إسطنبول | مع الغموض المخيّم على تفاصيل استهداف العسكر الأتراك لطائرات روسية في أجواء سراقب، تشير معلومات إلى حصول المسلحين في إدلب على أسلحة تركية متطوّرة ضد الدبابات والطائرات الروسية والسورية المعرقلة لتقدّمهم باتجاه المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري خلال الأيام القليلة الماضية،
تقول مصادر مقرّبة من المباحثات إن الجانب التركي أكّد ضرورة فتح المجال الجوي السوري في إدلب أمام الطائرات المسيّرة التركية، بما فيها المسلحة، وهو ما رفضه الجانب الروسي، عقب تحميل الكرملين والخارجية والدفاع الروسية أنقرة مسؤولية الوضع الحالي في إدلب واتهامها بـ«عدم الالتزام بتعهّداتها في اتفاقية سوتشي والاستمرار في تقديم مختلف أنواع الدعم والأسلحة إلى الإرهابيين في المنطقة». كل ذلك مع معلومات صحافية تتحدّث عن نجاح الأتراك في إقناع كل الفصائل في المنطقة بالعمل المشترك تحت إدارة غرفة العمليات التركية على الحدود قبالة إدلب، حيث عزّز الجيش التركي مواقعه هناك. ونشرت وكالة «الأناضول» الحكومية شريط فيديو يبيّن مجموعة من المسلحين، وصفتهم بـ«معتدلين»، كانوا يركبون المدرّعات، دون أن تنتبه الوكالة إلى أنهم يربطون على أكتافهم إشارة «داعش»، ما اضطرها بعد دقائق إلى حذف الخبر.
بالموازاة، يستمرّ الجيش التركي في حشد قوات إضافية على الحدود وداخل أراضي محافظة إدلب لمواجهة كل الاحتمالات، بما فيها المواجهة المباشرة مع الجيش السوري. وقدّرت وسائل الإعلام التركية عدد المدرّعات والدبابات والمدافع والعربات في المنطقة بنحو أربعة آلاف. وسط ما يجري في الميدان، تفيد معلومات باستمرار مساعي أنقرة لإقناع واشنطن و«الأطلسي» بضرورة دعمها في إدلب، إذ أجرى وزير الدفاع، خلوصي آقار، اتصالاً مع نظيره الأميركي، مارك إسبر، بحث تفاصيل الوضع في إدلب واحتمالات التنسيق والتعاون هناك في حال تأزّم الوضع. يأتي ذلك بعد تأكيد إردوغان الموقف الرافض لـ«سياسات الأمر الواقع» التي تسعى موسكو ودمشق وطهران إلى فرضها في المنطقة، مطالباً بـ«انسحاب الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية قبل نهاية الشهر الجاري»، وإلا «سيجبر على ذلك». واكتسبت مواقفه أهمية إضافية بعدما ألغى بوتين زيارته لإسطنبول للمشاركة في القمّة الرباعية في الخامس من الشهر المقبل.
تستمر مساعي أنقرة لإقناع واشنطن و«الأطلسي» بضرورة دعمهاتهديدات إردوغان يبدو أنها ستزداد جديةً مع الإشارات الأميركية المحتملة حول دعم أنقرة في أزمتها مع موسكو ودمشق مقابل عودة علاقات التحالف التقليدية، ما يعني إلغاء صفقة «أس 400» والابتعاد عن موسكو في القضايا الإقليمية والتنسيق التام مع واشنطن في كل الأمور. دفع ذلك بعض الأوساط إلى الحديث عن مساعي الأميركيين لتحقيق المصالحة التركية ـــ الإسرائيلية ثم التركية ـــــ الكردية (السورية) برعاية أميركية تساهم في حسم الوضع في شرق الفرات لمصلحة واشنطن وحلفائها.
وبينما يشنّ المسؤولون الأتراك والإعلام الموالي للرئيس هجوماً عنيفاً ضد روسيا وسوريا (وأحياناً إيران برغم غيابها عن ساحة إدلب)، يعبّر عدد من أقطاب المعارضة عن قلقهم من سياسات إردوغان في إدلب، وسوريا عموماً. فقد استغرب زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليجدار أوغلو، «دعوة إردوغان للجيش السوري للانسحاب من إدلب»، قائلاً: «الغريب في الموضوع أن إردوغان يطالب بانسحاب الجيش السوري من إدلب وجوارها كأن إدلب أرض تركية، وعليه أن يقول لنا هل يريد أن يحتل إدلب وبعدها دمشق وحلب وباقي المدن الأخرى، بل كل سوريا؟ إذاً عليه أن يعلن ذلك للشعب التركي والعالم، ثم ماذا يقصد بحديثه بين حين وآخر عن حدود الميثاق الوطني (الملّي) لعام 1920، فهل له أطماع توسعية في سوريا؟». كما وصف كليجدار أوغلو إردوغان بأنه «كمّاشة بيد أميركا»، وقال: «لقد أرسل الرئيس (دونالد) ترامب رسالة لإردوغان وأهانه فيها، وقال له إنك أحمق، لكن إردوغان يتوسّل إليه حتى يساعده في إدلب». وردّ الأخير على أقوال كليجدار أوغلو بالقول: «إذا كنت تحبّ الأسد إلى هذه الدرجة اذهب إليه وكن صديقاً له».
وبينما عبّر العديد من جنرالات الجيش المتقاعدين والدبلوماسيين السابقين عن قلقهم من التطورات، متّهمين إردوغان بانتهاج سياسات استفزازية وتصعيدية لإبعاد أنظار الشعب التركي عن «مشكلاته الحقيقية»، رأى البعض في الاهتمام السياسي والإعلامي والشعبي الكبير بأحداث إدلب مقدّمة لعمل عسكري وشيك، وهو وضع مشابه لما عاشته تركيا كل مرة حدث فيها عمل عسكري، مثلاً عندما دخل الجيش جرابلس في آب 2016، وعفرين بداية 2018، وشرق الفرات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وثمّة معلومات تتوقّع عدم انسحاب الجيش التركي من المناطق التي يدخلها الآن مهما تكن النتائج المحتملة للمشاورات والتحرّكات الدبلوماسية التي بات واضحاً أنها لن تثمر طالما أن الجيش السوري لا يفكّر في الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها خلال الأيام الماضية. أما مسلّحو الفصائل في إدلب، فيستعدّون لهجمات أكبر بعد الدعم الكبير الذي حصلوا عليه من تركيا وارتفاع معنويات المقاتلين بكل انتماءاتهم وولاءاتهم؛ كل ذلك يقود إلى انتظار ما سيرشح في الأيام الثلاثة المقبلة، وقد يحمل مفاجآت مثيرة تنطوي على مخاطر للجميع، إن لم يتراجع إردوغان عن المهلة التي منحها لسوريا حتى تسحب قواتها من المنطقة، وهو ما يستبعده الجميع.
Views: 1