ترجمة: لينا جبور
المصدر: المجلس الأطلنطي (The Atlantic Council)
الكاتب: ماثيو آيتون (Matthew Ayton)
تاريخ: 23 آذار/مارس 2020
تركّز الاهتمامُ الدوليُّ في الأسابيع الأخيرة على سورية وعلى محافظة إدلب شمال غرب البلاد والمناطق المحيطة بها. وقد كانت هذه المنطقة من دون شك منذ كانون الأول/ديسمبر2019 محط الانتباه، عندما دفع تقدم الجيش السوري وحلفائه ما يزيد عن مليون شخص من النازحين شمالاً نحو حدود تركيا هرباً من منطقة الحرب. كان الجيشُ السوريُّ وحلفاؤه يتقدّمون من الجنوب والشرق.
ونتيجةً لذلك، يتردّد صدى الوضع في إدلب خارج حدود المحافظة، ليعيد تشكيل الديناميكيات الاستراتيجية لساحة المعركة وحسابات صنع السياسة من قبل الجهات الحكومية الرئيسة وغير الحكومية تجاه المجالات الأخرى للصّراع. تبرز أهم المخاوف التي تثير قلق الولايات المتحدة على وجه الخصوص في ازدياد ظهور الإشارات الدَّالة على التقارب المحتمل بين “قوات سوريا الديمقراطية” بقيادة الأكراد –شركاء واشنطن في الحرب ضد “داعش”– وروسيا. وبالفعل، تبرز احتمالية التعاون بين هذين الطرفين شيئاً فشيئاً من شعور مشترك بالضرورة الاستراتيجية، وتبدو الآن أكثر احتمالًا بعد إطلاق عملية “درع الربيع” التركية في 1 آذار/مارس.
تملك “وحدات حماية الشَّعب” الكردية (YPG) تاريخاً من العمل الانتهازيّ مع الجيش السوريّ وفق ما تقتضي العمليات العسكرية، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأنَّ التحول النوعي في العلاقات قد يكون قائماً. وتأكيداً لذلك، أخبرنا جنرال من “وحدات حماية الشعب” أنه نظراً للتطورات الأخيرة، «هناك أشياء كثيرة نعمل عليها مع الحكومة السورية وروسيا. وسيكون هناك في المستقبل نجاحٌ كبير بيننا». منذ أن منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنقرة تفويضاً مطلقاً لمهاجمة القوات الكردية في تشرين الأول/أكتوبر 2019 عندما أعطى الأوامر بإعادة نشر القوات الأمريكية بعيداً عن شمال شرق سورية، يقال: إنَّ قيادة “وحدات حماية الشعب” تعيد تقييم الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتها مع واشنطن التي لا يمكن الاعتماد عليها بشكل متزايد، وتتطلع إلى زيادة تنويع محفظتها من الشركاء الدوليين، مع التركيز على تعزيز العلاقات مع روسيا.
بعد ذلك التدخُّل التركي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 –عملية “ربيع السلام”– أبرمت “وحدات حماية الشعب” صفقة مع روسيا والحكومة السورية تسمح لهما فيها بنقل قواتهما إلى مناطق كانت تحت سيطرة الأكراد لردع تركيا وقواتها التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” من التقدم أكثر نحو الأراضي الشرقية من الفرات. ومع ذلك، لا تنتهي المناقشات والاتفاقيات بين قيادة “وحدات حماية الشعب” التابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” ومحور سورية-روسيا عند هذا الحدّ. أكّد الجناح السياسي لـ “قوات سوريا الديمقراطية SDF” أنه يشارك في مناقشات مع موسكو حول شروط أي مصالحة مستقبلية مع الحكومة السورية.
هذا، ولإبراز التنسيق المحتمل بين “وحدات حماية الشّعب” ومحور سورية-روسيا، قال مصدرٌ كرديٌّ لصحافيّ تركيّ: إنَّ التعاون مع روسيا و”النظام” السوري مستمرٌ، وإنَّ “وحدات حماية الشعب” تتوقع أن تكون هذه الأطراف على دراية بأنه لا غنى عن الأكراد في القتال من أجل استعادة عفرين من عناصر “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، بعد قيامها باحتلال تلك المنطقة منذ 2018. في حين أن هذا لم يحدث بعد، ويعزى ذلك على الأرجح، لأن روسيا لا تزال حذرة بشأن العمل علانية مع “وحدات حماية الشَّعب” لتجنب غضب تركيا. تم في الحقيقة تداول تلك المناقشات ومن المرجح إعادة النظر فيها، وستشكل هذه نقطة قلق بالنسبة لواشنطن.
