أثقل تراجع مستوى خدمة الكهرباء كاهل عامة المزارعين، سواء من حيث الكمية أو الجودة، فبعد أن كان معظمهم ينعم بتشغيل الآبار الزراعية بالاعتماد على التيار الكهربائي النظامي لري المحاصيل على اختلافها، باتوا مضطرين لاعتماد المحروقات، لكن حتى هذه المادة لم يكن توفيرها بالأمر السهل عليهم، إذ إن الكميات المطلوبة بالسعر الرسمي غير متاحة بالكامل، ما يدفعهم لشراء بقية حاجاتهم من السوق السوداء برغم أن سعرها يصل أحياناً إلى ضعف أو ضعفي السعر النظامي، وهو أمر ليس بالهين بشكل عام، إذ تحتاج البئر الواحدة سنوياً إلى مبالغ تصل إلى ملايين الليرات لتشغيلها، ما يزيد الأعباء والتكاليف على المزارعين وينعكس سلباً على المستهلك لجهة تحمله أسعاراً مرتفعة للمحاصيل.
صحيح أن واقع الحال تغير إلى حدٍ ما في محافظة درعا بعد عودة كامل أرجائها إلى كنف الدولة، إذ تمت إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية وجرى تنفيذ المئات من طلبات الاشتراك في مراكز التحويل لمختلف الأغراض وعلى رأسها تشغيل الآبار الزراعية، لكن قلة الكهرباء والمحروقات مازالت تشكل الهاجس الأكبر لأصحاب الفعاليات الزراعية وغيرها، وهو واقع قد يطول انتظار تحسنه في ظل الحصار الجائر على البلاد، ما يقتضي ضرورة العمل على التحول إلى التغذية بالطاقة البديلة/ الشمسية، وهو أمر بدأ فعلاً في المحافظة بدافع ذاتي من بعض المزارعين، لكن هذا التحول حتى يتسع ويشمل معظم الفعاليات يحتاج تحفيزاً وتشجيعاً.
تسارع غير متوقّع
أشار عدد من المزارعين إلى أن واقع الكهرباء وقلة المحروقات وغلاء ثمنهما أمر أعياهم وتسبب في اختصار زراعة مساحات واسعة من الأراضي، وقلل الإنتاجية في وحدة المساحة، لعدم المقدرة على تحمل التكاليف اللازمة لري المحاصيل بشكل منتظم بالاعتماد على مصدري الطاقة المذكورين، وذكروا أن محاصيل المحافظة تشكل سلة خضر رئيسة للعاصمة والمنطقة الجنوبية وينبغي المساعدة في عمليات التحول إلى الطاقة البديلة لتشغيل مضخات آبار الري الغاطسة، واقترح عدد من الفلاحين أن يتم تحديد جهة عامة تقوم بتأمين التجهيزات اللازمة لاستثمار الطاقة الشمسية وتقديمها على شكل قروض للمزارعين بسداد ميسر ولأجل طويل يمكن تحمله، بينما أوضح آخرون أنهم تحولوا إلى تغذية مضخات آبارهم بالاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية، لافتين إلى أن التكلفة مرتفعة كثيراً وتصل إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية، لكن واقع الحال فرض تحملها ولو بالدين في ظل الظروف الراهنة، إذ إنها أمنت لهم التغذية الكافية بعيداً عن مشكلات وتكاليف الكهرباء والمحروقات، وعبر آخرون عن امتعاضهم من حالات السرقة التي تحدث للتجهيزات من لواقط ومحول جهد ومتممات أخرى، وهو أمر يدفع الكثيرين إلى التريث في التحول على الرغم من رغبتهم وحاجتهم إلى ذلك.
مطالب تستحق النظر
أشار عدد من المهندسين الزراعيين إلى أن الفلاحين في درعا باتوا يتقنون أساليب الزراعة ومعظمهم يطبق طرق الري الحديث بالرذاذ أو التنقيط، لكن تبقى العقبة في تكاليف الري الباهظة، وهنا يأمل الجميع إعادة تأهيل مشاريع الري الحكومية وخاصة محطات الضخ التي تروي آلاف الهكتارات وتشغيلها على الطاقة الشمسية، إذ إن المؤهل منها إما يعمل بأدنى طاقة، وإما لا يعمل بسبب التقنين الطويل وضعف شدة التيار الكهربائي، وعدم توافر مادة المازوت لتشغيل المولدات التي تغذي تلك المحطات، واقترحوا تشغيل الآبار العائدة لمديرية الزراعة بالطاقة البديلة لتحقيق الفائدة المرجوة منها وخاصة في منطقة الحزام الأخضر، مشددين على أن اعتماد التغذية بالطاقة الشمسية ينبغي أن ينسحب على مختلف القطاعات الزراعية وغير الزراعية وفي القطاعين العام والخاص.
