مركز دمشق للابحاث والدراسات – مداد
اتخذت الحكومةُ السوريّةُ الإجراءات الاحترازيّة والوقائيّة كافّةً لمواجهة جائحة كورونا، إذ خصصت لذلك تمويلاً بلغ (100) مليار ل.س. كما أنَّها نفذت كثيراً من الإجراءات والتدابير الصحية في المؤسسات الحكومية والخاصة؛ ذلك عن طريق تخفيض نسب وعدد العاملين إلى أدنى نسبة أو معدّل ممكن، وتنفيذ شبه إغلاق لبعض المؤسسات غير الحيوية (البسيطة)، وأغلقت المدارس والجامعات والمعاهد ومراكز التجمعات، وأبقت على نسبة دوام منخفضة بالحدِّ الأدنى للقيام ببعض الخدمات والعمليات، تحديداً في القطاع المالي والصحي والإعلامي، إضافة إلى حظر تجوال بين المدن وأريافها وبين مختلف المحافظات السورية.
تُعَدُّ الإجراءات التي قامت بتنفيذها الحكومة السورية لمواجهة كورونا ضرورية واستراتيجية، وتندرج بصورةٍ أو بأخرى في نطاق الاستجابة السورية للخطة وللاتفاقيات والبروتوكولات الوطنية السورية والدولية، ولا يمكن تجاهل ما يجري على المستوى الدوليّ، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
إنَّ وجه الخطورة كما تُبيّن المعطيات لا يكمنُ في استحالة النجاة من فيروس كورونا، بل يكمن في عدم القدرة على استيعاب أعداد كبيرة من المصابين به في حال انتشاره في سورية، وقد بينت التجربة السورية إمكانية التعامل مع هذا الوباء بأعداد ونسب معينة، إذ إنَّ سورية تعيش حرباً وعقوبات دولية ظالمة أضعفت كثيراً قدرة الدولة، وقلّلت من قدراتها وأثّرت بصورة كبيرة في إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية والطبية والصحية والمالية، مع الأخذ بالحسبان أنَّ سورية كانت تُعد في طليعة الدول المتوسطة التنمية الأكثر التزاماً بالبروتوكولات الصحية العالمية.
خصوصية الوضع الماليّ والاقتصاديّ السوريّ
•إذ إنَّ الوضع الاقتصادي والمالي للدولة والمواطن يُعَدُّ متردياً، فالعُجوز المالية والاقتصادية للدولة السورية ستتزايد بصورةٍ دراماتيكية في الأشهر القادمة، جراء تسبب الحرب بتعطيل الكثير من المرافق والبنى الإنتاجية والخدمية، وتزايد الحاجة للإنفاق الحكوميّ لأغراضٍ مختلفة، في الوقت الذي يلتهم فيه التضخم وغلاء الأسعار دخول المواطنين، ما انعكس بصورة سلبية جداً على القوة الشرائية للأجور والمرتبات، ثم جاءت مفاعيل وباء كورونا والإجراءات الوقائية المتخذة، لتصب الزيت على النار، إذ أسهمت في توقف العمل لمعظم الشرائح والمكوّنات الاجتماعية، لكن الأكثر تأثراً هم العمال المياومون.
•أما على مستوى الإيرادات، فإنَّ الإجراءات والقرارات الحكوميّة المتخذة لمواجهة أزمة كورونا تسببت في الانخفاض الكبير لإيرادات الدولة الطبيعية، الآتية عن طريق (الضرائب والرسوم وفوائض مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، وإيرادات تأجير واستثمار أملاك الدولة).
•سيتأثر القطاع الماليّ بصورة ملحوظة بتوقّف عمليات الإقراض والتمويل وتقديم التسهيلات المالية والكفالات، وتوقُّف إيرادات الأقساط المستحقة الدفع جراء التأجيل لمدة ثلاثة أشهر، في الوقت الذي تدفع فيه المصارف فوائد مالية على مليارات المبالغ المودعة في البنوك العامة.
•لا تقتصر مفاعيل تأثير إجراءات مواجهة كورونا على التأثير الناجم عن توقف المؤسسات الإنتاجية والخدمية العامة والخاصة. فالتأثير والتأثر ينسحبان على قطاعات حيوية أخرى كالتربية والتعليم، إذ يواجه الطلبة السوريون حالة من الغموض وعدم الوضوح لما ستؤول إليه أوضاعهم الدراسية والامتحانية.
•إن استمرار توقف عجلة النشاط الاقتصاديّ سيُدخل الاقتصاد السوريّ بحلقة انكماش اقتصادي حاد قد تترتبُ عليها نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية مربكة، وقد تنفتح على احتمالات لا يمكن ضبط مفاعيلها.