علاوة على ذلك، ظهرت تقارير بالفعل تشير إلى أنَّ “وحدات حماية الشعب” قاتلت مع القوات الموالية للدولة السورية في غرب حلب ضد القوات المدعومة من تركيا، رغم نفيها ذلك. في الواقع، ووفقاً لتقارير أخرى، فقد حذرت الولايات المتحدة “وحدات حماية الشّعب” من تجنب القتال جنباً إلى جنب مع “النظام” السوريّ ضد المصالح التركية في إدلب وعفرين، وقالت: إنه إذا فعلت ذلك، فلا يُتوقّع الحصول على الدعم الأمريكيّ. ومع ذلك، يبدو أن التعاون الأوثق بين “وحدات حماية الشعب” ومحور سورية-روسيا حاضرٌ ولم ينقطع، ويعتمد بشكل كبير على شكل التوترات بين موسكو وأنقرة في إدلب.
في حين ينظر الرئيسُ الروسيُّ فلاديمير بوتين دائماً لتركيا كجائزة أكبر كونها جزءاً من استراتيجيته في زرع الانقسامات بين أعضاء الناتو، في سياق مزيد من التدهور في العلاقات حول إدلب، قد يثبت الأكراد أنهم أداة مفيدة لزيادة الضغط على أنقرة. قد تصاحب هذه الخطوة سياسات إغلاق المجال الجويّ مرَّة أخرى فوق عفرين ومناطق درع الفرات وتخفيف القيود المفروضة على وجود “وحدات حماية الشعب “على طول الحدود الشمالية الشرقية لسورية التي وافق عليها بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكتوبر 2019. قال عضو بارز في المجلس الوطني الكُردي المعارض في المناقشات الأخيرة، إن لديه سبباً قوياً يدفعه للاعتقاد بأنه إذا بدأت تسوء العلاقات بين تركيا وروسيا مرة أخرى، فسوف تجَدُ موسكو في استكشاف جدي للطرق التي يمكن بها “استخدام” “وحدات حماية الشعب” كأداة للضغط على أنقرة للتراجع.
قد يرى بعضهم أن هناك إمكانية لزيادة التعاون الاستراتيجي بين “وحدات حماية الشعب” وروسيا والأسد، وهذا يدل على العيوب المتأصلة في نموذج عمليات الولايات المتحدة في القتال على نحو مباشر أو غير مباشر إلى جانب ممثل محليّ غير حكومي مثل “قوات سوريا الديمقراطية” بقيادة “قوات حماية الشَّعب”. قد يجادل هؤلاء النقاد بأنه لا يمكن وصف العلاقة مع هؤلاء الشركاء المحليين إلا بالمعاملات أو الصفقات قصيرة المدى، وأنه كان من المحتم أن تستمر “قوات سوريا الديمقراطية” في متابعة اتفاقيات المصالحة مع “النظام” السوري ووساطة روسيا في محاولة لتأمين بعض مصالحها المحلية على الأقل، ناهيك عن تجنب المواجهة العسكرية المحتملة. ومع ذلك، تنظر فواعل السياسة –من الدولة ودون الدولة– إلى مصالحها الخاصّة بصفتها موضوعاً بدْهيّاً ومسلّماً به. التزمت “قوات سوريا الديمقراطية” بشراكتها مع الولايات المتحدة بصفتها راعياً لحملة شرسة استمرت سنوات طويلة ضد “داعش”، وضحّت نتيجة لذلك بنحو 1000 من مقاتليها. في نهاية المطاف، كان تخلي الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 عن “قوات سوريا الديمقراطية” و”نهجها الاستراتيجي” تجاه مناطق شرق الفرات، وفعلياً في الحرب السورية الأوسع، هو الذي سرّع بانجراف “قوات سوريا الديمقراطية” نحو مدار روسيا-الأسد.
