- 3:36 م
- 2019-11-06
فاطمة عمراني
بعد أن خلد الجميع للنوم، دخلت سمر (اسم مستعار) غرفتها، أقفلت الباب بالمفتاح، أصلحت ماكياجها سريعاً، ثم فتحت “اللابتوب”. وفيما تفكّ سماعاتها المتشابكة، شغّلت برنامج السكايب، وهمست بصوت خافت: “أهلي ناموا، اشتقتلك وبدّي نحكي كاميرا لحالنا”.
بدأت بخلع ثيابها فيما كان أحمد يجاريها بذلك، أصبحا عاريين تماماً، لينتهي اللقاء الحميم بينهما بعد نصف ساعة من الزمن.
منذ نحو ستة أشهر، تعرّفت الفتاة الثلاثينيّة على أحمد المقيم في ألمانيا عبر غروب سرّي على الفيسبوك، ومع استحالة اللقاء بين الطرفين، لجأا لمكالمات الفيديو عن بعد، والتي تحوّلت مع الوقت لمكالمات “جنس إلكتروني” اعتاد عليها كلٌّ منهما.
“خيال جامح وشبق عالٍ في غرفة مظلمة، مع لابتوب وسماعات، وبعض الملابس المغرية التي خبأتها عن أعين أمّي”، كان هذا كل ما يتطلّبه الأمر لعلاقة حميمة كاملة مع أحمد عبر الإنترنت، اختبرتُ لذّة الجنس الذي حرمت من ممارسته في الواقع، فأنا “مطلّقة” ممنوعة من أي علاقة بالجنس الآخر، حتى أن الشبان الذين تقدموا لخطبتي، رفضهم أهلي بحجة أنهم سيعايرونني بطلاقي وأنني مو بنت”.
“أصبحت خبيرة في الجنس الإلكتروني من أجله، بتُّ أستخدم كل الأساليب المتاحة لإثارته وإغرائه، اشتري أنواعاً مختلفة من اللانجري، أتعلم حركات جديدة من أفلام “البورنو” الموجودة في المواقع الإباحية، نجرب ألعاباً جنسية على الدوام، اعتقدت أنّه سيحبني هكذا، أقدّم له قلبي وجسدي في آن واحد.. لم أجد مانعاً من ممارسة الجنس عبر الإنترنت في بادئ الأمر، لكنّ أحمد اعتاده حتى الإدمان، وبات يطلبه مني يومياً بشكل ملحٍّ، ولم يعد يقدّر ظروفي، فأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك حينما يحلو لي، أو حينما يحلو له.
أصبحت أرفض طلبه بممارسة الجنس مؤخراً بسبب ظروف في منزلي منعتني من التواجد وحدي في غرفتي، فهددني بنشر مكالمات الفيديو السابقة، والتي اعترف لي أنه كان يسجلها باستخدام برامج خاصّة.. عطّلتُ حساباتي على جميع مواقع التواصل الاجتماعي، غيّرت رقمي، وانعزلت عن العالم الخارجي، لا أستطيع أن أشتكي فهو خارج البلاد، أشكر الله أنه لا يعرف عنوان منزلي، ولا يعرف معلومات عن أهلي، وإلا كان سيفضحني حتماً، لم أعتقد أن الجنس الإلكتروني بهذه الخطورة، لم أتوقع أنه كان يسجل المكالمات”.
في كل يوم، ملايين المستخدمين حول العالم يتعرضون لمخاطر الجنس الإلكتروني والذي يعتبر ممارسة جنسية تتم بين فردين عبر وسائل الاتصال المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، مثل: البريد الإلكتروني، الصور، الرسائل، غرف الدردشة، والمواقع الإلكترونية، وهو نوع من أنواع الجنس التخيلي.
تتضارب وجهات النظر إزاء الجنس الإلكتروني ما بين مؤيد ومعارض، أغلب مؤيدي ممارسة الجنس الإلكتروني، يؤيدونه في إطار الزواج، فلا تجد بسمة مانعاً من ممارسة الجنس الإلكتروني مع زوجها المقيم في لبنان، تذهب باستمرار للكوافير، تصبغ شعرها بالأشقر، ترسم أوشاماً مثيرة على جسمها، تشتري ملابس مثيرة، وتمارس معه الجنس الإلكتروني، فهو “زوجها وحلالها”.
وتفضّل بسمة ممارسة الجنس إلكترونياً مع زوجها الذي لم تتمكن من الشعور بالنشوة الجنسية معه في الواقع، فهي تستمتع باستكشاف جسدها بنفسها والتعرف إليه جنسيّاً، كما تحصل على فرصة لتنفيس خيالات الجنس التي لطالما تصوّرتها في أفلام “البورنو”، وتخفيف آلام العادة الشهرية، خصوصاً في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث.
