Smiley face Smiley face Smiley face

مبادرة تخفيض الأسعار التي أطلقتها غرفة تجارة دمشق منذ أيام بحضور وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تضمنت أحد عشر بنداً، وصفها غالبية من سألناهم عنها بالضحك على اللحى، وأنها دعاية مجانية لأصحابها. أحد عشر بنداً تخلو من العناوين والأرقام والأسعار، والأهم أنها تخلو من أي مساعدة حقيقية في مثل هذه الأوضاع الصعبة، وتخلو من مفهوم المساعدة الأساسي؛ أي التخلي عن الربح ولو لمرة واحدة.
ليس من حقنا مطالبة التاجر بالخسارة، مع أن طلباً كهذا ممكنٌ في الملمات الكبرى، أي حين تخسر مالاً وتربح شعباً، لكن وبكل ثقة من حقنا أن نطلب منه ألا يستغل فقرنا وحاجتنا، وألا يكذب علينا ويستخف بنا، فأسوأ أنواع الكذب هو الكذب غير المتقن، لأنه يوجّه إهانتين بدل الواحدة للمكذوب عليهم؛ الأولى بفكرة الكذب نفسها، والثانية بالاستخفاف بعقولهم لدرجة أن الكاذب لا يرى ضرورة في جعل كذبته تبدو حقيقية.
وبالمقابل، حين تستمع إلى مطالب التاجر وشرحه عن أحواله، تتأكد من فكرة وجود حلقة ضائعة لا يعرفها إلا قلة يرفضون الحديث عنها، وتشعر بأن في كلامهم منطقاً، منطقٌ إن عزلت مشاعرك تجاههم كمواطن يراهم أكبر الشرور، ستتقبله وتطالب معهم بحل يشمل ويرضي الجميع، وتصل في النهاية إلى نتيجة واحدة من الممكن تعميمها على مناحٍ كثيرة في حياتنا: الجميع مذنبون.. والجميع أبرياء.
ولعل النتيجة الأهم التي حصلنا عليها من الاستطلاع الذي أجرته «تشرين» حول المبادرة، هي أن رأب الصدع بين الناس والتجار صار شبه مستحيل، إذ يكفي أن تقول كلمة تاجر فقط، لتسمع كل أنواع الشتائم والتخوين، وربما لا يُلام الناس في بلد نهشته الحرب مدة عشر سنوات، ولم يسمعوا خلالها عن نموذج واحد يستطيعون تشبيهه بنماذج قرؤوا عنها في بلاد أخرى، نماذج ساعدت الناس ولم تكمل على البقية الباقية من أرواحهم.

 

مواطنون: ترويج وذر للرماد في عيون ما عادت تتسع

دعاية مجانية
«تشرين» لم تكتفِ بالاستطلاع، بل جالت على كثير من المحلات التي يفترض أن المبادرة ستشمل بعض موادها، وكانت النتيجة أن قلة قليلة جداً من محلات بيع الغذائيات المذكورة في المبادرة وصلها العرض المخفض، والغالبية لم يسمعوا بها، أما بالنسبة للمنظفات فكانت مبادرة أحدهم الأغرب وتتضمن أكثر من جزء: أولها الوعد بالتواصل مع الشركات، وثانيها أن أي تخفيض لن يتجاوز 15% في حال نفذ، وثالثها أن التخفيض المذكور تبعاً للمادة، والأغرب أن أصحاب الكثير من المحلات كان جوابهم كأنه متفق عليه: مسرحيات. في حين نفذ بعض المبادرين وعودهم، وقدّموا منتجاتهم بالتخفيضات التي ذكروها رغم ندرتهم.
وفيما يلي تفاصيل المبادرة التي أجرت «تشرين» الاستطلاع حولها، وسنذكرها ليس من باب الإعلان، وإنما للتعريف:
1- السيد محمود خورشيد أمية كلاس منطقة ضاحية قدسيا تخفيض أسعار يوم الجمعة 19/6/2020 بنسبة 50% من المأكولات الغربية والشرقية.
2- السيد محمد خير درويش (أحذية الشام) تخفيض لمدة أسبوع تباع القطعة بسعر التكلفة.
3- السيد محمد حمزة الجبان (مؤسسة الشعلان التجارية) تخفيض أسعار مؤسسة الشعلان التجارية التي تورد إلى مراكز الجملة بنسبة 5 و10و15% حسب المادة.
4- السيد بشير الباني (جوارب السماح) تخفيض 20% لمدة أسبوعين.
5- السيد أنس الأبرص (الشيف نديم) تخفيض السكر والشاي بسعر التكلفة.
6- السيدة فريال رسلان (قدمت دورات مجانية للوزارة في مركزها).
7- السيد محمود المفتي (عضو لجنة المنظفات) الذي كانت مبادرته أنه سيتواصل مع شركات المنظفات لتخفيض 10 إلى 20 % حسب نوع المنتج.
8- السيد سامر رباطة (ألبسة رجالية) تخفيض 40% لمدة شهر.
9- السيد ماهر الأزعط (ألبسة) تخفيض بنسبة 20% لغاية شهر بالإضافة للعروض وتخفيض لكل من يملك بطاقة جمعية خيرية.
10- شركة سينالكو تخفيض 25% بمراكز السورية للتجارة لمدة يوم واحد كل أسبوع ولمدة شهر.
11- السيد عدنان تيناوي (قطع تبديل سيارات) تخفيض بسطونات غولف وطرنبة فرام غولف بنسبة 50%.
12 من أصل 134 مشاركاً في الاستطلاع أملوا بالمبادرة خيراً، لكنه أيضاً كان أملاً خجولاً، حيث لم تتجاوز تعليقاتهم فكرة الدعاء بأن يستفيد الناس من المبادرة، وأن يتشجع آخرون لمبادرات جديدة ومفيدة، بينما انقسمت بقية الآراء بين تكذيب المبادرة ووصفها بذرٍّ الرماد في العيون التي فيها من الرماد ما يكفيها، وأنها ليست أكثر من دعاية مجانية لمن ذكرت أسماؤهم، خاصة أننا على أبواب انتخابات مجلس الشعب الذي يشغل بعض مقاعده تجار معروفون، وبين السؤال عن سبب غياب الأسماء الكبيرة وغياب المؤسسات التجارية التي تسيطر منتجاتها على الأسواق بشكل واضح، وبالذات المنتجات الغذائية.