•إنَّ معطيات الوضع الماليّ والمؤشرات المالية والنقدية والاقتصادية تؤكد أنّه لا يمكن الانتظار طويلاً، إذ إنَّ استمرارَ انخفاض الإيرادات سيضع الحكومة السورية في مواجهةٍ مع استحقاقات مالية ومعيشية وتمويلية خطيرة جداً ستلقي بتبعاتها على الدولة والمجتمع لا يمكن تجاهلها ولا احتواء مفاعيلها. وستجد الحكومة السورية نفسها أمام خيار اللجوء إلى مصدر تمويل وحيد (أصبح خطيراً وكارثيّاً في الحالة السورية الراهنة)، وذلك كرافعة لتحريك عجلة الاقتصاد السوري.
•قد تمتد أزمة كورونا إلى منتصف أشهر الصيف أو إلى بعدها بقليل كما تتحدث بعض المصادر الدولية، والاقتصاد السوري والوضع الاقتصادي والاجتماعي في سورية لا يساعدان في الانتظار، ولا يحتملان ذلك، ما يتطلب من الحكومة السورية تنفيذ الآتي:
إجراء تقييم كميّ وكيفيّ شامل للوضع الصحيّ وطبيعة المخاطر ومصادر التهديد المحتملة.
تصنيف المخاطر ومصادر التهديد ليُبنى على التقييم والمخاطر مقتضى السياسات.
الاستجابات الممكنة
في حال تمَّ تصنيف/تقييم المخاطر بمستوى وسط وأقل وهو ما تبينه المؤشرات والمعطيات، يمكن للحكومة السورية أن تتخذ خياراً سياساتياً يتضمن الأخذ بمسارين متلازمين اثنين:
الأول: مسار استمرار الجاهزية الطبية والصحية
1.تكثيف عمل الحكومة السورية لتأمين كامل المستلزمات الطبية والصحية والإجرائية.
2.تأمين مستلزمات العلاج الإسعافية والعلاجية، عن طريق الأصدقاء والحلفاء وعن طريق السوق الداخلية (ما يمكن أن يتوافر)
3.الاستمرار في عملية تجهيز مراكز حجر واستشفاء بصورة دائمة في جميع المحافظات السورية.
4.الاستمرار في تنفيذ حملات التنظيف والتعقيم ومنع التجمعات، مهما كان السبب ولمختلف أنواع الطقوس والمناسبات أياً كان نوعها.
الثاني: مسار استئناف متدرج للنشاط العام والخاص
يمكن أن تُعِدَ الدولة خطة سريعة لاستئناف دورة الحياة والنشاط الاقتصادي في سورية بصورة طبيعية، ويتم ذلك عن طريق استصدار حزمة من القرارات الحكومية قبل نهاية الشهر الحالي (شهر نيسان/أبريل) تتضمن الآتي:
1.استصدار قرارات تتضمن عودة المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية الحكومية الرابحة إلى العمل واستئناف نشاطها التقليديّ والطبيعيّ.
2.استصدار قرارات تتضمن بداية فتح المدن الصناعية والمراكز المهنية والحرفية وورشات العمل والصيانة.
3.عودة النشاط المصرفي واستئناف تلقي طلبات القروض وعمليات المنح.
4.استصدار قرارات على نحوٍ يسمح لسائقي التاكسي والسرفيس باستئناف العمل.
5.إنهاء العام الدراسي للصفوف الانتقالية بأي طريقة تجدها الحكومة السورية مناسبة، سواء أكان ذلك بنموذج سوري خاص، أم بتطبيق نموذج لدولة أخرى مماثلة. وتحضير المراكز الامتحانية للشهادتين الإعدادية والثانوية، وهنا يمكن التوسع بعدد المراكز تجنباً للازدحام.
6.إلغاء حظر التجوال (أو تخفيفه) والتنقل المفروض بين الريف والمدينة وبين المحافظات السورية، مع تنفيذ حملة إعلامية واسعة تطالب بعدم تجوال من ليس له حاجة معيّنة أو مهمة عمل أو خدمة.
7.الاستمرار بالعمل بالإجراءات الوقائية، التي اتخذتها الحكومة في مجال إدارة سوق السلع والخدمات، التي تقدم عن طريق الدولة كالخبز والغاز وبعض السلع الاستراتيجية في سلة المستهلك.
8.الاستمرار في عملية إغلاق الحدود أمام القادمين عبر الحدود البرية والجوية والبحرية لغير السوريين، أما بالنسبة للسوريين القادمين، يمكن إدخالهم وإحالتهم بصورة مباشرة إلى مراكز الحجر الصحيّ، وإجراء الفحوصات اللازمة بصورة إلزامية.
Views: 8