للملابس على اختلاف أنواعها مكانة خاصة في حياة معظم النساء، وتشكل جزءا هاما من المظهر الخارجي الحاكم الأول “لجاذبيتها” في نظر مجتمعها، فيفرض على الأنثى (إلى جانب رغبتها الفطرية)، ما بات أكثر من طاقتها كسورية، ويضعها أمام احتمالات لم تكن واردة من قبل، بالنسبة لشراء الملابس الشتوية تحديدا، بأسعارها المرهقة.
معادلة صعبة الحل، تجد فيها المرأة السورية نفسها بداية كل شتاء، لتحقيق التوازن بين “الرغبة”، التي تدعمها واجهات براقة لا تنتهي ، مدغدغة مشاعرها الأنثوية بألوان وموديلات تتبدل كل عام، وما بين “القدرة” المحدودة جدا بالنسبة للغالبية.
فالبريق يبهت بمجرد مطالعة الورقة الصغيرة المعلقة على اي قطعة لباس شتوي مهما صغرت (الشالات)، وصولا للجاكيت التي أن سترت من برد، فضحت من جوع.
فالأمر بالنسبة للطلب على الملابس الشتوية اليوم لا يتعلق فقط بالرغبة والقدرة، بل تدخل الحاجة عاملا أساسيا، فكيف يمكن الاستغناء عن جاكيت أو اثنتين على الأقل، لابد من حل أو حلول أقل إرهاقا.
وفي جولة سريعة في أحد أسواق دمشق أو المدن السورية الأخرى، يمكن ملاحظة أن أسعار “الجواكيت” النسائية، على اعتبارها اللباس الأكثر أهمية في الشتاء، تتراوح بين ال 15 ألف للنوعية أٌل من المتوسطة الجودة، وتتصاعد الأسعار تبعا للمنطقة والنوعية وكمية الفرو والسماكة، لتصل حد ال 40 ألفا في المحلات العادية.
وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أن لباسا شتويا نسائيا واحدا كاملا (كنزة وبنطال وجاكيت وحذاء) يتجاوز سعره ضعف متوسط الدخل الشهري لمعظم السوريين، فما هي الحلول التي تلجأ إليها النساء ؟.
تعتبر حنين(40عاما) أن “الجاكيت السوداء هي الخيار الأفضل، حيث يمكن ارتداؤها مع مختلف أنواع الملابس، ولا يحفظها الناس بسهولة مثل مثيلتها الملونة، التي إذا لبستها عدة أيام متتالية اسمع همسات من قبيل: قلعت عيون الناس فيها”.
وتضيف حنين ” في هذا العام اشتري جاكيتا، وفي العام المقبل اشتري جزمة، حيث بات من الصعب الجمع بينهما في موسم واحد خاصة بوجود أسرة وأولاد يجب أن يحسب حسابهم أيضا”.
وتبحث فاتن( 35 عاما) عن “العملي من الملابس وتقول بثقة ” قبل الحرب وتراجع الأوضاع كان همي الأول شراء ملابس جديدة، أما اليوم فاكتفي ببنطال أو اثنين مع عدة كنزات معظمها من البالة، ولا أخجل من البحث والسؤال عن ارخص المحلات رغم نوعية البضائع الرديئة”.
وعلى عكس فاتن لا تقبل نغم (25 عاما) أن تمنع نفسها من شراء ملابس جديدة كل شتاء، حتى لو لجأت للاستدانة أو القروض والجمعيات، أو ضغط النفقات الأخرى إلى أقصى حد، ولا تستطيع تقبل فكرة عدم تغيير اطلالتها كل يوم خلال الاسبوع، معتبرة أن ” مكان عملها يفرض ذلك”.
ومن السوق بأسعاره اللاهبة، تنعطف الفتاة، لا إراديا، نحو شوارع جانبية تذخر بمحلات الألبسة “الأوربية” او البالة، حسب التعبير المعروف، فالنوعية هنا جيدة والسعر مقبول بالنسبة لحقيبتها التي (ليس من المصادفة) أنها أصبحت أصغر.
وتشير رؤى (23 عاما) ” البالة خيار ممتاز بالنسبة لي، ورغم أن أسعار بعض الملابس فيه تقارب السوق، غير أن النوعية أفضل بكثير واستطيع شراء قطعتين بثمن واحدة عادية من السوق، ومظهرها الأوروبي يفسح مجالا للادعاء بأنها هدية من أحد الأقارب في الخارج، وقد باتوا كثرا”.
وتشكر لبنى (طالبة جامعية)، الله على نعمة الأخوات، حيث تتبادل مع أخواتها الملابس باستمرار خاصة بوجود كل واحدة منهن في محافظة مختلفة وعمل مختلف، ما يتيح للمجال لإرضاء الرغبة في الظهور بملابس جديدة بكلفة أقل بالنسبة لها.
ولا يبدو لأي إجراء حكومي رادع أثر في الأسواق التي باتت تحكم نفسها بنفسها، وطبعا لدى سؤال أصحاب المحال فالجواب جاهز “أسعار الدولار وكلفة الاستيراد والنقل و و “، الأمر الذي جعل المواطن يسلم بالأمر الواقع، منقبا عن حلول.
وجعل التصريح الذي نسب لأحد المسؤولين منذ عدة أيام، وتداولته عدة صفحات، لدى سؤاله عن ضبط الأسعار وردع التجار بأن على المواطن “مقاطعة هذه المحلات لإجبارها على تخفيض أسعارها”، قابلا للتصديق ومثيرا للسخرية كما تقول لبنى “واذا قاطعناها شو منلبس بالشتوية؟”.
لا شك أن سوء الأوضاع الاقتصادية للسوريين غيّر سلوكهم الاقتصادي، وساهم في تغيير أولوياتهم وحدد خياراتهم ، في نوع من التأقلم بالإكراه، مع بعض من “أمل” لا يعرف هو نفسه من أين يأتي، وربما “من ملل” ليس أكثر، بأن يمضي عليه شتاء ما قادم “رفيقا كغابة ورد”.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر
Views: 11