لم تتوقف الحرب الأميركية على لبنان لاستهداف المقاومة منذ ثلاثة عقود مع تغير الوسائل والأدوات بحسب طبيعة كل مرحلة وظروفها وموازين القوى الحاكمة. لكنها استعرت خلال العام الماضي في ظل توجه الإدارة الأميركية الجديدة خصوصاً بعدما رفض المسؤولون اللبنانيون التنازل لواشنطن و«تل أبيب» في الملفات السياديّة لا سيما في ملف الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة. أما أداة الحرب الجديدة فهي الدولار الذي بات الحاكم الفعلي للمعادلة الاقتصادية والنقدية والسياسية الداخلية ويحدّد مسار الأحداث ومصير الحكومة والبلد ككل.
فلم يجد المتخصّصون في الشأن المصرفي والمالي والنقدي أي سببٍ علمي لوتيرة ارتفاع سعر صرف الدولار وفي يوم واحد، رغم المؤشرات الاقتصادية والمالية التي تُنذِر بانهيار مالي وشيك وكبير إذا لم تبادر الحكومة الى اعلان خطتها الإصلاحية بأسرع وقت.
فبعد التعاميم المتلاحقة المشبوهة التي وضعها حاكم البنك المركزي رياض سلامة في التداول، شهدت سوق الصرف ارتفاعاً مفاجئاً وقياسياً في الطلب على الدولار وصل الى 50 مليون دولار خلال ساعات، قال عنه الخبراء إنه طلب مقصود ومفتعل من جهات مالية ومصرفية نافذة لرفع سعر الصرف. ففجأة تبخّرت الدولارات من السوق حتى من شبابيك الصرافين الذين يرفضون بيع الدولار حتى على سعر 4000 ليرة ما يفسّره الخبراء بأن هناك توجهاً لدى كل مَن يملك الدولار للاحتفاظ به تحسباً لارتفاع سعره في الأيام المقبلة فيبيعه بثمن أعلى وإما خوفاً من ارتفاع جنوني بأسعار السلع الغذائيّة الأساسيّة. مع توقع أكثر من نائب بلوغ الدولار 5000 ليرة منتصف الأسبوع الحالي.
فهل أُعطي الضوء الأخضر الأميركي لتفجير الساحة الداخلية؟
بحسب مصادر حزبيّة، فهناك جهات سياسية مالية داخلية – خارجية تقود «حرب الدولار» على لبنان في إطار خطة قديمة جديدة لقلب المعادلة الداخلية عبر إشعال انتفاضة شعبية في وجه الحكومة تكون المقاومة أول المتضررين منها وذلك استكمالاً لانتفاضة 17 تشرين الماضي التي شكلت «مسمار» المؤامرة الأول على لبنان. فالخطة تجويع بيئة المقاومة وجمهورها حتى لو جاع كل اللبنانيين بعدما كان الاستهداف يقتصر على بيئة المقاومة فقط في السنوات الماضية.
فالمعلومات تفيد بأن دوائر القرار في الولايات المتحدة الأميركية وبعد دراسة نتائج «ثورة» 17 تشرين، توصلت الى قناعة بأن أفضل الأسلحة لمواجهة حزب الله وحلفائه هي الحرب الاقتصادية المالية وتفجير الشارع اللبناني وإحداث فوضى شعبية تدفع بالقرار الرسمي اللبناني لتقديم تنازلات في أكثر من ملف سيادي. وتشير المصادر الى أن عناصر اللعبة الداخلية معقدة ومتداخلة داخلياً وخارجياً وسط انقسام داخلي كبير وتقصير الحكومة حتى الآن بضبط الدولار ووضع الخطة المالية والاقتصادية موضع التنفيذ.
ولا بدّ من الإشارة الى موقف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال بصراحة إن مشكلة اللبنانيين هي سلاح حزب الله.
وبحسب مصادر «البناء» فإن لبنان في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم وعليه أن ينتظر انجلاء الموقف الإقليمي والدولي ولا بديل عن الحكومة الحالية في الأمد المنظور. فالرئيس سعد الحريري غير جاهز للعودة الى السرايا الحكومية رغم عودته الى لبنان وفتحه الحرب السياسية والإعلامية وفي الشارع على الحكومة، لكن ذلك يهدف الى حماية مواقعه في الدولة وتنفيذ التوجه الأميركي الجديد بمواجهة أي إرادة حكومية جديدة لتغيير المعادلة الداخلية بغير صالح المصالح الأميركية والمنظومة السياسية والمالية التابعة لها.
وبحسب المعلومات فإن الخطة الأميركيّة المقبلة هي الاستثمار السياسي للوضع الحالي المتأتي من سياق تراكمي كبير من أخطاء الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة وكبار الموظفين في الدولة على مدى عقود، في لعبة العملة الخضراء الى حدود واسعة وما يقابلها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بتواطؤ الحاكم سلامة وجمعية المصارف والصرافين، وصولاً الى تفجير «ثورة الجوع» في وجه الحكومة لإسقاطها في الشارع وإيقاع الفراغ الحكومي وتعميم الفوضى وما يرافقها من أحداث أمنية بين «الثوار» والمصارف واشتباكات مع الجيش والقوى الأمنية وتوترات طائفية على الطرقات الرئيسية وربما تتبعها عمليات اغتيال لشخصيات سياسية ومالية وصولاً إلى عودة أنصار أحزاب المعارضة الى الشارع لاستغلال التحركات المطلبية والمطالبة بإقالة رئيس الجمهورية والمجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية جديدة ما يؤشر الى أن لبنان دخل دوامة عنف ومراوحة قاتلين حتى موعد الانتخابات النيابية الجديدة في ربيع 2022.
