تسبّب انتقادات الثنائي داوود أوغلو- باباجان إحراجاً كبيراً لإردوغان، الذي لم يبقَ إلى جانبه من مؤسسي الحزب وكوادره الأوائل إلا عدد قليل جداً.
مع النجاح النسبي في التدابير التي اتُّخذت في مواجهة وباء كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 3700 شخص وأصاب 135 ألفاً في تركيا، وهو ما تشكّك فيه نقابة الأطباء، لم يتأخّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مهاجمة المعارضة بأسلوبه المعروف، فاتّهمها بالتخطيط لانقلاب ضده، وشنّ حملة عنيفة على حزب الشعب الجمهوري وكل معارضيه في الإعلام، وهدّد اتحادي نقابات المحامين والأطباء بمنع نشاطهما بسبب مواقفهما المناهضة له، وهو ما يعتبره “عداء للأمة والدولة التركية”.
واكتسب موقف إردوغان هذا أهمية إضافية في نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية، وأثبتت تراجع شعبيته وشعبية حزب العدالة والتنمية، ما دفع المقربين منه إلى الترويج لفكرة تساعده على البقاء في السلطة إلى الأبد، إذ اقترحوا تغيير قانون الانتخابات، ليتسنّى انتخاب الرئيس في الجولة الأولى بحصوله على 40%+1 بدلاً من 50%+1، كما هو الحال الآن في معظم دول العالم.
واستبعدت أوساط سياسية أن تساعد مثل هذه الخطة إردوغان على الفوز في انتخابات الرئاسة، بعد أن بيَّن استطلاع جديد زيادة شعبية رؤساء البلديات في 11 ولاية فاز فيها مرشّحو المعارضة في انتخابات العام الماضي، ومن بين هؤلاء رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي زادت شعبيته من 48,8% في حزيران/يونيو العام الماضي إلى 55,8% الأسبوع الماضي، وهو الحال نفسه بالنسبة إلى رئيس بلدية أنقرة، والسبب في ذلك نهجهما الناجح في إيصال المساعدات إلى المحتاجين خلال أزمة كورونا، فيما فشل الرئيس إردوغان في معالجته للأزمة، وخصوصاً بعد التدابير التي اتخذها لمنع البلديات من جمع التبرعات وإيصال المساعدات إلى المحتاجين.
وجاءت قرارات المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون الموالي لإردوغان بفرض غرامات مالية وعقوبات إدارية مجحفة بحق القنوات المعارضة، لتعكس ملامح المرحلة القادمة في تضييق الحصار على الصحافيين، بعد أن فشلت كل الإجراءات لإسكاتهم، من خلال الملاحقات القضائية ووضعهم في السجون، على الرغم من سيطرة إردوغان على 95% من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة.
ولم يكن ذلك كافياً، على الأقل حتى الآن، لإسكات رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو، الذي يشن هجوماً عنيفاً جداً على إردوغان، ويحمّله مسؤولية كل المشاكل التي تعاني منها تركيا، وهو ما يفعله وزير الاقتصاد السابق وزعيم حزب الديموقراطية والتقدم علي باباجان، ولو بلهجة أقل حدة.
وترى الأوساط السياسية في انتقادات هذا الثنائي إحراجاً كبيراً للرئيس إردوغان، الذي لم يبقَ إلى جانبه من مؤسسي الحزب وكوادره الأوائل إلا عدد قليل جداً، بعد أن اختلف معهم جميعاً، وفي مقدمتهم مؤسس الحزب ورئيس وزرائه الأول عبد الله غول.
وتتحدث المعلومات عن اتصالات ومشاورات يجريها عبدالله غول وأمثاله من خلف الكواليس، لتوحيد حزبي داوود أوغلو وباباجان مع حزب السعادة الإسلامي، الذي انشقّ عنه إردوغان ورفاقه عندما شكّلوا حزب العدالة والتنمية في العام 2001. واعتبر حينها الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان هذا الحزب “أداة إمبريالية وصهيونية تخدم أهداف إسرائيل، وذلك من خلال تدمير سوريا والعراق والمنطقة”.
وتدفع كل هذه المعطيات الرئيس إردوغان إلى وضع العديد من الخطط لمواجهة أعدائه، بما في ذلك مساعيه لشقّ وحدة الصفّ بين أحزاب المعارضة الرئيسية، وهي الشعب الجمهوري (28%) والشعوب الديموقراطي (11%) والحزب الجيد (10%)، والتي ألحقت بتحالفها هزيمة كبرى بالرئيس إردوغان في الانتخابات البلدية العام الماضي.
كما تتوقّع الاستطلاعات لحزبي داوود أوغلو وباباجان أن يحصلا معاً على 6-7% من الأصوات في حال إجراء الانتخابات الآن. وسيدفع مثل هذا الاحتمال الرئيس إردوغان إلى اتخاذ قرار الانتخابات المبكرة للتخلص منهما والحد من تبعات الأزمة المالية الخطيرة، بعد أن فشلت أنقرة في الحصول على قروض مالية عاجلة لتسديد ديونها الخارجية المستحقة لهذا العام، وهي حوالى 180 مليار دولار، مع المعلومات التي تتحدث عن تراجع خطير في احتياطي المصرف المركزي، ما أدى إلى تراجع قيمة الليرة التركية بنسبة 14% خلال شهرين فقط.
وسعى الإعلام الموالي لإردوغان إلى تفسير هذه الأزمة بمنطقه التقليدي، فحمّل “القوى الإمبريالية والصهيونية والماسونية العالمية التي تسيطر على المؤسسات المالية العالمية” مسؤولية هذه الأزمة، واتّهمها جميعاً “بالوقوف خلف الحملة التي تستهدف الاقتصاد التركي بهدف تدميره، بعد أن حققت تركيا انتصارات عظيمة في جميع المجالات داخلياً وخارجياً”. واتهم هذا الإعلام المعارضة الداخلية “بالتواطؤ مع أعداء الأمة والدولة التركية، من خلال الحديث عن الأزمة المالية وفشل الحكومة في معالجة أزمة كورونا”.
ويعتبر الكثيرون هذا الواقع السلبي نتاجاً لسياسات إردوغان على الصعيد الخارجي، وبشكل خاص تكاليف التدخل التركي في سوريا، وقبل ذلك العراق، والآن في ليبيا، إذ تدفع أنقرة، والقول لوزير المالية السابق عبداللطيف شنار، وهو من مؤسسي العدالة والتنمية، مرتبات عشرات الآلاف من المسلحين في سوريا وليبيا، وتلبي كل احتياجاتهم، كما تصرف الملايين من الدولارات يومياً على تواجدها العسكري في سوريا وليبيا والعراق.
ولم يهمل شنار الحديث “عن الدعم الذي يقدّمه الرئيس إردوغان لكل الإسلاميين في العالم، بصفته الزعيم السياسي والروحي لهم منذ ما يسمى بالربيع العربي”، فقد أراد إردوغان، والقول أيضاً لشنار، “لهذا الربيع أن يجعل منه خليفة وسلطاناً يحيي ذكريات الإمبراطورية العثمانية، فحوّلها من جديد إلى رجل أوروبا المريض”.
وتتوقّع أوساط المعارضة لهذه الحالة المرضية أن تدفع إردوغان قريباً إلى العمل على تصدير أعراض هذه الحالة إلى الخارج، بمزيد من التوتر أولاً في العلاقة مع الغرب، وثانياً بمغامرات، بل مواجهات ساخنة في سوريا وليبيا، ليكون ذلك مبرراً له لإعلان حالة الطوارئ، ومن خلاله سيقضي على أنواع المعارضة كافة، وهو ما ألمح إليه نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور آوزال، إذ أشار “إلى فشل إردوغان في تزوير الانتخابات البلدية العام الماضي، بعد أن نجح في ذلك خلال استفتاء 2017″، وقال: “إردوغان في حالة يرثى لها، على الرغم من سيطرته على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والمال والقضاء والإعلام، وهي أدواته في حربه ضد معارضيه”.
ولم يكن كلّ ذلك كافياً بالنسبة إلى إردوغان حتى يتخلَّص من هؤلاء المعارضين، وهو ما بات صعباً بتصاعد حجم المعارضة بأشكالها كافة، وهي تستعد لمواجهات ساخنة مع إردوغان، فقد اقتنعت هذه القوى أنه في وضع لا يُحسد عليه أبداً، وأن الانقضاض عليه بات سهلاً، وأكثر من أي وقت مضى منذ استلامه السلطة قبل 18 عاماً.
وكانت السنوات الثماني الأولى منها إيجابية، والعشر الأخيرة سلبية وسيّئة وخطيرة، بسبب الكثير من الأخطاء التي ارتكبها إردوغان شخصياً. ويفسر ذلك عداء رفاقه السابقين له، كما يفسر الوضع الذي آلت إليه تركيا داخلياً وخارجياً، إذ لم يعد لديها أي صديق سوى قطر، وهي تتلقى بدورها التعليمات من واشنطن، التي تتصيّد الفرص لتصفية جميع حساباتها مع إردوغان، وفي مقدمتها “أس 400″، ومن ثم شرق الفرات!
الميادين
Views: 1