لم يكن أحد يتخيل أن فيروساً مثل «كورونا» سيكون سبباً في ولادة نظام عالمي جديد، ظللنا لسنوات نتحدث عن هذا النظام وشكله، وعن القوى الصاعدة الجديدة، مثل الصين وروسيا والهند، وعن قوى متوسطة أخرى في آسيا مثل ماليزيا وأندونيسيا وفيتنام وإيران، وعن دول أصغر حققت نهضة اقتصادية، ولكن السؤال يبقى: ما السر خلف وباء كورونا الذي أوقف العالم على قدم واحدة، وكشف لنا عورات النظام الدولي الذي بدأ يتداعى من دون وجود بديل حتى الآن؟
الواضح مما ينشر من تقارير ومعلومات وتغريدات وتصريحات ما يلي:
1- هناك حرب بيولوجية شنت على الصين باعتبارها المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة، ووفقاً لتقديرات مراكز البحوث الأميركية، فإن الاقتصاد الصيني سيتفوق على الأميركي عام 2030، وبالتالي كان لابد من وقف وعرقلة هذا التقدم السريع للصين بأي طريقة، بعد الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعد التعثر الواضح في قطع الطريق على الصين وروسيا، من خلال محاولات السيطرة على طرق التجارة الدولية والممرات المائية، وصمود قوى إقليمية ودول وشعوب، ومواجهتها لمشاريع الهيمنة الأميركية وأدواتها، سورية أنموذجاً، لم تحصل أميركا على المطلوب.
2- مؤشرات الحرب البيولوجية عديدة منها: تصريح الناطق بلسان الحكومة الصينية، واتصال وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو بمسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني للاعتراض على هذا الاتهام، ولكن ليس بكين من اتهمت فقط، وإنما موسكو، وطهران التي أعلنت على لسان المرشد علي خامنئي أن هناك مؤشرات ودلائل على حرب بيولوجية.
3- حينما يطرح السؤال أليس اتهام أميركا مبكراً ومتسرعاً إلى حدٍّ ما؟ الجواب بسيط وصريح: ما الذي يجعلنا لا نتهم الولايات المتحدة؟ أليست هي أول من استخدم سلاحاً ذرياً ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية؟ ثم أليست هي من استخدم السلاح الكيميائي ضد الفيتناميين «العنصر البرتقالي»، وقتلت عشرات الآلاف هناك، ثم ضحت بعناصر من الجيش الأميركي الذين كانوا يستخدمون هذا السلاح؟ ثم أليست أميركا هي من يحاصر إيران وسورية وفنزويلا بأسلوب قذر ثم تتنطع للادعاء بإنسانيتها تجاه شعوب هذه البلدان من خلال الكذب والنفاق والتصريحات؟
إن أي تحقيق جنائي أولي في أي جريمة يعني أن تأتي بالمشتبه فيهم الذين لديهم سجل جنائي للتحقيق أولاً، وأميركا سجلها مليء بالجرائم التي تجعلنا نتهمها.
بغض النظر عن الاتهامات، فإن العالم ما بعد كورونا غير ما قبله، وهنا يمكننا الإشارة إلى بعض الملاحظات السريعة والضرورية:
1- أثبتت الصين من خلال تعاطيها مع وباء كورونا أن لديها منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر قوة وتماسكاً من المنظومات الغربية التي فشلت فشلاً ذريعاً في الاستجابة السريعة، وكابرت وتعاطت باستعلاء مع الصين وشعبها.
2- إن سؤالاً مركزياً يطرح: أي منظومات سياسية يحتاج العالم في المستقبل؟ فالمنظومة الليبرالية الغربية ولأسباب أنانية مرتبطة بالأسواق ومصالح الشركات والاقتصاد تأخرت بالاستجابة، على حين المنظومة الصينية نجحت نجاحاً باهراً بسبب إبداع الحزب الشيوعي الصيني، وقدرته على تنظيم الأمة الصينية، وإطلاق إبداعاتها بما يخدم الشعب، والدولة والعالم، وهو أمر بحاجة لدراسة معمقة أكثر، ولكن كلمة حق يجب أن تقال: إن القبعة يجب أن ترفع لجمهورية الصين الشعبية قيادة وحكومة وشعباً على إبداعها ونموذجها الجديد لعالم يجب أن يتخلص من الهيمنة والتوحش، الذي تقف خلفه أميركا ومنظومتها.
3- إن ادعاء واشنطن، وبعض الدول الغربية بالحرص على الجانب الإنساني، هو أسطوانة مشروخة سقطت بالضربة القاضية، وهذا الدجل الغربي فضح في العالم، فالتعاطي مع إيران كان سادياً وإجرامياً من أميركا وأدواتها التافهة في المنطقة، وكاد يصل حدّ منع الدواء والتجهيزات الطبية عن الشعب الإيراني، وكذا الأمر بالنسبة لدول يفترض أنها في المنظومة الغربية الأوروبية، مثل إيطاليا، التي ساعدتها الصين، ومثل صربيا التي أعلن رئيس وزرائها أن الصين هي الصديق الوحيد، وأن التضامن الأوروبي هو كذبة وخرافة سقطت وانتهت في اختبار كورونا.
وهنا سأذكر بما قالته بعض الدول الغربية وفي مقدمها واشنطن بعد تسع سنوات من الحرب الفاشية على سورية، وشعبها: إن ادعاءاتكم سقطت، وإنسانيتكم نشاهدها ونراقبها ونعرفها، فتوقفوا عن الكذب والنفاق، ولن ننتج إلا منظومة سياسية تتفق مع مصالحنا الوطنية ومصالح شعبنا، أما أنتم فقد كشفناكم بوضوح شديد، ولن تخدعوا أحداً بعد الآن، وزاد في الطنبور نغماً قصة «كورونا» وتعاملكم معها!
3- ظلت أميركا حتى وقت قريب تتهم الصين بأنها وراء فيروس كورونا حتى إن ترامب قال قبل أيام إن «الفيروس صيني» من دون أن يقول إن لدى الولايات المتحدة «400 مختبر للأبحاث البيولوجية» في قواعدها العسكرية حول العالم بما فيها محيط روسيا والصين وإيران، وإن الصين برهنت على عظمة منظومتها الأخلاقية المستمدة من تاريخ عريق، وفلسفة تحترم، على حين الأميركيين ظلوا على أنانيتهم وعلى ما يسمونه استثنائية أميركية، وهو نمط استعلائي، لم يعد ينفع الشعب الأميركي، ولا العالم.
دعوني أكتفي بهذه الملاحظات السريعة حول عالم ما بعد «كورونا» الذي بالتأكيد لن يكون كما قبله، والأهم أن على أميركا أن تتوقف عن المكابرة، وأن تدرك أن عالماً جديداً يولد، أحبت ذلك أم لم تحب، وما عليها سوى الجلوس حول الطاولة للتفاهم مع الشركاء الجدد لأن عالم الاستثنائية، والاستعلاء والتفوق، أسقطته مقاومة الشعوب، ومنها الشعب السوري، وأتى كورونا ليدفنه إلى الأبد.
علينا التفكير بوضوح شديد بأنه لا يوجد نموذج موحد للعالم ودوله، ولقيادة الشعوب، لكن هناك تكاملاً واعتماداً متبادلاً ونموذجاً جديداً، أعتقد أن الصين نجحت في تقديمه للعالم وشعوبه، مقابل إخفاق أميركي غربي في التعاطي.
انتظروا عالم ما بعد «كورونا»!
الوطن
Views: 1