عادة البديلة, أو كما يقال عنها باللهجة العامية الدارجة التي ينطق بها أهل الرقة البدايل بكسر الباء لاتزال قائمة ومنتشرة بين سكان وادي الفرات بصورة خاصة, وفي الرقة على وجه التحديد صحيح أن انتشارها في هذه الفترة لا يزال ضمن نطاق ضيق, بعد أن اتسعت أوارها ونتائجها وبشكل لا فت وخاصة بين السكان الغرباء الذين قدموا المحافظة, واستوطنوا فيها إلا أن أهلها الأصليين لا يزالون يأخذون بها, بعد فترة من الاندثار والزوال للعديد من الأسباب الموجبة هذه العادة يبقى لها مساوئها وآثارها السلبية في المحيط الأسري أولا, والاجتماعي ثانيا.. والدافع الرئيس لها غلاء المهور الذي فاق بارتفاعه حدود المعقول, وهذا ما أكد على تكريس المشكلة وتفاقمها. ومن مساوئ عادة البديلة – والتي بموجبها يقوم الشخص بتزويج أخته, أو ابنته مقايضة لشخص آخر على أن يقدم ذلك الشخص بالمقابل أخته أو ابنته دون اللجوء إلى دفع معجل أو مؤجل المهرويتم إنهاء عقد الزواج بين الطرفين بمجرد نشوب أي خلاف حتى ولو كان بسيطا بين الزوجين, فيلجأ بالتالي إلى دفع ما اتفق عليه من مهر في حال أن يترك أحدهم الآخرو اللافت أن هذه الحالات بات يمثلها وبشكل دائم المقربون فيما بينهم, وبعد أن يأخذ النصيب دوره, وهات يالطيف.. تبدأ عندها جولات المشكلات, وبدء سريان الحلول ويبقى الطلاق هو الحل النهائي لحسم هذه الخلافات العائلية المتكررة, ويشمل هذا التصرف- السيىء- حتى الطرف الآخر الذي قد لا يرضى بمفارقة زوجته, إنما الظروف صارت تجبره على هذه النهاية المحزنة. فما ذنب المتفهم للعلاقة الزوجية, والذي يعيش حياة سعيدة مع زوجته بذلك الذي يتصرف بتهور بعيدا عن أي مفهوم للرابطة الزوجية وعلاقتها الحميمية.. هذه بداية لمشكلة حقيقية جرت أحداثها في إحدى العائلات في الرقة, حيث لم تمض أيام من الاحتفال بالزواج الميمون حتى كان الطلاق لهما بالمرصاد الذي حسم المسألة, وأنهى كل شيء هكذا ببساطة فحوى هذه المشكلة نقلها لي والد العروسين الذي قال ردا على سؤال عن الأسباب التي توصل إليها هذا الزواج غير الموفق بالرغم من المشكلات التي رافقته قبل أيامه الأولى.. فأجاب وبكل أسى: نحن قبل كل شيء تربطنا علاقة قرابة, فالعروس والعريس أبناء أخي وهما من أقرب المقربين إلي, وولدي الوحيد رغب الزواج من ابنة عمه التي تصغره سنا.
لم نكن نعلم بهذه النهاية القاسية, نعم القاسية التي في النتيجة صدمنا جميعا لهذا الموقف الذي لم نعتاد عليه, لا سيما ,وأن الخطأ الذي ارتكبناه كان كبيرا جدا ومن الصعب إصلاحه. شاء القدر وكتب النصيب بزواج ابني من ابنة أخي, على أن يأخذ ابن أخي ابنتي زوجة له, وكانت رغبة العائلة بالتقارب أكثر, وهدفنا هو أن نقوي علاقة الرابطة فيما بيننا بالحب والألفة.. إلا أنه فوجئنا بعد الزواج بأن زوجة ولدي دائمة الخروج إلى بيت أهلها, وهذا يعرضنا إلى تساولات الناس التي لا ترحم واستمر الحال على هذا المنوال.. شككنا في الأمر وإذا بوالدتها- بعد فترة وجيزة تقول لنا- وبكل صراحة: (ابنتي لا يمكن لها أن تعيش مع ولدكم, والطلاق هو أفضل حل لنا ولكم سألت عن الأسباب الداعية لذلك, فلم أجد جوابا مقنعا, هنا كما يقول المثل الشعبي الدارج صار الطارد مطرودا, فقمت بالمقابل باستدعاء ابنتي, الزوجة البديلة من زوجها الذي أصر على عدم إرسالها, والسبب كما يقول: إنني على وفاق مع زوجتي ولن أتركها فأجبناه: ما دمت تريد زوجتك فطلبك هذا مشروط بدفع المهر الذي اتفقنا عليه قبل عقد الزواج, إلا أن الحلول جميعها باءت بالفشل, وعادت الزوجتان إلى حيث كانتا بعد أن ذاقتا مرارة الحياة الزوجية ومشكلاتها! ومن النتائج السلبية التي تركتها عادة زواج البديلة, وانعكاساتها على الحياة الزوجية المستقرة, ما حدث أيضا مع إحدى العائلات الريفية بالرقة. فقد ارتبط محمود بشقيقة احمد وقاسم بشقيقة محمود, وبعد سنوات من الزواج غادرت شقيقة قاسم الحياة الدنيا بعد خلاف مستفحل مع أهل زوجها محمود لأسباب مجهولة أودى بحياتها إلى الموت بعد خنقها.. سمع أهل قاسم بحادثة القتل, وعرف قاتل سماح التي لم تكمل عامها الخامس والعشرين تاركة وراءها ثلاثة أطفال أكبرهم لا يتجاوز عمره خمس سنوات فكان قرار أخيها قاسم سريعا, ودون تردد بطلاق زوجته شقيقة محمود, هذا الحال انعكس على حياة الأسرة الحالمة بمستقبل آمن مطمئن.. وهكذا انتهت حياة الأسرتين وأطفالهما الذين لا ذنب اقترفا سوى تدخل الموت الذي لن ينجو منه أحد, وبكل هذه القساوة والألم تنتهي حياة الأسرتين نتيجة الفقر المدقع والجهل الذي لا زال يسيطر على عقول الكثيرين وكانت هذه النهاية الفاجعة التي تركت آثارها بالدموع والحسرة والوجع. وثالث هذه المواقف, طلاق سماهر التي كانت مثالا للتعقل والوفاء حينما أقدم والدها الطاعن في السن على تزويجها بجهاد الذي يكبرها سناً وفي المقابل تزوج والد سماهر الطاعن في السن من أخت زوجها التي تصغره سنا!
وبمجرد خلاف بسيط انتهت العلاقة الزوجية بين الاثنين, بعد انقضاء فترة مديدة تم التوصل بعدها إلى اتفاق, وذهبت كل من الأسرتين في طريقهما المسدود, بعد معاناة مأساوية متابعة المشوار في حياة يلفها الأسى والحزن, وبقاء سماهر وشقيقة جهاد مطلقة والدها في حنق ومقت, وألم شديد نتيجة ما حدث لهما.. واللافت في هذه القضية التي وقفنا عندها مطولا أن الزوجين لم ينجبا أطفالا وهذا من حظهما, إلا أنه ما فائدة الندم بعد انقضاء فترة زمنية طويلة الخاسر فيها حياة هاتين الصبيتين من زواج البديلة, وأي حياة لو استمرت بغير هذا المنحى لكانت بالتأكيد تصور لهما تصور جمالا وبهاء أفضل, ويبقى النصيب هو صاحب الحصة الأكبر في هذا الطريق!.
فمتى يعزف شبابنا عن زواج البديلة, واستيعاب الكثير من الجوانب المظلمة في حياتنا, ونتفهم العلاقات التي تربطنا بكل صورها, وجوانبها الحسنة, وبتر أوصال هذه العادة التي لا نجني منها سوى النتائج السلبية, والنهايات المفجعة.. ومنها الطلاق, أبغض الحلال.
البلاد برس- محمد عواد الرفاعي
Views: 8