سبّاقة في التحول
المهندس صالح المقداد رئيس دائرة التخطيط والإحصاء في مديرية زراعة درعا أوضح أن المساحة المخططة على الآبار الزراعية تبلغ 12767 هكتاراً معظمها مزروعة بمحاصيل القمح والبندورة والبطاطا إضافة إلى محاصيل أخرى من مختلف الخضر الصيفية والشتوية، مبيناً أن عدد الآبار المرخصة في المحافظة يبلغ 3592 بئراً وهناك نحو 3000 بئر أخرى محفورة بحاجة إلى تسوية، ولجهة اعتماد التغذية بالطاقة الشمسية أكد المقداد أن محافظة درعا سباقة في هذا المجال وبدافع ذاتي من المزارعين، مبيناً أن تكلفة التحول لا شك في أنها مرتفعة لكن بإمكان المزارع تعويضها خلال عامين أو ثلاثة حسب نشاطه الزراعي، وذلك التعويض يأتي من توفير قيم المازوت والكهرباء، أي بعد مرور نحو العامين تصبح تجهيزات التحول رأسمالاً ثابتاً ولا تحتاج سوى بعض الصيانات، وشدد على ضرورة تحفيز المزارعين في عملية التحول على أمل إقبالهم على القروض من المصرف الزراعي الخاصة بذلك.
تنتج 6 ميغا واط
المهندس منير قاسم- رئيس دائرة مراقبة الشبكات في الشركة العامة لكهرباء درعا يرى أن التوجه لاستخدام مصادر الطاقات المتجددة ازداد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ نتيجة النقص الحاصل في توريد الوقود (فيول، غاز) المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، ونتيجة للاعتداءات على المنظومة الكهربائية، إذ أدى ذلك إلى تكرار الأعطال وزيادة ساعات التقنين وتوقف العملية الإنتاجية، بالتوازي أيضاً هناك تكاليف مرتفعة للتجهيزات الكهربائية وتكلفة إنشاء شبكة التوتر المغذية لأي منشأة وكذلك ارتفاع أثمان فواتير الكهرباء، من هنا كان لابد من السعي لإيجاد بديل ورديف لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولما كانت بلادنا من الدول المشمسة معظم أوقات العام فقد لجأ الكثير من المواطنين لاستخدام الطاقة الشمسية كرديف وأحياناً كبديل كامل للطاقة الكهربائية، لأنها طاقة مجانية ونظيفة ومتوافرة بشكل كبير وتؤمن استمرارية في الإنتاج على الرغم من التكلفة التأسيسية المرتفعة نوعاً ما مقارنة مع تكلفة إنشاء مركز تحويل بالاستطاعة نفسها، لكن هذا الفارق في التكلفة يعوض ويسترد خلال فترة قصيرة من خلال توفير قيمة فواتير الكهرباء.
وأضاف القاسم: إن الحكومة دعمت هذا التوجه وشجعت على إقامة المنظومات الشمسية سواء بهدف بيع الكهرباء أو بهدف تشغيل مستلزمات الإنتاج، من خلال تذليل جميع العقبات وإيجاد التشريعات والقوانين والآليات الناظمة لعمل مثل هذه الاستثمارات، وتقديم المشورة الفنية والهندسية وتأمين القروض المالية وخاصة للمزارعين ومن ثم شراء المنتج الكهربائي أو الفائض عن الحاجة بأسعار تشجيعية.
و لفت إلى أنه من خلال الجولات الميدانية في محافظة درعا لوحظ وجود عدد كبير من المزارعين الذين لجؤوا إلى استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات رفع المياه، وتقدر الاستطاعة المنتجة من هذه المنظومات الشمسية ما يقارب ٦ ميغا واطات تغذي تقريباً ٤٠٠ بئر مياه، الأمر الذي يساهم في تخفيف الطلب على الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة ويجنب المزارعين ساعات التقنين الطويلة والأعطال المتكررة ويوفر لهم استمرارية الإنتاج ويخفض تكاليفه.