كذلك رأى بعض المشاركين أن المبادرة هي فرصة ذهبية لـ«سرقة» الناس أكثر، لأن معنى مصطلح (تخفيضات) بالنسبة لنا كسوريين، هو رفع الأسعار أكثر من الضعف، ومن ثم تخفيضها بنسبة بسيطة، أي إن ربح التاجر خلال «التخفيضات» يفوق ربحه خلال أوقات المبيع الطبيعي، وسخر مشاركون آخرون من تحديد مدد معينة – قصيرة غالباً- ستجري خلالها المبادرة، وقال أحد المعلقين: «ليش محددينها بأيام؟ يخلوها نص ساعة أحسن»، بينما استفسر كثيرون عن أماكن وعناوين غالبية الجهات المشاركة بالمبادرة والتي لم يسمعوا بها من قبل.
كثيرة أيضاً كانت التساؤلات حول كيفية معرفة السعر الأصلي للمادة التي سيجري عليها التخفيض، خاصة أن فرق الأسعار يلمسه المواطن بشكل يومي وأحياناً بشكل ساعيّ، وكيف سيصدق المواطن أن المادة التي سيشتريها بسعر يفترض أنه مخفض ليست مادة مخزنة ستتم سرقته عبر رفع سعرها لأضعاف ثم تخفيضه قليلاً؟
وشبّه عدد غير قليل من المستطلعة آراؤهم المبادرة بمبادرة (كلشي بليرة) التي لم تكن – حسب قولهم – أكثر من مهرجان دعائي كبير لم يقدم أي فائدة تذكر للناس.
فادي (41 عاماً)، موظف وأب لثلاثة أولاد، بعد اطلاعه على المبادرة قال: «أحذية.. ألبسة.. بسطونات سيارات وجوارب؟ هل هذه هي احتياجاتي أنا كمواطن يعاني اليوم من انخفاض قيمة عملة بلده وارتفاع الأسعار بشكل جنوني؟ ليت الألبسة والأحذية و«البسطونات» تؤكل حتى أستفيد منها.. أنا أشعر بالإهانة من هذه المبادرة.. أنا لست متسولاً».

 