من فوائد الجنس الإلكتروني أيضاً، أنه يضمن لممارسه عدم الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً (كالإيدز والهربس والسيلان،…)، بالإضافة للحصول على الإشباع الغريزي دون أن يتكلف المرء بالمتاعب، ولسهولة الحصول على شريك جنسي على الشبكة العنكبوتية في ظل وجود الآلاف من المواقع المتخصصة في ذلك. كما أن فكرة الجنس الإلكتروني قد تبدو جيدة للراغبين بممارسة الجنس دون الرغبة بالإنجاب.
ويجد مستخدمو الانترنت من محدودي الدخل أن غرف الدردشة والغروبات السرية على مواقع التواصل الاجتماعي المخصصة لممارسة الجنس الإلكتروني توفر عليهم تكاليف تمضية ليلة حمراء مع إحدى “بنات الليل”، فالجنس الإلكتروني يوفر المتعة “ببلاش”.
ومع تزايد هجرات الشباب بفعل ظروف الحرب، أصبحت ممارسة الجنس الإلكتروني أو (السايبر سكس) ظاهرة في المجتمع السوري، وبلغت ذروتها مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، والكبت الاجتماعي الذي يفرّغه البعض بممارسة جنسية إلكترونية يعتبرها المحيط عيباً أو حراماً في الواقع.
لم يقتصر الجنس على كونه عيباً وحراماً في المجتمع، بل تجاوز ذلك فأصبح غير قانوني، وذلك بعد أن حجبت وزارة الاتصالات 160 موقعاً إباحياً مبررةً ذلك بالدوافع الأخلاقية والاجتماعية لحماية جيل الشباب، وبالرغم من ذلك احتل موقع إباحي المرتبة الخامسة عشر في المواقع الأكثر زيارة في سوريا.
ورأى البعض أن هذا الإجراء انتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن الحجب لا يسهم في حماية المجتمع بقدر ما يزيد من حجم الكبت، وأن الانفلات الأخلاقي، لا يمكن ضبطه بالقيود وإنما بالتربية والتعليم، ومنح المزيد من الحريات للمجتمع، فيما وجد الراغبون بالمتعة الجنسية الإلكترونية طريقهم للولوج لهذه المواقع باستخدام برامج فك الحظر (كاسر البروكسي). كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت الجنس الإلكتروني الذي لطالما اعتبره المجتمع السوري “تابو” وخط أحمر، المتنفس الوحيد أمام السوريين.
في الجهة الأخرى، وجد المعارضون لـ “السايبر سكس” تبريرات قوية تدعم وجهة نظرهم، حيث تكمن خطورة الجنس الإلكتروني في إمكانية تسريب المكالمات وانتشارها عبر الانترنت وعلى المواقع الإباحية.
العديد من الفيديوهات الحميمة تجد طريقها عبر الإنترنت، فيتم نشرها في المواقع الإباحية لأهداف تجارية، أو تنشر على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف التشهير والإساءة لأصحابها، وغالباً ما يتعرض هؤلاء للابتزاز الجنسي فيضطرون لتقديم تنازلات جنسية أو دفع مبالغ مالية طائلة لتجنب “الفضيحة”.
لم يكن هؤلاء أكثر من مجرد ضحية لسلبيات الجنس الإلكتروني، بعضهم حاول الانتحار، بعضهم اعتزل المجتمع، والبعض الآخر كانوا أكثر جرأة فاشتكوا للجهات المعنية. وفي سوريا تخصص وزارة الداخلية فرع الجرائم الإلكترونية الذي يمكن أن تتقدم الضحية بشكوى مباشرة إليه ويتم ملاحقة المبتز والقبض عليه، ويعاقب بالحبس والغرامة.
وصدر بتاريخ 25/3/2018 القانون رقم / 9 / المتعلق بإحداث محاكم جزائية مختصة بالنظر في الجرائم المعلوماتية. عاقب المشرع من خلاله على جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة الف ليرة سورية كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه حتى ولو كانت تلك المعلومات صحيحة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة معلومات تشمل نشر أخبار عن الشخص أو صورة دون رضاه أو صورة لمحادثته مع أحد.
تمارس سعاد (اسم وهمي) الجنس الإلكتروني بحساب وهمي، ولا تكشف عن وجهها خلال المكالمة، فهي تتجنب “الفضيحة” وتحصل على المتعة في آن واحد.
أيضاً، يجد المعارضون للجنس الإلكتروني أن هذه الطريقة فتحت باب الخيانة الزوجية على مصراعيه، حيث يلجأ بعض المتزوجين إلى الجنس الإلكتروني بسبب عدم الاكتفاء من الشريك، أو بسبب الإهمال في العلاقة فيما بينهما، وهو ما يهدّد الحياة الأسرية ويمثّل خطراً على المجتمع.