التمويل موجود
ذكرت مصادر فرع المصرف الزراعي في درعا أن هناك تمويلاً لشراء وتركيب تجهيزات توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة /الشمسية/ من لواقط وبطاريات ومحول وتوصيلات وجهاز منظم والقاعدة الحاملة للواقط بقروض طويلة الأجل ضمن جدول الاحتياج المعمول به لدى المصرف الزراعي وبنسبة 70% من قيمتها، إذ يتم تقديم طلب يتضمن اسم الشركة التي يرغب الزبون في شراء التجهيزات منها، وإرفاق عرض سعر يحدد فيه النوع والمواصفات وصورة عن السجل الصناعي للعارض، وشهادة المنشأ والبيانات الجمركية للتجهيزات المستوردة مع بيانات التكلفة مع تقديم ضمانة عينية تغطي قيمة القرض.
العامة لم تتحول!
رئيس دائرة الطاقة في مديرية زراعة درعا- المهندس جمال البرماوي ذكر أنه لا تتم حالياً تغذية أي آبار تعود للمديرية بالطاقة البديلة /الشمسية، علماً أن هذه الآبار تقع في المناطق الحدودية، وهي غير مزودة بالطاقة الكهربائية لبعدها عن الشبكات، وتكاليف عملية تزويدها بالكهرباء هائلة جداً إذ تحتاج بنية تحتية من أبراج وأمراس ومحولات وهي تشكل عبئاً مالياً على مديرية الزراعة من الجهة المادية وكذلك تشكل عبئاً على شركة الكهرباء ضمن الظروف الراهنة فهناك قلة في المواد المطلوبة لديها.
وبيّن أن الحل البديل والأمثل هو حين تتوافر الظروف الملائمة بالتغذية بالطاقة الشمسية ولو أن التكلفة عالية في البداية، لأنه يمكن تعويضها خلال سنتين أو ثلاثة من توفير قيم فواتير الكهرباء المترتبة على الاستهلاك أو قيم مادة المازوت اللازمة لتشغيل المولدات في حال اعتمادها.
وأشار إلى أن مديرية زراعة درعا قيد دراسة مشاريع مستقبلية من أجل تغذية الآبار العائدة لها والبالغة 40 بئراً بالطاقة البديلة لاستثمارها بري الزراعات الموجودة في منطقة الحزام الأخضر ودرعا والسُّماقيات والطيبة والجيزة وكحيل وغيرها، وخاصة أن هذه الآبار تغذي مشاريع المزارعين مجاناً في تلك البلدات انطلاقاً من دعمهم وتحفيزهم على تحسين الغطاء النباتي وتحسين الإنتاج الزراعي، وهي الآن ونتيجة ظروف الحرب متوقفة عن العمل لعدم توافر الكهرباء وحاجتها إلى مولدات ومحروقات يصعب تأمينها في الظروف الراهنة، أما بالنسبة للفعاليات الزراعية الخاصة وعلى رأسها الآبار الزراعية فإن الحل الأمثل هو استمرار التحول إلى الطاقة البديلة، علماً أن المزارعين في المحافظة ومن منطلق ذاتي أخذ الكثير منهم باعتماد الطاقة البديلة لتشغيل آبارهم الزراعية، وفي مقدمة المناطق التي تشهد هذا التحول نوى وطفس وداعل وإنخل وغيرها، وكان دافعهم إلى ذلك الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وضعف شدته وعدم انتظامه إضافة إلى ندرة المحروقات وغلاء أثمانها في السوق السوداء.
وأشار إلى الحاجة إلى تشجيع الإقبال على قروض تمويل التحول من خلال تبسيط إجراءات منحها وتيسير قيم ومدد سدادها من المصرف الزراعي، انطلاقاً من أن عملية التحول للطاقة البديلة تعد ذات جدوى اقتصادية عالية مقارنة مع تكاليف التيار الكهربائي النظامي ومع تكاليف المحروقات اللازمة لتشغيل مولدات الآبار الزراعية.
