الكاتب: كلير شكر –
وصفها رئيس الحكومة حسان دياب بأنّها “أصعب مرحلة في تاريخ لبنان” و”تتطلب أعلى درجة من الاستنفار”. ومع ذلك قد لا يكون الوصف على مقدار التعقيدات الحاصلة. فقد اختارت الحكومة عن سابق إصرار وتصميم مواجهة أقسى أزمة مالية – اقتصادية – اجتماعية تواجه لبنان، لكنها لم تدرك أنّها ستتلقّف كرتي نار عوضاً عن واحدة بعدما فرض انتشار فيروس كورونا قواعده “المدمّرة”!
تضاعفت الجهود لتتوزع على جبهتين: الجبهة الاقتصادية التي ترزح تحت ثقل الدين العام والعجز في الموازنة والخلل في الميزان التجاري، والهبوط الحاد في سعر الليرة والشحّ في الدولار وتخبّط النظام المصرفي… وجبهة “كورونا” التي استدعت استنفار كل القطاعات الرسمية لمواكبة عدّاد الإصابات الآخذ في التصاعد، رغم كل محاولات التطويق التي فرضتها حالة التعبئة العامة.
وبينما أقفل البرلمان أبوابه والتزم النواب الحجر المنزلي، تواصل الحكومة عملها، رئاسة ووزراء، مكتفية باعتماد وسائل الوقاية التقليدية. مشهد الكمامات تغطي وجوه رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة وكل الوزراء، فيه الكثير من الرمزية المعبّرة عن مخاطر الفيروس الذي يجتاح الكرة الأرضية.
تضع الحكومة الخطة الاقتصادية نصب عينيها، في محاولة لفكفكة عقدها، الواحدة تلو الأخرى. المطبخ الأساس يقع في السراي الحكومي. هناك تتوزع المكاتب أربع مجموعات عمل سمّاها دياب لـ”المهمة المستحيلة”: واحدة لدرس القضايا النقدية والمصرفية، ثانية لدرس القضايا المالية، ثالثة لدرس قضايا الاقتصاد الكلي، ورابعة لدرس قضايا الاستثمار والنموّ… وهي تعمل بإشراف اللجنة الوزارية لإعداد خطة النهوض التي يرأسها دياب.
يدرك المشاركون في هذه الورشة أنّها ليست نزهة بسيطة وأن صعوبات جمّة قد تواجهها من جانب الأقربين قبل الأبعدين، ومع ذلك ثمة إصرار على تذليل العقبات وتجاوز المرحلة بأقل الأضرار وأكثر الانجازات الممكنة. بنظرهم، محطة اليوروبوندز كانت الاختبار الأول لما ينتظر الحكومة وللصعوبات التي واجهتها قبل اعلان خيارها. وها هو مشروع قانون الكابيتال كونترول يشبع درساً ونقاشاً على طاولة مجلس الوزراء، فيما تنتظره مشرحة مجلس النواب لـ”تبرّحه ضرباً” قبل رؤيته النور. اذاً، ليس هناك من وصفات جاهزة أو سريعة، ولن تكون هناك علاجات مسكّنة أو مهدّئة. كل خطوة لها أثمانها وكلفتها من “المعارك” السياسية المكتومة أحياناً، والمدوية أحياناً أخرى. المهم بالنسبة للحكومة هو محاسبتها يوم 11 أيار المقبل، موعد استحقاق المئة يوم لنيلها الثقة.
يؤكد المشاركون أنّ الحكومة لا تخطط لإعلان خطة على شكل برنامج متكامل، ولو أنّها تعمل ضمن رؤية شاملة، لكن تعدد محاور هذه الرؤية، وصعوبة التوصل إلى معالجات لبعضها في وقت قريب، يفرض الإفراج عن كل خطوة أو مشروع يتمّ الانتهاء منه. ولهذا مثلاً قدّم مشروع السرية المصرفية قبل غيره، وكذلك مشروع قانون الكابيتال كونترول لوقف حالتي الاستنسابية والفوضى الحاصلتين في المصارف.
بهذا المعنى لن يشهد اللبنانيون على “احتفالية” الإعلان عن الخطة الانقاذية، لا في السراي الحكومي ولا على منبر مجلس الوزراء، لا بل سترفع الاقتراحات والمشاريع على مراحل تبعاً لما يتمّ انجازه في مجموعات العمل ومع المؤسسات المعنية.
لكن الأكيد أنّ الرأي العام سيكون على بيّنة من كل خطوة سيتم اتخاذها، خصوصاً تلك التي تعتبر مفصلية، حيث سيتم تفنيدها وشرحها أمام الرأي العام لتبيان الحيثيات وراءها والمنافع التي ستحققها.
ويشيرون إلى أنّ الأولوية هي لملف المالية العامة بحثاً عن كل الصيغ المساعدة على اصلاح الخلل في الميزانية العامة من باب تخفيف العجز قدر الامكان، وليس عن طريق رفع نسبة الضرائب أو زيادتها وإنما من خلال تأمين موارد أخرى، كإقفال مزاريب الهدر ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي حيث من الممكن رفع منسوب ايرادات الخزينة من خلال معالجة هذا الخلل الذي يشكل مزراباً فاضحاً للهدر. ولهذا لم يطرح المشاركون بالطبخة الاقتصادية أي بند ضرائبي جديد، لا من باب رفع الضريبة على القيمة المضافة ولا غيرها.
بالتوازي مع هذا الملف سيكون ملف الكهرباء حاضراً بقوة لمعالجته بأسرع وقت كونه أكثر القطاعات استنزافاً للخزينة العامة. كما يتمّ البحث بملف الاقتصاد الكليّ الذي يهدف إلى تفعيل القطاعات الانتاجية، الصناعية والزراعية، والذي قد يطول البحث فيه أكثر.
وعلى سلّم الأولويات، يأتي القطاع المصرفي الذي قد تكون نتائجه آخر النتائج الملموسة، نظراً لكونه مرتبطاً بورشة الدين العام من جهة ومشاريع دمج المصارف واعادة هيكلتها. وهنا سيبدأ الحديث عن “الهيركات” ونسب الاقتطاع من الفوائد وسقوف الأرصدة. أما قبلها، فلن تغامر الحكومة وتفتح هذا الملف على مصراعيه لتحدد هوية المودعين الذين سيشاركون في الورشة الانقاذية وفقا لعدد “الأصفار” الملاصقة لحجم أرصدتهم، قبل الانطلاق بالخطة واختبار فعاليتها وتأثيرها على المالية العامة
Views: 1