واللافت للانتباه هو حملة التسويق السياسي والاعلامي لصندوق النقد الدولي كخيار أخير تلجأ اليه الحكومة لإنقاذ لبنان من الانهيار. ويجري استخدام ملف ديون «اليوروبوند» للضغط على الحكومة واحتجاز ودائع اللبنانيين وتعاميم المركزي التي تساهم في سرقة الودائع المصرفية وتحويلات المغتربين. وبحسب المعلومات فإن صندوق النقد رفض مساعدة لبنان إلا ضمن سلة شروط مالية ستصطدم بممانعة بعض الجهات السياسيّة في الحكومة.
فهل تسمح الخطة الأميركية بإقالة حاكم «المركزي» وما هو موقف حزب الله وحقيقة موقف حركة أمل؟
مصادر لـ»البناء» لفتت الى أن «جولة السفيرة الأميركية كانت بهدف الضغط وإرسال رسائل التهديد للمسؤولين اللبنانيين لمنع اي توجه لإقالة سلامة»، مشيرة الى أن «هذه التهديدات امتداد لسابقاتها في ملف التعيينات المالية لا سيما الفيتو على تغيير نائب الحاكم محمد بعاصيري».
مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير حذرت عبر «البناء» من أي خطوة ارتجالية في ظل هذا الظرف الحساس والدقيق والمحميات الطائفية لبعض المواقع في الدولة، وتساءلت لماذا يُحمَّل الرئيس بري مسؤولية حماية سلامة طالما أن المرجعية المسيحية أمنت التغطية والحماية التامة للحاكم ورفضت إقالته بشكل واضح؟ وما الضرر إذا قال بري موقفه من قضية مالية نقدية حساسة جداً ونبّه لانعكاسات أي قرار على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنقدي؟ وإذا كان الجميع يعلم الارتكابات والسياسات الخاطئة لسلامة بمن فيهم القوى التي تدعو لإقالته اليوم، فلماذا وافقت على بقائه في سدة الحاكمية حتى الآن؟ لماذا لم تطرح إقالته في وقت سابق؟ وأشارت مصادر الكتلة الى أن «الأجدر بالحكومة اتخاذ قرارات جريئة في ملء الفراغ في المواقع المالية قبل أي خطوة عشوائية ومتسرعة، لأن اي اقالة لسلامة ستحدث فراغاً شاملاً في مؤسسة المصرف المركزي».
وأكدت ان «الحكومة مستمرة اولاً بسبب الظروف الصحية والاجتماعية ولتعذر البديل في المرحلة الحالية»، وأكدت بأن خيار إقالة الحكومة وعودة الحريري ليس مطروحاً الآن، وحذرت من انتفاضة شعبية مقبلة ستجتاح مختلف المناطق اللبنانية تتخللها توترات وأحداث أمنية واجتماعية وطائفية.
وعن تهديد وزراء أمل بالاستقالة لفتت الى أن «الحكومة لم تطرح ملف إقالة سلامة، لكي يهدد وزراء امل بالاستقالة، بل حصل نقاش فقط علماً ان الحكومة أرجأت الإقالة بعد معرفتها المواقف السياسية من هذا الملف لا سيما أن قانون النقد والتسليف يحمي الحاكم وكان يجب تعديله سابقاً».
ونفت أي خلاف بين قيادتي امل وحزب الله بعكس ما يشاع على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة الى أن «الاتصالات والتنسيق مستمر في هذا الملف وغيره وأي موقف في الحكومة إزاء الحاكمية سيكون موقفاً منسقاً وموحداً من القيادتين».
في المقابل لفتت أوساط مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» ان «الحزب لم يبادر للطلب في الحكومة لإقالة سلامة، لكنه مستعد للسير بتوافق حكومي ووطني على ذلك، وما يهمه في هذه المرحلة التخفيف من وطأة الازمة وتعزيز جبهة الصمود الاجتماعي ومسارعة الحكومة الى عرض الخطة المالية بانتظار تبلور المرحلة المقبلة». وتشير الأوساط الى أن «كل حديث عن خلاف بين قيادتي الحركة والحزب مجرد أوهام. فالرئيس بري يتصرف بحكمة ويدرس خطوة الإقالة بنتائجها على البلد وليس من منطلق حماية احد لا سلامة ولا غيره»، لافتة الى أن «الاولوية بالنسبة للقيادتين وحدة الموقف والسلم والاستقرار الداخلي ومعالجة الازمات الاقتصادية».
في المقابل اقترحت مصادر نيابية على الحكومة الضغط على الحاكم لتنفيذ توجّه الحكومة لضبط الدولار والإفراج عن الودائع واستعادة الأموال المهربة حتى وإن وصل الامر الى عقد جلسة علنية لمجلس الوزراء يصار فيها الى استجواب حي ومباشر لسلامة امام الرأي العام حول المعلومات التي طلبتها الحكومة عن الاحتياطات والموجودات والتحويلات والأموال المنهوبة ومافيات ومضاربات الصرافين وحقيقة الوضع المصرفي.
Views: 4