كما أنّه وفقاً لقول الجنرال نفسه لنا في إشارة إلى تسهيل الرئيس ترامب عملية “ربيع السَّلام” التركية نحن «لا ننكر النجاح الذي حققناه [ضد “داعش”] بفضل الأمريكيين، ولكن فشل كل شيء بيننا في الآونة الأخيرة، والأهم من ذلك أنهم خذلونا في المجال الدولي». وأضاف: «ليس هناك ثقة مثل السابق». ومن باب التكرار: في سياق الثقة المتضائلة يمكن فهم مغازلات “قوات سوريا الديمقراطية” بقيادة “قوات حماية الشعب” لروسيا والأسد. ثم كانت المفاجأة التي أعلن بها ترامب قرار إعادة النشر وتفويضه اللاحق الممنوح للقوات الأمريكية “لحماية النفط”، جعل “قيادة قوات سوريا الديمقراطية” تشعر بأنه يمكن إعلان الانسحاب الأمريكي النهائيّ من جانب واحد من قبل الرئيس الأمريكي الزئبقي في أي يوم، وبخاصّةٍ مع احتدام النزاع في إدلب. كما أوضح الجنرال، «لا يوجد حل بالنسبة لنا، ونحن بحاجة إلى وجود قوة دولية داعمة لنا، وهذا هو السبب في أننا نجري اتفاقيات مع الأسد وروسيا». ومع ذلك، يجب الاعتراف. فبعد كلّ شيء، لا تزال “قوات سوريا الديمقراطية” تشارك في عمليات مناهضة لتنظيم “داعش” مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية، وبالتحديد في أقصى شرق سورية.
ومع ذلك، في مواجهة الأسئلة المتزايدة حول التزام الولايات المتحدة المستمر، وقابلية مشروع SDF على المدى الطويل، والتحوط من المخاطر وحساب الأسد لها الذي لا مفر منه، فمن المنطقيّ أن تسعى “وحدات حماية الشعب” لتكون تحت ظلّ روسيا، صاحبة النفوذ السياسي في سورية لسنوات عديدة قادمة. ومع ذلك، حتى يتمكن الأسد وروسيا من تغيير الإدارة الذاتيّة بالكامل –أو الجمع وتحسين العلاقة بين الاثنين برفق عن طريق المفاوضات– قد ينشأ ترتيب تتمتع فيه الحكومة السورية بدرجة من “السيطرة السيادية الاسمية”؛ بينما تحصل “قوات سوريا الديمقراطية” على جزء كبير من هياكلها السياسية والأمنية. قد يكون هذا في الوقت الحالي على الأقل، هو أفضل الخيارات السيئة لكل من “قوات سوريا الديمقراطية” وروسيا، وكونه على وجه الخصوص، قد يساعد في إحباط تدخل تركي آخر يذكرنا بتدخل تشرين الأول/أكتوبر 2019 وإعطاء الانطباع بأنَّ السيادة السورية قد عادت –وهي نتيجة لصالح كلا الطرفين.
وصف أحد كبار المسؤولين السابقين في البنتاغون الذي شارك كثيراً في العمل مع “وحدات حماية الشعب” موقفها مؤخراً لنا: «لقد نجت “وحدات حماية الشَّعب”، وقد أصبحت في مكان حيث يتعين عليها العمل على مجموعة متنوعة من العلاقات لتستمر على قيد الحياة وعلى أمل دمجها في بعض عمليات السَّلام المستقبلية». ومع ذلك، فإنَّ تناقضات السياسة الروسية في منطقة نهر الفرات، حيث يجب أن تساير مخاوف أنقرة بشأن “وحدات حماية الشعب” من جهة، بينما تحاول تسهيل التقارب بينها وبين الحكومة السورية المصممة على استعادة السيادة الكاملة من جهة أخرى، تترك مساحة يمكن أن تستغلها الولايات المتحدة لإعادة تأكيد نفسها. ومع ذلك، يعتمد هذا إلى حدٍّ كبير على ما إذا كان الرئيس الأمريكي –سواء أكان جمهوريّاً (ترامب)، أم ديمقراطيّاً– يملك الإرادة للقيام بذلك.
مركز دمشق للابحاث والدراسات – مداد
Views: 3