يشيع الكاتب والروائي السوري حنا مينه، صباح الخميس 23 آب، من المشفى الفرنسي بدمشق، إلى مثواه الأخير في اللاذقية. وغيّب الموت، الثلاثاء، 21 آب، حنا مينة عن 94 عاما ونتاج أدبي غزير تجاوز الأربعين عملا روائيا وقصصيا.
وكان مثقفون سوريون وعرب، تداولوا منذ وفاته وصيّة سابقة له، كان قد كتبها عام 2008، لزوجته وعائلته، جاء فيها:
"أنا حنا بن سليم حنا مينة، والدتي مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، وقد عمّرت طويلًا حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقيني أنه "لكل أجل كتاب".
وأضاف مينة: "لقد كنت سعيدًا جدًا في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذورٌ للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإني لمن الشاكرين".
وعن وفاته، كتب: "عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطًا في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطًا في مماتي، وليس لي أهلٌ، لأن أهلي، جميعًا، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا عليّ عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية".
أما عن حياته وإبداعاته، فكتب: "كل ما فعلته في حياتي معروفٌ، وهو أداء واجبي تجاه وطني وشعبي، وقد كرست كل كلماتي لأجل هدف واحد: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض، وبعد أن ناضلت بجسدي في سبيل هذا الهدف، وبدأت الكتابة في الأربعين من عمري، شرّعت قلمي لأجل الهدف ذاته، ولما أزل".
لا عتب ولا عتاب
وأضاف مينة: "لا عتبٌ ولا عتابٌ، ولست ذاكرهما، هنا، إلا للضرورة، فقد اعتمدت عمري كله، لا على الحظ، بل على الساعد، فيدي وحدها، وبمفردها، صفّقت، وإني لأشكر هذه اليد، ففي الشكر تدوم النِعم".
وعن جنازته: أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قُرّاء، إذا طلبت منهم أن يَدَعوا نعشي، محمولًا من بيتي إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاصٍ مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر مُتاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة.
وأردف: لا حزنٌ، لا بكاءٌ، لا لباسٌ أسود، لا للتعزيات، بأي شكلٍ، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثمّ، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التأبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، استغيث بكم جميعًا، أن تريحوا عظامي منها.
وعن أملاكه: "كلُّ ما أملك، في دمشق واللاذقية، يتصرف به من يدّعون أنهم أهلي، ولهم الحرية في توزيع بعضه، على الفقراء، الأحباء الذين كنت منهم، وكانوا مني، وكنا على نسب هو الأغلى، الأثمن، الأكرم عندي".
وانتهى إلى القول: زوجتي العزيزة مريم دميان سمعان، وصيتي عند من يصلّون لراحة نفسي، لها الحق، لو كانت لديها إمكانية دعي هذا الحق، أن تتصرف بكلّ إرثي، أما بيتي في اللاذقية، وكل ما فيه، فهو لها ومطوّب باسمها، فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذي خرجت هي، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه".
ويتساءل كثيرون بناءً على هذه الوصية : هل سيتم احترام وصية حنا مينة، على الأقل في ما يتعلق بطقوس جنازته، أم أن الشعبية الكبيرة للكاتب ستحول دون ذلك؟
وولد صاحب رواية "نهاية رجل شجاع"، في اللاذقية عام 1924 وتأثر بهذه المدينة في أعماله التي ركزت كثيرا على البحر وأهله واتسمت بالواقعية.
وساهم مينة في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب، ويعد أحد كبار كتاب الرواية العربية، إذ تتميز رواياته بالواقعية، ومنها "المصابيح الزرق، الشراع والعاصفة، نهاية رجل شجاع، الشمس في يوم عائم، بقايا صور، حارة الشحادين، المرصد، مأساة ديمترو، المرفأ البعيد، المرأة ذات الثوب الأسود".
Views: 1