ساعاتٌ وينطلق الحوار الاستراتيجي العراقي ــــ الأميركي. ملفاتٌ كثيرة على الطاولة. مناخ من الظروف المعقّدة في العراق والمنطقة والعالم.
الأولويّة، وفق أكثر من مصدر، للمشهد الأمني ومآلاته إن اتفق الجانبان على جدولة انسحاب الاحتلال الأميركي من البلاد، أو إعادة تموضعه، مع الأخذ بالاعتبار هاجس إعادة إنتاج «داعش» لنفسه.
ثمة من يرى أن الحوار لقاءٌ غير مباشر بين طهران وواشنطن، ومحاولة عراقيّة جديدة لتقريب وجهات النظر بين العدوّين. أيضاً ثمة من يرى أن الحوار محاولة أميركيّة لعزل العراق عن جيرانه في محور المقاومة، وأن يكون متناغماً أكثر مع المحور الأميركي ــــ الخليجي، مع الاستثمار في شخص مصطفى الكاظمي الذي يوصف أحياناً بأنه “أميركيّ الهوى”.
أسئلةٌ عدّة تُطرح إزاء هذا الحدث ــــ التحوّل، مع تكتّم شديد من الجانبين، وترقّب إيراني للنتائج. كل ذلك يتزامن مع بدء واشنطن تنفيذ قانون «قيصر»، والتساؤل داخل العراق وخارجه عن موقف بغداد منه.
في مناورة لإعادة «سيناريو 1990» العراقي على سوريا، يخوض الأميركيّون تجربة الورقة الاقتصاديّة مجدداً بعد إخفاق سيناريو 2011 المستمر حتى اليوم، الذي أسفر عن إنهاك بنية الدولة واقتصادها.
التشريع الجديد الساعي إلى تقديم كل المسؤولين عن «انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة»، وفق السرديّة الأميركيّة، سُمّي «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، وأدرج في موازنة الدفاع لعام 2020 لتفادي أي عرقلة جديدة داخل الكونغرس بعد أكثر من خمس سنوات على كتابته وصياغته.
القانون يدخل حيز التنفيذ الشهر الجاري، وتأمل واشنطن أن يساهم في «تهديم» أركان الاقتصاد السوري، وفرض عقوبات على الرئيس بشار الأسد وملاحقة الأفراد/ الشركات المقرّبين من الدولة، سواء السوريين أو الأجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة.
وهو يستهدف المصانع العسكريّة والبنى التحتيّة و«المصرف المركزي» السوري، بجانب عقوبات جديدة ضد موسكو وطهران مع استمرارهما في تقديم الدعم إلى دمشق.
في بغداد، ثمة من يسأل هل سيؤثّر «قيصر» في العراق وعلاقاته مع سوريا. سؤالٌ لم يلقَ إجابة دقيقة حتى الآن، وفق أكثر من مصدر سياسيّ ودبلوماسي.
ثمة من يعوّل من العراقيين المتعاطفين مع دمشق، وتحديداً من حلفاء طهران، على قدرة الدولة السورية على مواجهة القانون المستجد بعلاقاتها مع مجموعة من الدول الصديقة كروسيا والصين وبعض دول آسيا وأفريقيا، ودول الجوار كالعراق والأردن ولبنان.
لكن تلك الدول قد تكون غير بعيدة من شمولها بالمشروع، وخاصّةً أن واشنطن قد تذهب باتجاه كسب إجماع دولي تحت ذريعة «قصقصة أجنحة طهران» في المنطقة.
ربما يؤثر «قيصر» في التنسيق الأمني بين الأجهزة السورية والعراقية
في هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد العزيز عليوي، إن تطبيق القانون سيكون له أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية على العراق المتداخل مع سوريا بصورة كبيرة في عدد من القضايا المشتركة، مشيراً إلى «تزامن سريان القانون مع الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، وهو أمر قد يحرج الحكومة العراقية إذا لم تلتزمه، لأن ذلك لن يروق واشنطن».
ويضيف عليوي: «طهران التي تتفاخر بدعمها لبغداد في حربها ضد الإرهاب لن ترضى هي الأخرى بأي موقف عراقي مؤيّد أو حتى صامت عن تطبيق قيصر».
العراق، الذي يملك ثلاثة منافذ حدودية شرعيّة تربطه مع سوريا، قد يتعرّض هو الآخر لحرب غذائية، فالمستهدف هنا دول محور المقاومة، التي تريد واشنطن قطع التواصل بينها وفرض عقوبات جديدة عليها لأهداف جيوسياسية واقتصادية وعسكرية، في حال عجزت عن مواجهة حلفاء طهران في العراق وسوريا ولبنان.
وفق مصدر سياسيّ مطّلع، تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى «بناء علاقة جديدة مع العراق وفق مصالحها»، موضحاً أن «تطبيق قيصر على سوريا وإمكانية شموله العراق قد يكون الهدف من ورائه تكرار سيناريو العقوبات المفروضة على إيران.
الضرر الأكبر سيكون اقتصادياً ويستهدف التبادل التجاري بين البلدين، لأن القانون غير واضح المعالم والحدود، وقد يفسّر أي تعاون تجاري على أنّه دعم لدمشق، كما سيفتح باب الابتزاز الأميركي للعراقيين للحصول على مزيد من التنازلات… على الأقل في مواقف تزعج إيران، مقابل السماح باستئناف بعض النشاطات التجارية مع سوريا، على غرار ما يحدث في الاستثناء لاستيراد الطاقة من طهران».
في موازاة ذلك، ينشط داخل الكونغرس حراكٌ للحزب الحاكم سيسفر عنه إصدار مذكرة عقوبات جديدة تطاول شركاتٍ إيرانيّة وصينية بذريعة «تهديد السلم الدولي ودعم الإرهاب»، وهذه المرة ليس بعيداً إلغاء عقود تصدير الكهرباء من طهران إلى بغداد، في وقت يكون فيه الهدف من الحوار الاستراتيجي عزل العراق كليّاً عن إيران.
وفي جانب آخر ورقة «قيصر» التي قد لا تكون اقتصادية فقط، بل قد تُضعف جهود التنسيق بين أجهزة المخابرات العراقية ــــ السوريّة في ضرب وملاحقة فلول تنظيم «داعش» الناشطة على حدود البلدين.
الأخبار
Views: 5