على ظهر أربع وعشرين لوحة أبحرت فينا الفنانة التشكيلية سنا الأتاسي في جولة نهرية رومانسية هادئة وقصيرة، إذ تناولت الفنانة في معرضها الفردي الأول الذي افتتح في الخامس عشر من الشهر الجاري في صالة دار الأوبرا للفنون التشكيلية، تناولت موضوع المرأة بمختلف حالاتها العاطفية والإنسانية، وكان من الجلي أن الفنانة رسمت نفسها في كل هذه الحالات وكأنها جمعت تجارب حياتها بكل منعطفاتها وتغيراتها، مفرغةً أثقال قلبها وفكرها في هذا المعرض الشخصي، ومستندةً إلى الأكرليك، وهاربة من مغامرة الألوان الصارخة والتقنيات المعقدة، إذ فضلت الأتاسي أن تخط لوحاتها ببساطة ووضوح وواقعية سهلة، معتمدةً اللونين الأبيض والأسود إلا في لوحتين أو ثلاث حيث حضر اللونان الأحمر والبنفسجي بشكل قوي وواضح في اللوحة.
المرأة العاشقة بقلب أسود تحملُ قلادةً في يدها مرتديةً للحب فستاناً أحمر، وكأنها الأنثى التي تعرض جمال جسدها مقابل سعادة قلبها، بهذه اللوحة ابتدأت الفنانة معرضها، منتقلةً بهدوء بين لوحاتها المتشابهة في الشخصية التي تشغل اللوحة وفي الموضوع أيضاً، وحّدها إلى جانب ملامح الوجه، اللونُ الأحمر الذي خطَّ دواخل عيون شخوصها، ما جعلها تبدو وكأنها باكية أو على وشك البكاء في معظم اللوحات، فهي إذاً المرأة المغرمة بقلبٍ مكسور، وهي المرأة الحالمة والراقصة والأخت والصديقة المواسية لنفسها، والمتكئة على ذاتها، وهي الجوكر في لعبة الشدّة التي تناسب اي مكان توضع فيه لإكمال لعبة الحياة القاسية، وهي مرةً المرأة اللعوب القوية المتمردة والواضحة، إذ كيف لكل هذا الجمال أن يكون ضعفاً واستسلاماً! ثم إنها في لوحةٍ أخرى تضطر إلى اعتمار الطربوش واخذ دور الرجل والمرأة معاً سواء رغماً عنها أو بإرادتها، وتارةً أخرى هي المرأة الرقيقة التي تنضح بالأنوثة مكللةً بالياسمين، وهي راقصة الباليه الجميلة والواثقة، وهي العروس بالزي السوري التقليدي، هي إذاً عدّة نساء بوجوه متشابهة وأقدار متقاربة وشخصيات متفاوتة بين القوة والضعف.
قدمت الأتاسي في لوحاتها الأنموذج الواحد للمرأة المتكررة بكل حالاتها العاطفية والإنسانية وبدت وكأنها تستصرخ المجتمع الذكوري، «أنا إنسان لي روحي وقلبي وعقلي وأحاسيسي، أنا لست مجرد وجه جميل وجسد مغر! حياتي وأفكاري ومشاعري وقراراتي وجسدي ملك لي وحدي، لا يحق لأيًّ كان فرض طقوسه وعاداته البالية عليه».
تحلم الأتاسي بنصرة جميع النساء اللاتي يدرنَ حول أفكارها كدخان بركان ثائر، لا ينضح في النهاية إلا بسيلٍ من الدموع، وتسمح لهن بكل محبة بالاتكاء على كتفها والبكاء والنحيب.
التفاصيل في بعض اللوحات بدت جيدة الواقعية، لكن أتاسي سقطت في بعض اللوحات في أخطاء تشريحية هائلة، فبدت لنا امرأتها غير متناسقة الأطراف أو الأصابع في بعض اللوحات، برغم محاولة هروبها من انحناءات الجسد بتغطيتها بفساتين طويلة، لكن الشخوص مكشوفة الجسد منها بدت غير واقعية، كما إنها اعتمدت في عملها الخطوط القوية والمستقيمة والحادّة، والعيون الكبيرة التي تأخذ معظم مساحة الوجه، والأنف الصغير والشفاه الممتلئة، والجسد النحيل الذي تتضح فيه عظام الرقبة، مازجةً مقاييس الجمال العامة بنظرات حائرة وحزينة وهائمة أحياناً، ومكتفيةً بالشخوص في تكوين اللوحة وغير مستغلة خلفيتها التي طمسها السواد في جميع اللوحات، إذ اعتمدت الفنانة الشابة على الألوان القوية والواضحة والغامقة والموحّدة من دون أي تدرجات أو إضافات، وكان من الواضح في أعمالها أنها لا تسعى للإبهار أو اظهار موهبتها في التقنيات والخط القوي، بقدر ما تسعى لخلق لوحة جميلة تليق بالصالونات الراقية بنفحتها الأنثوية وألوانها القاتمة والهادئة والمريحة للعين.
يذكر أن الفنانة سنا الأتاسي درست فن الإعلان، وهي خريجة دبلوم العلوم السينمائية وفنونها الذي تقيمه المؤسسة العامة للسينما في دمشق، وتعمل في مجال الرسوم المتحركة، وقد ساهمت في العديد من المعارض الفنية مع فنانين آخرين في سورية وخارجها.
Views: 0