لا يمكن أن ينتهي احتلال محافظة إدلب إلا برحيل الجهاديين، أو موتهم. ولأنه لم يجرؤ أحد على التخلص منهم طوال السنوات الماضية، يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالياً إرسالهم إلى جبهات قتال أخرى.
لهذه الأسباب ذهب أردوغان بشكل ارتجالي إلى تونس يوم عيد الميلاد ليطلب من نظيره التونسي قيس سعيد، تحويل جربة إلى مركز عبور للجهاديين.
لم لا، والرجلان يجمع بينهما قاسم مشترك هو الإعجاب بجماعة الإخوان المسلمين؟ فكان له ما أراد، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى بدأ رجال الميليشيات التركمانية السورية وأعضاء آخرون من «فيلق الشام» بالتدفق إلى جربة، قبل إرسالهم منها إلى طرابلس الغرب.
في حال لم يعترض أحد في العالم على هذه الهجرة المنظمة، فسوف يتطلب الأمر بضع سنوات لترحيل عشرات الآلاف من الجهاديين من إدلب، ومن ثم تحرير المحافظة من دون إراقة الدماء. وبقدر ما سينزل هذا النبأ برداً وسلاماً على قلوب السوريين، بقدر ما سيشكل كارثة على الليبيين.
وهنا لابد من التذكير، أنه خلافاً للرواية التي قدمتها الجزيرة على مدى سنوات الحرب، لم يتأسس «الجيش السوري الحر» على أيدي أي من السوريين، بل على أيدي جهاديي تنظيم القاعدة في ليبيا، وتحت قيادة عبد الحكيم بلحاج، الرجل الثالث سابقاً في التنظيم الإرهابي المذكور، والذي أصبح فيما بعد حاكماً عسكرياً لطرابلس بفضل ورعاية منظمة حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى معاضدة مهدي الحاراتي، أحد رموز أسطول الحرية لغزة وعميل رسمي لوكالة الاستخبارات المركزية، وبمؤازرة أعضاء في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا الذين حضروا في ذلك الحين إلى سورية لتأسيس مايسمى زوراً بـ«الجيش السوري الحر»، وتم نقل جميع تلك العناصر مع أسلحتهم وعتادهم على نفقة الأمم المتحدة بفضل دماثة يان مارتن، الممثل الخاص لبان كي مون، والرئيس السابق لمنظمة العفو الدولية.
هبط الجميع في تركيا، وأقاموا فيها فترة قصيرة، تلقوا خلالها تدريبات مكثفة على أيدي عناصر من جهاز المخابرات التركي، ثم أرسلوا إلى جبل الزاوية، حيث أنشؤوا مايسمى «الجيش السوري الحر» لحساب فرنسا، وراحوا يستقبلون أرتالاً من الصحفيين الغربيين الذين صدقوا «كذبة» أن هؤلاء المقاتلين هم من العسكريين الفارين من الجيش العربي السوري.
هذه الحقائق وصلتنا، كما وصلت لغيرنا في حينها، من صحفي إسباني يعمل في جريدة ABC الإسبانية، الذي تعرف كباقي الصحفيين الغربيين على المقاتلين الليبيين في جبل الزاوية، إضافة إلى بيانات السفير الروسي لدى الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
إن إرسال الجهاديين من سورية إلى ليبيا الآن، ليس سوى إعادة البضاعة إلى صاحبها الأصلي، وللإنصاف أيضاً نذكر أن أعداد الإرهابيين الليبيين الذين تم استقدامهم إلى سورية عام 2011 لم يكن يزيد على ألف وخمسمئة رجل، على حين هم الآن مع أسرهم يقدرون بمئات الآلاف.
ليبيا ليست سورية بكل تأكيد، وهي منذ اغتيال قائدها معمر القذافي، تعيش تحت ربقة الصراعات القبلية، ويتنافس في إدارة شؤونها حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس، والأخرى في بنغازي.
إن احتمال وصول عشرات الآلاف من الجهاديين لدعم الجيش التركي وحكومة طرابلس لن يغير مصير السلاح على الأرض، فقد قررت الولايات المتحدة منذ عام 2001 شن حرب بلا نهاية، والتي بدأت منذ تسعة عشر عاماً في أفغانستان، ثم في العراق وليبيا وسورية واليمن، وهم يدعمون الحكومتين المتنافستين في الوقت نفسه في ليبيا، وسوف يستمرون بدعمهما إلى أن يفني بعضهما بعضاً.
لم يبق في ليبيا مكان صالح للحياة سوى شريط ضيق من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، أما باقي البلاد فهو مجرد صحراء خاوية، وفي ظل غياب للحدود الطبيعية، سوف ينتشر الجهاديون في جميع أنحاء الساحل الإفريقي، من موريتانيا إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وسوف يشكلون تهديداً جدياً لكل من الجزائر ومصر.
وفي يوم ما ليس ببعيد، سيكونون قادرين على عبور البحر المتوسط، والوصول إلى إيطاليا أو مالطا في غضون ساعات قليلة.
في ذلك اليوم، لم يبق للأوروبيين سوى عيون يذرفون منها الدموع.
الوطن
Views: 1