الخطورة تكمن أيضاً في نظرة الشخص لشريكه في الزواج، ومقارنته في الأداء مع شريكه الجنسي الإلكتروني.
قانون أوليمبيا
في المكسيك، تعرضت أوليمبيا (تسعة عشر عاماً) لتسريب مقطع جنسي لها عبر الإنترنت، واشتهرت في المجتمع باسم ” فتاة واوتشينانغو المكتنزة”، اتجهت أوليمبيا للمجلس التشريعي، وقفت أمام الجميع، وتحدثت عن الفيديو مؤكدة تعرض كثير من الضحايا للتنمر الإلكتروني والابتزاز الجنسي عبر الانترنت، وأطلعت الحضور على صور ملتقطة كاشفة أن بعض الجلوس قاموا بعمل مشاركات وإعجابات بذات الفيديو الذي ظهرتْ فيه على وسائل التواصل الاجتماعي.
رفض أعضاء المجلس التشريعي دعم مشروع قانون مكافحة العنف الجنسي عبر الانترنت، لأنه بذلك يكون كمن يدعم الانحلال، في نهاية الأمر تم تمرير القانون في مدينة أوليمبيا “بويبلا” عام 2018 وبات الآن ساريا في إحدى عشرة ولاية من بين 32 ولاية مكسيكية، ولم يأت عام 2018 حتى صار المشروع قانوناً.
واعتبر التشريع من قبيل الجريمة قيام أحدهم بمشاركة محتوى خاص بشخص آخر على الإنترنت بدون موافقة هذا الشخص. كما يناقش التشريع مسألة التنمر عبر الإنترنت وكذلك العنف الجنسي على الإنترنت. فضلا عن الدعوة لاتخاذ تدابير لزيادة الوعي العام بشأن نوع العنف.
أوليمبيا أكدت أن مكافحة العنف الجنسي عبر الانترنت أكثر من قانون. إنها قضية. “نريد أن نرفع الوعي، وأن نمنع هذا العنف ونضع له حدا. النساء يردن أن يشعرن بالأمان على الإنترنت. لنكن واضحين أن العالم الافتراضي هو عالم حقيقي. إننا نحاول تعضيد النساء وتمكينهم لحماية أنفسهن وتفادي العنف الرقمي أو العنف عبر الإنترنت”.
لم تعد أوليمبيا “المكتنزة المثيرة”، فقد بات اسمها مقروناً بقانون يجرم الاعتداء والإيذاء عبر الإنترنت.
النساء أكثر تفضيلاً للجنس التفاعلي الإلكتروني
عالمياً، يلقى الجنس الإلكتروني رواجاً كبيراً، ولا سيما عند الرجال، حيث أكد الخبير النفسي، كريستيان لير، من جامعة دويسبورغ ـ إيسن وفريق من الباحثين الألمان من خلال دراسة قاموا بها، أن النساء أقل ميلًا للجوء إلى الجنس عبر الإنترنت من الرجال، وعندما يفعلن ذلك، فهن أكثر ميلًا للمشاركة في غرف الدردشة وتفضيلًا لها على مشاهدة المواد الإباحية. كما تكشف الأبحاث أيضا أن النساء يُصبِحن أكثر تفضيلًا للجنس التفاعلي عبر الإنترنت عندما يتقدمن في العمر.
وسواء كان المستخدم ذكراً أو أنثى، فإن الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت من أجل الجنس يفعلون ذلك لأنهم يجدون أن التصورات الجنسية عبر الإنترنت تُعزِز الإشباع لديهم. ولكن ليس من الواضح السبب في أن تكون الصور المنتشرة عبر الإنترنت مُشبعة لهؤلاء الأشخاص، وكيف أن التلميحات المتعلقة بمشاهدة السلوكيات الجنسية عبر الإنترنت تؤدي إلى الرغبة. لا يزال الجنس في مجتمعنا مدينة محرمة، بأسوار عالية منيعة، تتصدرها لافتة “ممنوع الاقتراب والتصوير”، محرّم على من يريد دخولها أن يعرف عنها شيئاً إلا قبيل دخوله بنصف ساعة فقط. غالباً ما يحاول البعض أن يسترق النظر عبر أسوارها، والبعض الآخر يطلق العنان لخياله لرسم صورة عما يوجد خلف تلك الأسوار، فيشاهد الأفلام الإباحية أو يمارس الجنس الإلكتروني، الإلكتروني، وإذا كان محظوظاً سيحظى بتجربة مختلفة.
الأيام
Views: 3