تأجير مجموعات
وكانت إحدى الفعاليات العاملة بتركيب تجهيزات التحول إلى الطاقة البديلة /الشمسية كشفت أن هناك إقبالاً لافتاً في الفترة الأخيرة على التحول، والعملية تكون بتركيب مجموعة تجهيزات من ألواح لاقطة لأشعة الشمس بمقاسات مختلفة الاستطاعة مع جهاز تحويل رئيس (إنفيرتر) إضافة إلى قواعد ثابتة أو متحركة آلياً حسب اتجاه الشمس، وكذلك منها ما هو مقطور إذ يتم جلبها أثناء عملية السقاية ومن ثم إعادتها ضماناً لعدم العبث بها أو سرقتها، علماً أنه توجد حالياً شركات محلية تصنع تلك التجهيزات وهي ذات جودة ومجربة على الواقع، كاشفاً أن تكلفة التحول لتغذية مضخة غاطسة بقوة 30 أو 40 حصاناً تبلغ نحو 12 مليون ليرة سورية، والمردود قياساً للتشغيل بالكهرباء النظامية أو بمادة المازوت يعادل ما نسبته 80% وهي نسبة جيدة وتغطي حاجة المزارعين من ساعات الضخ وري المزروعات.
وبينت مصادر الفعالية أن النسبة الأكبر في تحول الآبار الزراعية للتغذية بالطاقة الشمسية تتركز حالياً في مناطق مثل داعل وطفس وإزرع والشيخ مسكين، مبينةً أن بعض المستثمرين يقومون حاليا بتأجير مجموعات لواقط كاملة مدة 8 أشهر أي لموسم زراعي كامل بأجر شهري يبلغ للمجموعة بين 350 و400 ألف ليرة.
الحد من استنزاف المياه
رئيس دائرة الإرشاد الزراعي في مديرية زراعة درعا- المهندس محمد الشحادات أوضح أنه فيما يتعلق بزيادة المساحة المروية وتأمين الاعتماد على الذات ينشط كادر الإرشاد الزراعي في تشجيع المزارعين على التحول لاستخدام الطاقة البديلة (الشمسية) انطلاقاً من توفير مستلزمات الإنتاج (المحروقات) وندرة وجودها في حين تبلغ أيام السطوع الشمسي خلال العام قرابة 10 أشهر، أي العمل طوال الموسم الزراعي وخلال اليوم قرابة 15 ساعة، مؤكداً أن نسبة الآبار المحولة في منطقتي داعل وطفس بلغت قرابة 60% من مجمل عدد الآبار العاملة فيهما، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى الحفاظ على الثروة المائية وعدم استنزافها قياساً بالآبار المشغلة بالاعتماد على المحروقات التي تعمل طوال 24 ساعة، بينما الآبار العاملة على الطاقة الشمسية تعمل قرابة 14 ساعة في اليوم كحد أعلى، وهذا الأمر مهم جداً في جدولة الري والري ضمن المقنن المائي، مبيناً أن الدفع باتجاه التحول إلى الطاقة الشمسية يعد من صلب مهام الإرشاد الزراعي لما لذلك من منعكس ايجابي في زيادة المساحات المزروعة والحفاظ على الموارد المائية ورفع العبء عن المنظومة الكهربائية والتقليل من استهلاك المحروقات.
ولفت الشحادات إلى أنه قياساً إلى معامل الري الحديث المنشأة لتأمين مستلزماته والعائدة للقطاع العام والمشترك، فإنه ينبغي التوجه نحو تشغيل معامل قطاع عام ومشترك لتأمين مستلزمات اللواقط الشمسية والتجهيزات عن طريق الدولة، حفاظاً على المواصفات القياسية وتحفيزاً للاستثمار في هذا المجال وتشجيع المنافسة وعدم الاقتصار على القطاع الخاص لتأمين هذه التجهيزات.
في المحصلة
يبرز مما سبق أن هناك حاجة لتقديم تجهيزات التحول من المصارف الزراعية وتسديد قيمتها من المستفيدين بالتقسيط المريح، بالتوازي مع ضرورة قيام جهات معنية مختصة بإعداد دراسات فنية للتحول إلى الطاقة البديلة على أن تحقق أفضل جدوى بأقل التكاليف وتكون جاهزة للاعتماد ومتاحة مجاناً لكل من يرغب في التحول للعمل بالطاقة البديلة، ومن الأهمية بمكان تحفيز الفعاليات غير الزراعية على ذلك، مثل المعامل والحرف لما لذلك من مردود كبير، ولا بأس في التشاركية في هذا المجال بين عدة حرف ضمن المنطقة الصناعية الواحدة، إذ تتوزع التكاليف وتكون المنفعة أشمل.
Views: 2