إذا كان لكم أن تتخيّلوا حجم الأرصدة العربية المودعة في المصارف الأميركية، والأوروبية، ناهيك عن مصارف أخرى في العالم.
تريليونات الدولارات التي بامكانها تغيير المسارات السياسية، والاقتصادية، والإستراتيجية، على امتداد الشرق الأوسط في قبضة رجل واحد يدعى… دونالد ترامب!
المسألة لا تقتصر على الـ60 ألف جندي المنتشرين في القواعد، وعلى متن البوارج والغواصات وحاملات الطائرات. ثمة ما هو أشد هولاً. متى كان وزير الخزانة الأميركي يقف، بقامته المكفهرة، إلى جانب وزير الدفاع في أي مؤتمر صحفي يتعلق بالمنطقة؟ هذا لم يحدث البتة إلا في العهد الحالي. حبل المشنقة حول من يحاول العصيان على المايسترو الأميركي.
لا حاجة لكل تلك الترسانة. إشارة من رأس الرئيس الأميركي يمكن أن تحوّل دولاً إلى ركام. لنتذكر أن جورج سوروس، أحد نجوم وول ستريت، كان قد لوّح بدفع الجنيه الاسترليني، بحركة من اصبعه، إلى القاع.
هذا الكلام إلى بريطانيا، إمبراطورية الظل. ماذا عن الدول القبلية، بالتبعية الصماء، وبالخواء الإستراتيجي، والفلسفي، الذي لا حدود له؟
هل باستطاعة الدول إياها، والشخصيات إياها، أن تستعيد دولاراً واحداً من ودائعها إذا ما حاولت الإفلات من البراثن الأميركية؟
أي طراز من الأنظمة يمكن أن يضع مصير دول، ومصير شعوب، ومصير أجيال، بين يدي أمبراطورية لعل سياساتها الأكثر همجية في التاريخ، على الرغم من المعجزات التكنولوجية التي كان يفترض أن تصنع منها، بحسب بول كروغمان، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، الأمبراطورية الفاضلة.
المعطيات، وبالأرقام، جاءتنا من شخصية خليجية على صلة بعالم المال، تعقيباً على مقالة حول الخروج العسكري الأميركي من المنطقة. قال: «إن أرواحنا بيد قطّاع الطرق». لا مجال للرهان على أي تغيير في السياسات، مهما كان محدوداً، من دون الضوء الأخضر الأميركي.
في هذه الحال، التغيير غالباً ما يكون تكتيكياً. الغرض من ذلك إعطاء الدول المعنية هامشاً آنياً، تفرضه ظروف معينة ولا علاقة لها بالمسار الإستراتيجي.
حتى جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية، والتي كانت تدار من وكالة الاستخبارات المركزية، لم تعرف ذلك النوع من الارتهان. أسوأ بكثير من الاستعمار الجغرافي، الاستعمار المالي الذي لا مجال للتخلص منه إلا بتحطيم السكين التي في الخاصرة. السكين التي في القلب…
بالعصا تفرض الولايات المتحدة صفقات السلاح على الأنظمة الرهينة. بالعصا تفرض الحروب، وحتى السيناريوات التي أخذت أبعادها الكارثية في أكثر من دولة عربية. هل من أنظمة عمياء أكثر من هذه الأنظمة؟
المال إياه تم استعماله، وبشتى الوسائل، لتسويق «صفقة القرن». الواقع التاريخي للمنطقة، وبالرغم من تصدعه، لم يكن ليتحمل مثل تلك الفضيحة. المال الغبي، والدور الغبي، توقفا في منتصف الطريق. بدا جاريد كوشنر وقد التف ببطانية الصوف مثلما فعل مناحيم بيغن بعدما لاحظ أن غزوه لبنان وضعه أمام الحائط.
الأجيال في تلك الدول بدأت تدرك ماذا يعني أن تكون رهينة لوزارة الخزانة الأميركية، وحيث تنتفي، كلياً، الرؤية الأخلاقية باتجاه المنطقة التي طالما تعاملت معها الإدارات المتعاقبة على أنها ليست فقط خالية من البشر، بل وأيضاً خالية من الزمن.
هذا ما كتبه روبرت كاغان، ذات يوم، عن الزمن في الشرق الأوسط: راع حافي القدمين، وعصا تائهة في الصحارى. لا ناقة في الأفق، بل رياح، ورمال، و… مقابر.
إذ نتوقع خطوات أكثر جنوناً في السنة الانتخابية، نتساءل إذا ما كانت أحداث الأيام الأخيرة قد أيقظت الرؤوس التي طالما رأيناها تتدحرج على أرصفة البيت الأبيض!
الوطن
Views: 2