهدافها مواقع في سوريّة في أيّ زمان ومكان دون ردّ. أمر استمر حتى 16/9/2016، عندما تم ترميم شبكة الدفاع الجويّ نسبياً، منذ ذلك التاريخ تم الردّ على الخروقات كافةً، أي تغيرت قواعد الاشتباك السابقة، وفرضت سوريّة قواعد جديدة، وصارت الاستهدافات تتم من خارج الأجواء السورية.
-أُسقط في العدوان الأخير /38/ صاروخ إسرائيليّ من أصل /45/، أي ما نسبته 85%، وهذا يؤكد تعافي سلاح الدفاع الجويّ، مع ملاحظة أن منظومة S300 لم تستخدم بعد.
-يتعدّى ما جرى مؤخّراً كونه مجرد استهداف، بل هو محاولةٌ لفرض قواعد اشتباك. ويمثل تجربة مصغّرة لعدوان واسع.
-الأوساط العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة والاستراتيجيّة على قناعة بأنَّ نسبة وقوع الحرب على الجبهة الشماليّة وفي غزة، عام 2019 عالية، وهي ضرورة إسرائيلية لثلاثة أسباب:
1.ارتفاع القدرات العسكريّة السوريّة في حالة الاستقرار وضرورة ضربها.
2.تزايد النشاط الإيرانيّ وتموضعه.
3.تزايد قدرات المقاومة وعودة تفرّغها لـ "إسرائيل".
أما المداخلات والنقاشات التي جرت في الورشة، فقد تصدّت للمواضيع والنقاط الآتية:
طيلة الأعوام الستة الماضية، أي منذ أول اعتداء إسرائيليّ على الأراضي السورية في الأزمة، كان انتهاز "إسرائيل" للحرب متوازياً مع ثبات حلف سورية وتعزُّز دوره: غارات متقطعة، راحت تتناسب طرداً، وتيرةً ونوعاً، مع التماسك السوريّ، الذي عاد ليزداد في ظل الدخولِ الروسيّ خريف 2015، وبمحصلة توازي جهد الحلف لتوفير قدرة رادعة، مع سعي "إسرائيل" لتعويقه… إن لم يكن شلّه.
سعير "إسرائيل" كله يهدف إلى وقف جهد "حلف المقاومة"، المتنامي نجاحاً، لتأمين "غابة" صواريخ نقطوية تنزرع على كامل الجغرافيا السورية، وتتكامل مع قدرة مشابهة في لبنان.
لذا شُنّت مئات الغارات وضُربت آلاف الأهداف، لا سيما طيلة السنوات الثلاث الماضية… دونما إشهار للمسؤوليّة، ابتغاء غموض لا يُحرج الخصم ليردّ، وبنجاح غير فاصل ولا فارق ولا حتى وازن.
راح مردود الهجمات يتناقص طرداً مع ازدياد منعة الدفاع الجويّ السوريّ بفضل تعزيزه روسيّاً (حتى بدون 300-S)، وتتناقص معه استيعابية موسكو للعربدة الإسرائيلية.
ثبات "الحلف" على هدفه "النقطوي" يجبر "إسرائيل" –ومن في صفها– على أحد خيارين: إما التوقف عند هذا الحدّ، أو بعده بقليل؛ أو الذهاب إلى مواجهة شاملة.
ليست "إسرائيل" في وارد شنّ أو استدعاء حرب، ولا حتى مواجهة كبيرة متعددة الأشكال والأيام. وعليه؛ فالتلويح بتصعيد معها، يكافئ أفعالها، ويتسق مع سوية الصّراع الراهنة.
مدى وعمق أي اختراق استخباريّ إسرائيلي إن وجد… هذا مُغيِّرُ معادلةٍ نسبيٍّ أوّل؛ والثاني: اشتعال جبهة غزّة عند منسوبٍ كاسرٍ للسوابق… وهذا مغيّر معادلة نسبيٍّ ثانٍ.
حتى لو بدت المعطيات كافةً وكأنها تُبعد احتمال وقوع الحرب، إلا أنها بطبيعة الأحوال لا تلغي احتمالات "الجنون" أو ما ندعوه نظريّة "البجعة السوداء"، انطلاقاً من حالة عدم اليقين المطلق، لأنَّ الحروب الكارثية كانت دائماً بسبب انعدام هذا اليقين المطلق.
هنالك فرق بين قواعد الاشتباك وقواعد اللعبة، الأولى ديناميكية ومتبدلة، ولا تحدّد إلا المعارك، والثانية هي التي تحدد إمكانية الحرب، أكثر ثقلاً، أقل تبدلاً لا تعتمد على قواعد الاشتباك فقط. سؤال الحرب تحدده قواعد اللعبة أكثر مما تحدده قواعد الاشتباك.
الجميع يعلم أنَّ للحرب محدِّدات: الهدف السياسيّ، الإمكانية، السبب المباشر، المسار اللوجستي، استراتيجية الخروج والحصول على النتائج السياسية. هل هذه العناصر متوافرة لحرب؟ لأنَّ استراتيجيةَ الخروج وحدها إذا لم تكن متوافرة كافيةٌ للوصول إلى وضع كارثي إذا وقعت الحرب.