أمين سر الغرفة: الحل بدعم الفعاليات الصغيرة

دعم الفعاليات الصغيرة
من جهته قال أمين سر غرفة تجارة دمشق محمد حلاق: إن المبادرة أطلقت بحضور وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وإن التجار استمعوا إلى كلام جديد وبطريقة جديدة لم يسمعوها سابقاً، مشيراً إلى أن الوزير طالب بأن تكون ربحية التاجر بالحد الأدنى ليستمر قطاع الأعمال بالعمل.
وأضاف حلاق: إن التاجر كلما كانت أعباؤه ومصاريفه واضحة، فإن باستطاعته وضع الحد الأدنى من الربحية، وأن أسواقنا بحاجة إلى خلق تنافسية بين المنتجين، لأن هذه التنافسية ستوفر المزيد من البضائع، وستؤدي إلى انخفاض الأسعار أكثر، وبالتالي سيكون المواطن هو المستفيد.
وعلّق أمين سر غرفة التجارة على ما يتم تداوله بين الناس حول وجود مستودعات مملوءة بالمنتجات يجب توزيعها قائلاً: فلنفرض أن أصحاب هذه المستودعات وزعوها بالأسعار التي يريدها الناس، ربما تكفي أسبوعاً أو أسبوعين، لكن ماذا بعد ذلك؟
وعن غياب المؤسسات الكبرى عن المبادرة، وخاصة الغذائية منها، أوضح حلاق أن حجم نفقات المؤسسة يزداد بازدياد حجمها وإنتاجها، وأن المؤسسات الكبرى مضطرة لوضع ربحية أعلى لتستمر معادلة الشراء والبيع، موضحاً أن الحل يكمن في دعم الفعاليات الصغيرة من خلال إيجاد بيئة عمل مريحة تبدأ بعدم محاباة رؤوس الأموال الكبيرة، ووضع تشريعات واضحة المعالم يستطيع الجميع العمل من خلالها، فالتنافسية في المشاريع الصغيرة أعلى بكثير منها في المشاريع الكبيرة، لأنها قادرة على التأقلم مع الواقع بشكل أكبر، وحين يتم دعم هذه الفعاليات ستضطر المؤسسات الكبرى إلى تخفيض أسعارها.
أرباح الغذائيات بسيطة
وفيما يخص عدم مشاركة الكثير من المؤسسات الغذائية في المبادرة، بيّن حلاق أن أرباح المؤسسات الغذائية منخفضة أساساً ولا يتجاوز هامشها الـ 6 إلى 8%، وبهذه النسبة المنخفضة أساساً ما الذي تستطيع هذه المؤسسات تقديمه من تخفيضات؟ مبرراً وصول سلع هذه المؤسسات إلى المواطن بأسعار مرتفعة، بما يضاف إلى المادة المنتجة وما يتم تحميله عليها من نفقات مثل الموزع والسيارات الناقلة ونقص البضائع والسرقات والديون المعدومة، وذلك بعكس الألبسة والأحذية ذات الأرباح العالية، والتي يبقى لدى تجارها «ستوكات» يستطيعون بيعها بسعر التكلفة بسبب تغير الموديل المطلوب أو اللون أو غيره في كل موسم.
وختم حلاق بأن الربحية أمر ضروري جداً وطبيعي للاستمرارية، فكل عمل من دون حافز سيتوقف حتماً.

 

خبيرة اقتصادية: تفعيل مؤسسات الدولة لكسر الأسعار

تدخلات استعراضية
الخبيرة الاقتصادية الدكتورة نسرين زريق أكدت أن هذه المبادرات ليس لها أي مفعول حقيقي على الأرض، وأساساً الكثير منها لا يطبق بشكل حقيقي ولا يعدو كونه تدخلات استعراضية دعائية، خاصة أن لعبة الخصومات موجودة ومعروفة منذ ما قبل الحرب، حيث يقوم الكثير من أصحابها برفع الأسعار لأكثر من أربعة أو خمسة أضعاف، ثم يتم تخفيضها بنسبة قليلة، مضيفة: إن المسافة بين ما يقدمه التاجر في هذه المبادرات وبين ما يخدم المواطن بشكل حقيقي كبيرة جداً، إضافة إلى أن المشكلة أصبحت أكبر بكثير من مجرد خصم في السعر أو تخفيض بنسب قليلة.
الحل في تدخل الدولة
ورأت د. زريق أن المبادرات والمهرجانات والتخفيضات التي تحصل في نهاية المواسم لا تحقق فرقاً في الاقتصاد السوري، فما الذي ستحققه مبادرة أمام سعر صرف رفع الأسعار بنسبة 400%؟ موضحة أن ما يحقق الفرق اليوم هو تدخل الدولة عبر مؤسساتها وخاصة «السورية للتجارةۚ» بتقديم مواد تصل للمواطن بشكل مباشر وبذات الجودة وبتخفيضات تصل إلى 90%، فالدولة هي الوحيدة القادرة على كسر الأسعار عبر تحقيق المنافسة مع القطاع الخاص.!
وختمت الخبيرة زريق بأننا اليوم أمام حرب اقتصادية حقيقية، والحرب بحاجة إلى جيش، والجيش هو الدولة التي عليها تفعيل مؤسساتها أكثر كالسورية للتجارة والشركة الخماسية للألبسة، أما الاعتماد على المواطنين والمبادرات فلن يحل أي مشكلة.

Views: 1

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي