يبدو أن العولمة هي الضحية الأكثر تضرراً من الكورونا, فالدول التي طالما نادت بالأبواب المفتوحة تغلق اليوم نوافذها خوفاً من انتشار المرض.. هذا يفتح من جديد ملفاً قديماً يتعلق بمصير الحضارة الأوروبية التي نراها تتراجع يوماً بعد يوم أمام «الخطر الأصفر» المتمثل في الصين. وأفضل رمز على هذا التحول أن «الكورونا», عدو العولمة, «قادم من الصين بالذات»..
بداية القرن العشرين كتب الباحث الألماني «أزوالد شبنغلر» أن الحضارة الغربية (الأوروبية) سوف تموت في النهاية مثل غيرها من الحضارات السابقة, جاء هذا في كتابه الشهير «سقوط الحضارة الغربية». لكن الكاتب البريطاني «كولن ويلسون» خالفه في خمسينيات القرن الماضي في كتابه «سقوط الحضارة» مؤكداً أن الحضارة الغربية لن تسقط لأن العالم كله متغرب, أي إن ثقافة الغرب أعادت تكوين العالم بنيوياً وفرضت عليه «طريقة التفكير وطريقة الحياة», بحيث أي حضارة جديدة ستكون أسسها مستقاة من الحضارة الأوروبية.
ويبدو أن رأي ويلسون أقوى من رأي شبنغلر. كنت مرة مع رفاقي في مدينة فينا دالمار القريبة من سانتياغو عاصمة تشيلي في إطار وفد حزبي زائر, جلسنا في أحد المطاعم, كان كل شيء حولنا في المطعم وفي الشارع مألوفاً على الرغم من أننا في أقصى جنوب العالم, قلت لرفاقي انظروا كأننا في أحد مطاعم دمشق أو سيدني أو طوكيو حركة النادل نفسها, ترتيب الطاولات وأنواع الطعام وثقافة الحضور.. كل شيء نفسه في أي مكان في العالم, المشكلة كانت في اللغة فقط, لكن العولمة حلت هذه المشكلة لأن الإنكليزية تجمعنا.
لكن الله «يضع سره في أضعف خلقه».. فيروس لايرى بالعين اسمه (كورونا) وجه للعولمة ضربة مؤلمة, فماذا لو امتد الوباء أعواماً أو جاء وباء أسوأ منه؟.. هل ستنقطع شيئاً فشيئاً روابط العولمة؟.. عندها سوف يمد شبنغلر لسانه لويلسون ساخراً وكأنه يقول: ألم أقل لك إن الحضارة الغربية ستموت مثل غيرها!!..
Views: 8