تحمل الاعتداءات الإسرائيلية ربما رسائل سياسية من قبيل أنّه لا يوجد حلَّ في سورية دون تحقيق بعض المصالح السياسية الإسرائيلية، ومن قبيل إبعاد القوات الإيرانية بالحد الأدنى عن الحدود أولاً، أو إخراجها بالحدّ الأعلى، ثانياً. إنّ أيَّ حلٍّ يجب ألا يكون موجّهاً بالنتيجة النهائية ضدَّ "إسرائيل".
هل الحرب ممكنة في سورية بوجود ثقل دولة أكبر من إقليمية وأقل من عظمى قليلاً إذا جاز التعبير؟ هذا سيسبب إحراجاً وسيشكل إشكالية لها، لأن هزيمة دمشق في هذه الحرب تعني احتمال وقوع سورية بيد أمريكا، وهذا أمر لا يمكن أن تمرره روسيا بأي شكل من الأشكال.
إن كانت تل أبيب تتحرك جاهدة للحيلولة دون تقديم التنازلات المؤلمة على جبهة الجولان، كما فعلت منذ أشهر قليلة حين تخلت عن تنظيماتها الإرهابية مرغمة، إلا أن الضغط والتوافق الدوليّ لا زالا يقدّمان لها المخارج السياسية، قبل توريط المنطقة في عمليات عسكريّة، ستكون، فيما لو وقعت، وبالاً على كامل مساحة وجود العدو فوق أرض فلسطين المحتلة.
إن موقف دمشق لطالما ظلَّ ثابتاً في الاستعداد للتوقيع على اتفاق سلام مع "إسرائيل" في حال التزام الأخيرة بالانسحاب من كامل الأراضي التي احتلتها في حزيران/يونيو عام 1967 والالتزام بالقرارين الدوليين 242 و338، وكل ما يثار حول الوجود الإيرانيّ في سورية، ما هو إلا حالة يمكن ضبطها بسهولة، إذا التزمت "إسرائيل" بالخطوات والإجراءات السابقة، لأن الهدف هو تحرير الأرض، سواء بعملية سياسية أو عبر مقاومة مشروعة في كافة الشرائع الدولية.
لن تذهب سورية إلى حرب يفرض توقيتها الإسرائيليّ، لكن اللافت هو تصريح السيد حسن نصر الله، وهو المتحدث بلسان محور المقاومة كلّه، في لقائه على قناة الميادين عن الاستعداد للدّخول إلى الجليل، ونتذكر هنا الاحتجاجات السورية لمجلس الأمن، وتهديد الدكتور بشار الجعفري في المرة الأخيرة بضرب مطار تل أبيب.
الكيان الإسرائيليّ غير قادر على التصعيد، لأنه غير قادر على تحمل النتائج، ربما هي الجغرافيا، فمن الممكن أن يتلقى الردّ من أكثر من جهة، ومهما كانت قبته الحديدية أو قدراته العسكريّة، فلن يستطيع أن يوقف تدهور المسألة إلى أخطار أو إلى نتائج كارثية بالنسبة للداخل لديه، والكل يعلم كم هو كيان هش، فيما يتعلق بالخسائر، وبخاصّة البشرية منها.
تصريح الروس بأنَّ منظومة S300 ستُفعَّل في شهر آذار/مارس المقبل، هو شكل من أشكال الاعتذار أو التفسير للجمهور السوريّ الذي طرح تساؤلات كثيرة حول سبب عدم عمل منظومة الصواريخ هذه.
هدف الوجود الروسيّ في سورية هو منع وقوع سوريّة في الفلك الأمريكيّ، الموقف من "إسرائيل" هنا ومن القضية الفلسطينيّة هو المعيار الكاشف، وبالتالي هل تدرك روسيا حساسية هذا الأمر، أي تغيير الموقف السوريّ من القضية الفلسطينيّة أو محاولة أخذ تنازلات من سورية في هذا الشأن، لأنَّ ذلك يعني أنَّ روسيا كسبت سورية بالشكل؛ لكن في المضمون تكون سورية قد أضحت في المقلب الآخر. ربما يحتاج الروس إلى إدراك هذه المسألة بشكل جيد.
محاولة الروس إيجاد توازن، أيّ الحفاظ على مسافة متوازنة في العلاقة الروسية-الإسرائيليّة والروسية-السوريّة، رغم أنّها هدف عقلانيّ، إلا أنها تذكر بالمحاولة الفاشلة لأمريكا في علاقاتها مع الكرد ومع تركيا. بالنهاية لابد من أن تأخذ طرف أحد حليفيها، ومن المفروض أن يتم اختيار سورية، لأن "إسرائيل" بطبيعتها وبجوهرها لا يمكن، إلا أن تكون مع أمريكا، وبالتالي يجب ألا تقع روسيا في وهم إمكانية حدوث هذه الموازنة.
علماً أن مركز دمشق سيقوم بنشر المداخلات كاملة على موقع الإلكتروني: www.dcrs.sy
Views: 5