قبل مئة عام بالتمام والكمال طرد الشعب العراقي البطل المحتل البريطاني من أرضه في انتفاضة شعبية عارمة أطلقوا عليها ثورة العشرين لوقوعها في عام 1920, وبالأمس تجددت عزائم العراقيين من مختلف مكوناتهم وأطيافهم وبتظاهرة مليونية حاشدة وبصوت واحد تندد بالوجود الأمريكي في بلاد الرافدين وتطالب بإخراجه سلماً أو حرباً من خلال مقاومة مسلحة بدأت تتحضر مستعيدة دروس الماضي القريب عندما طردت الجنود الأمريكيين بعد الغزو المشؤوم عام 2003.
من غير المتوقع أن تستجيب إدارة ترامب المتعجرفة لصرخات العراقيين المدوية ولاسيما بعد أن قابلت قرار البرلمان العراقي الداعي إلى انسحاب القوات الأمريكية بالرفض المطلق واستهزأ به ترامب مطالباً بثمن المطارات والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق بعد أن كان قد طالب بوقاحة لا مثيل لها بتكاليف الغزو واحتلال جيشه للعراق قبل سبعة عشر عاماً!
لم تترك واشنطن وسيلة لإفشال التظاهرة المليونية قبل أن تبدأ إلا واستخدمتها وركزت على التلويح بالحرب الأهلية وهدد ترامب الرئيس العراقي برهم صالح بالعقوبات وبمطالب مالية طائلة وادعى «بأنها تظاهرة من مكون واحد وأن المكونات الأخرى لم تشارك» جرياً على إثارة الفتن بين صفوف الشعب العراقي كما كثر الحديث عن خطر عودة تنظيم «داعش» وأنه لا يمكن مواجهته من دون القوات الأمريكية إلى آخر هذه الفبركات غير أن المليونية نجحت نجاحاً فاق كل التوقعات وكذبت تخرصات أعداء العراق في الداخل والخارج.
ومع نجاح هذه المليونية التي غصت بها شوارع بغداد بات واضحاً أن مسيرة إخراج الأمريكيين من العراق قد بدأت وأن المراهنين على أن العراقيين عاجزون عن إزاحة الكابوس الأمريكي الثقيل عن صدورهم سقط رهانهم فمسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة والخطوة الأولى العراقية انطلقت وبقوة وبصوت موحد هادر لن يستكين قبل طرد آخر جندي أمريكي محتل ولم يعد من خيار أمام إدارة ترامب إلا الإقرار بأن زمن الوجود الأميركي شارف على النهاية وأن هذا الوجود فاقد لأي غطاء شعبي وأن تكنيسه من العراق وسورية قادم لا محالة مهما اشتدت الظروف.
Views: 5