الأيام – حبيب شحادة
عمرها مئات السنين، لم تفقد بريقها التاريخي والتراثي. لكنها استعادت نشاطها بالعام 2017 نتيجة قطع المياه عن دمشق. حمامات السوق لا تزال رمزاً لتراث شعبي غني يحفظ تاريخاً طويلاً من العادات والتقاليد الاجتماعية التي سيطرت على الحياة الدمشقية لعقود، لكن غابت اليوم عن جيل الشباب ليس بِفعل الحرب وحدها، إنّما نتيجة الحداثة ومفرزاتها على مختلف المجالات.
طقس اجتماعي
اشتهرت دمشق بوجود الحمامات الشعبية التي أصبحت تقليداً أسبوعياً لأهلها. وقُدر عددها بأكثر من 167 حمام منذ العصر الأموي. ولم يتبق منها اليوم سوى عشرة حمامات. وتمتاز تلك الحمامات بنمط بناء واحد من حيث الزخرفة والمواد المستخدمة وتختلف في طريقة البناء والمساحة.
لكل حي حمامه الخاص،تجتمع فيه النساء اللواتي يقتصر دورهن خلال فترة الصباح وحتى العصر، ليبدأ بعدها دور الرجال، وهناك ما يُعرف بحجز الحمام لعائلة ما بقصد تلبية مناسبة خاصة بهم، كالزواج مثلاً. كما شكل الحمام المكان الأنسب للنساء الدمشقيات للبحث عن عرائس لأولادهن. لكن الحمامات المتبقية تعانياليوم من خطر الاندثار.
ركود المهنة
ساهم تَغير نمط الحياة وتوفر المياه والحمامات في المنازل في تراجع دور الحمامات الشعبية واقتصاره في الأغلب على المناسبات الدينية والخاصة ببعض العائلات الدمشقية التي ما تزال مُحافظة ومُتمسكة بعاداتها وتقاليدها.
أبو سمير(زبون) يقول لـ “الأيام “ إنّه لا يأتي لحمام السوق بقصد الاستحمام، إنّما بقصد الالتقاء بالأصدقاء، و”للتكييس” (استخدام كيس الحمام لتنظيف الجسم).
صاحب حمام (عز الدين) في باب الجابية، محمد جمال تيناوي، يقول “إنّ البيت الشامي القديم كان يفتقد للحمام، اليوم وبفضل التقدم أصبحت الحمامات مُنتشرة في المنازل، ما أضر بالمصلحة التي تموت اليوم”، مُشيراً إلى أنّه كان هناك 360 حماماً في دمشق ولم يبق منها سوى سبعة أو ثمانية.
تكلفة الدخول
ويضيف تيناوي:“إنّ “التسعيرة قديماً كانت على البركة.. شو ما عطانا الزبون نقول له الله يعوض عليك”. والآن لم تَعد هذه الامكانية مُتاحة. نظراً لارتفاع التكلفة ما اضطر تيناوي لوضع تسعيرة مُحددة (2500 ليرة سورية على الشخص) إضافة لارتفاع تكاليف ضرائب المالية والبلدية والمحافظة، وسعر المازوت والكهرباء، الأمر الذي خلق حالة من الضغط والامتعاض لدى أصحاب الحمامات اختصرها التيناوي بقوله: “ما عم يخلونا نتنفس نهائياً”.
اندثار المهنة بِفعل عدم الدعم
تُعاني مهنة أصحاب الحمامات من صعوبات عديدة منها ما هو ناتج عن التقدم والتطور التاريخي، ومنها بِفعل الحرب وتداعياتها كغلاء المازوت، والصعوبة في تأمينه. يقول تيناوي:”نضطر لدفع الرشاوي لتأمين مادة المازوت، علماً أنّه تم تخصيص كل حمام بـ 5000 ليتر شهرياً، ومع ذلك لا نحصل إلا على 2000 ليتر”.
هذه ليست معاناة تيناوي وحده، بل هيمعاناة معظم أصحاب الحمامات المتبقية، والذين يُصارعون عبء توفير مادة المازوت، إضافة للضرائب العالية، ما اضطرهملشراء باقي احتياجاتهم من المازوت بالسعر الحر (غير المدعوم) والذي يزيد من التكاليف المادية لتشغيل الحمام ويقلل دخلهم بحيث “لا تُرسمل معهم” حسب تعبير تيناوي.
أغلق تيناوي نصف حمامه وأبقى على النصف الأخر بسبب التكلفة العالية. وكذلك ألغى قسم الساونا لمصروفه الكبير. والذي يعتبره دخيل على المصلحة. حيث كان لا يوجد لا ساونا ولا مساج إنّما بيت نار. حمام. مكيس.
لم يختلف فقط شكل الحمام عما كان عليه سابقاً، بل اختلف دوره وأهميته في الوسط الاجتماعي الدمشقي مع مرور الوقت، لدرجة أصبحت الحمامات الشعبية عرضة للاندثار في سوريا، كما حدث في بيروت التي تحتفظ بحمام واحد فقط (حمام النزهة
Views: 9