لم تخطّط الولايات المتحدة لاغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب قائد «الحشد الشعبي» أبومهدي المهندس بضربة واحدة، ليل الخميس – الجمعة. بل ان أبوزينب اللامي، مسؤول الأمن في «الحشد» هو مَن كان في أكثر الأحيان يتولى عملية نقل اللواء سليماني من مطار بغداد إلى العاصمة حيث تكون اللقاءات بانتظاره.
وبوجود أبوزينب في الخارج، حضر أبو مهدي لـ«يخرب» على أميركا خططها وتقتل جنرالاً إيرانياً على أرضٍ عراقية ولكنها قتلت أيضاً القائد في لواء «الحشد» وهي التي «تملك عقداً» بتدريب وتوفير الدعم اللوجستي والأمني للعراق ولا تقتل قادته. وهذا الاغتيال أحْرج أميركا والعراقيين الذين اتخذوا قراراً بالذهاب إلى البرلمان في محاولة غير سهلة للحصول على قرار إجماعي يُخْرِج القوات الأميركية من البلاد.
وإذا تمكّن البرلمان العراقي من انتزاع هكذا قرار، فإن هذا من شأنه توجيه ضربة كبرى لأميركا. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى توافُق العراقيين، وهذه النقطة بالذات هي أحد أهمّ النقاط التي سمحت لأميركا باغتيال سليماني. فبسبب الخلافات الحادة بين القادة العراقيين، اعتقدت أميركا أنها تستطيع أن تخرق قواعد اللعبة وتنْزع القفازات وتضرب سليماني في العراق التي وصل إليها قادماً من سوريا على متن رحلة تجارية إلى بغداد بعد زيارته الخاطفة للبنان.
ومن الممكن أن يَخْرُجَ البرلمان العراقي بهكذا قرار إذا أيّده السيد مقتدى الصدر – الذي يملك 53 نائباً – مع كتلة البناء، وإلا فإن الأكراد لن يوافقوا وكذلك أكثرية السنّة ومعهم كتلة السيد عمار الحكيم وكتلة حيدر العبادي.
وفي كلا الحالين، فإن الوجود الأميركي في العراق أصبح يشكل خطراً عليها. ففي كل زاوية وفي كل قاعدة من القواعد الـ15 الأميركية الموجودة في «بلاد الرافدين»، هناك إمكانية ضرب القوات الأميركية.
ومما لا شك فيه أن إيران ستكون مسرورة إذا أخذت التنظيمات العراقية الداعمة لإيران المهمة بمهاجمة القوات الأميركية لتُعيد هذه القوات بالذاكرة إلى العام 2004 عند أول تَصادُم مع «جيش المهدي» في النجف الأشرف.
لقد أعلن السيد علي خامنئي، مرشد الثورة الإسلامية، لمجلس الأمن القومي في جلسته الخاصة «ابحثوا عن رد قوي وواضح». وهذا يعني أن إيران تريد البحث عن ردّ يعلم فيه بوضوح العالم كله أن إيران تقف خلْفه من دون الاختباء وراء أي طرف آخر. وهذا جديد على إيران التي تعوّدت أن تحارب غالبية الأحيان بحلفائها أو بالمباشر من دون الظهور.
وتقول المصادر الإيرانية المطلعة لـ«الراي» إن «مروحة الخيارات واسعة جداً والأهداف لا تنقص في كل الساحات»، مضيفة: «إيران تستطيع أن تختار هدفاً كبيراً لقائد أميركي عالي الرتبة وتقتله، وتستطيع إغراق سفينة حربية أميركية وعلى متنها أكثر من مئة جندي أميركي. ففي كلا الحالتين ستتصاعد الأمور إلى أسوأ رتبة ولا تستطيع إيران إلا التحضير لأسوأ سيناريو ممكن أن يصيب المنطقة».
كل المؤشرات تدلّ على أن العراق هو الساحة المفضّلة. فقد عملتْ أميركا كهدف أساسي على إخراج إيران من العراق، لينقلب السحر على الساحر بحيث أصبح الهدف الإيراني اليوم إخراج أميركا من العراق.
إلا أن كل الدلائل تؤدي إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف. فإذا استطاعت إيران الحصول على موافقة البرلمان العراقي، فإن القوات الأميركية تستطيع الذهاب إلى أربيل والتمركز هناك ومساعدة كردستان على الاستقلال عن بغداد، وهذا احتمال وارد. لكن الأطراف العراقية التي كان يقودها أبو مهدي المهندس وأخرى حليفة لإيران ستأخذ المبادرة بتدريبٍ وتمويلٍ ودفْعٍ إيراني بزخم أقوى من أي وقت لتحارب القوات الأميركية وترسل الجنود بأكياس إلى الرئيس دونالد ترامب قبل الذهاب إلى معركته الانتخابية نهاية 2020.
لقد أصبحت المبادرة بيد إيران اليوم وخرجتْ من يد أميركا التي بدأت توجّه الرسائل لإيران عبر السفارة السويسرية في طهران بأنها لا تريد التصعيد. بينما ردّت إيران عليها بأنها «أغلقت كل أبواب التفاوض معها» وأنها لن «تترك عملية اغتيال القادة الإيرانيين من دون عقاب».
إلا أن إيران براغماتية وهي تستطيع النزول عن الشجرة التي وضعها فيها الرئيس الأميركي من دون أن تذهب إلى الحرب المباشرة. لقد أحرج ترامب إيران بزجّها في مكانٍ لا يمكن إلا أن تردّ فيه على اغتيال قائد عسكري لديها، وهو إعلانُ حربٍ بالعُرف الدولي. وتستطيع إيران الإسراع بالذهاب نحو القوة النووية وهي على بُعد أيام من الانسحاب الخامس من الاتفاق النووي – الذي مزّقه ترامب منذ 2018 – وتمزّقه إرباً كردّ على الرئيس الأميركي وبالتالي يكون الرد نووياً.
مما لا شك فيه أن إيران لن تتسرّع في الردّ لأنها تفضّل أن تبقى أميركا على أهبة الاستعداد وتنفق المال والجهد الكبير لحماية المسؤولين في تنقّلاتهم وقواتها كيفما يتحرّكون خارج ثكنهم. وبالتالي فإن انتقامَها سيكون مدروساً ولا يجرّ العالم إلى حرب كبرى، بل رد بحيث لا تستطيع أميركا الردّ على الردّ.
Views: 6